الوقت - مرت إيران والسعودية، كقوتين إقليميتين متنافستين في التطورات في غرب آسيا، بفترة توتر في السنوات الأخيرة، بحيث إن قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مستمر منذ أكثر من ست سنوات.
ومع ذلك، فإن التغييرات المستمرة في الوضع في المنطقة وعلى الساحة الدولية، إلى جانب جهود السعوديين لكسر الجمود في السياسة الخارجية العدوانية والتدخلية لمحمد بن سلمان بعد وصول والده إلى السلطة في عام 2015، أدت إلى عقد عدة جولات من المحادثات السياسية بين وفدي البلدين في بلد ثالث(العراق)، وذلك عقب إعلان إيران استعدادها إجراء محادثات خفض التصعيد.
وبينما أفادت وسائل الإعلام والمسؤولون السياسيون بحدوث خمس جولات على الأقل من المحادثات، لكن لم يتم إحراز أي تقدم ملموس نتيجةً لهذه المحادثات حول العلاقات بين البلدين.
وعقب هذا الفشل، وبعد الإعلان عن أنباء إعدام 81 شخصًا بتهم مشبوهة تمثلت في القيام بأنشطة إرهابية في السعودية، توقفت المحادثات فجأةً بسبب رفض إيران الاستمرار في حضور الاجتماعات.
أهداف وتوقعات الطرفين في المفاوضات
من المؤكد أن مطالب وآفاق نتيجة المحادثات ليست هي نفسها بالنسبة لإيران والسعودية.
بينما تعتبر إيران السعودية جارةً مهمةً في الخليج الفارسي وذات موقع مؤثر في التطورات الإقليمية والعالم الإسلامي، وحسب مقاربة إعطاء الأولوية للتعاون مع الجيران في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية، يمكن أن يكون التفاعل مع هذا البلد فعالاً في تخفيف مشاكل وصعوبات المنطقة، ولا سيما في العراق ولبنان؛ ولكن من ناحية أخرى، ترى طهران أن دفع السعوديين لإنهاء الأزمة في اليمن والمساعدة في إنهاء الأزمة الإنسانية في هذا البلد، هو سبب آخر للمشاركة في محادثات خفض التصعيد.
في المقابل، فإن ميل السعوديين إلى التفاوض هو في المقام الأول نتاج الارتباك الناجم عن الإخفاقات المختلفة في مجال السياسة الإقليمية، مع الإجراءات العدوانية والمتطرفة لمحمد بن سلمان في مواجهة الخصوم.
إن الهزيمة الفاضحة للتحالف السعودي في اليمن وتفكك الجبهة السعودية المتحدة في الحرب، الفشل في محاصرة قطر والتراجع من المواقف الأولية لرفع الحصار، الفشل في مشروع زعزعة استقرار دول محور المقاومة، الفشل الأکبر في دفع مشاريع الإصلاح وتنفيذ الإصلاحات الاجتماعية لتحسين صورة السعودية في أذهان المجتمع الدولي وخاصةً الإعلام الغربي، وتشكيل عملية الانسحاب الأمريكي من المنطقة، کلها عوامل جعلت الرياض الخاسر الرئيسي للتطورات الإقليمية خلال الفترة المضطربة من العقد الماضي.
وبالتالي، فإن السعودية ومحمد بن سلمان، المتشوق لتولي العرش، يجدان نفسيهما مضطرين لاتخاذ خطوات للتخفيف من هذه المشاكل الرئيسية في السياسة الخارجية؛ ومثل هذا النهج ليس خيارًا للسعوديين بأي حال من الأحوال.
نتيجةً للوضع الدولي بعد اغتيال خاشقجي والانتقادات الدولية للحرب اليمنية، إضافة إلى الضغط الشديد لهجمات اليمنيين شبه اليومية على المنشآت النفطية في السعودية، اضطرت الرياض للدخول في حوار مع محور المقاومة.
طاولة المفاوضات؛ الموقف القوي مقابل الطرف الضعيف
لا شك في أن العامل الأهم في تعطيل جولة المحادثات الجديدة بين إيران والسعودية على الأراضي العراقية، كان الإعلان عن الإعدام الجماعي لعدد من المعارضين السعوديين، وكثير منهم من الشيعة.
للسعوديين تاريخ قاتم وطويل للغاية في قمع الشيعة بذرائع كاذبة مثل الإرهاب، والذي ينبع من النظرة التمييزية والوهابية للنظام السياسي في البلاد تجاه المجتمع الشيعي.
السعوديون الذين يعلمون أن الإعدام الجبان للشيخ نمر باقر النمر، الزعيم السياسي والروحي للشيعة السعوديين، في يناير 2017، أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين، هذه المرة أيضاً وفي إجراء استفزازي تمثَّل في إعدام عدد كبير من الشيعة عشية المحادثات، كانوا يدركون بالتأكيد الآثار المحتملة لهذا الإجراء على ظروف المحادثات.
وبالتالي، يمكن القول إن السعوديين، الذين رأوا أنفسهم في موقف ضعيف في المفاوضات بعد الهجمات الناجحة الأخيرة لليمنيين على حقول النفط في هذا البلد، سعوا إلى سد هذه الفجوة من خلال إعدام عدد كبير من الشيعة، لدخول طاولة المفاوضات مع طهران من موضع القوة حسب زعمهم.
في غضون ذلك، انسحبت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من طاولة المفاوضات من موقع القوة بعد ملاحظة سلوك الطرف الآخر خلافاً لتوقعات السعوديين، وقد وضعت هذه الخطوة الرياض في حالة من الترقب والارتباك والقلق من احتمالات فشل المفاوضات وتفاقم أزماتها في اليمن.