في حين أن زيارة وزير الخارجية الكويتي إلى لبنان تمت على ما يبدو بنية حسنة وللتخفيف من حدة التوتر في البلاد مع الدول الخليجية، فإن الأدلة تشير إلى عكس ذلك.
الوقت- زيارة وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر الصباح إلى لبنان تضمنت على ما يبدو مؤشرات على قرب انتهاء الحصار السياسي المفروض على لبنان من قبل المملكة العربية السعودية والدول الخليجية الأخرى.
لكن الفحص الدقيق لتصريحات ومواقف ومشاورات وزير الخارجية الكويتي في لبنان يثير تساؤلات حول الضغوط المتوقعة على البلاد في المرحلة المقبلة. وفي هذا الصدد، يُتوقع أن تتزايد هذه الضغوط بسبب قرار رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري ورئيس تيار المستقبل رفض المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة مع اشتداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان.
يشار إلى أن السعودية على يبدو قررت اختيار الكويت كوسيط وحيد لها مع لبنان، وبذلك تنهي جهود دول أخرى، بما فيها مصر وحتى جامعة الدول العربية، لرسم خريطة بهذا الصدد. لكن يبدو أن وزير الخارجية الكويتي لم يكتف بتسليم رسالة المملكة العربية السعودية خلال زيارته للبنان، بل قدم طلبات دول عربية وأجنبية أخرى.
ونسقت دول عربية زيارة وزير الخارجية الكويتي إلى لبنان خلال اليومين الماضيين، وكذلك الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى، وتطرق الوزير صراحة إلى دعم الأردن ومصر لهذا الامر. وطبعا زيارة هذا الوزير الكويتي للبنان لا يمكن النظر فيها أنها لأجل رفع الحصار عن هذا البلد من قبل السعودية ودول أخرى في الخليج الفارسي، لأن العلاقات الدبلوماسية الكويتية مع لبنان لم تقطع بالكامل من قبل.
خلال زيارة وزير الخارجية الكويتي للبنان، والتي جرت لإنقاذ لبنان وإعادة العلاقات مع دول الخليج الفارسي، تم الكشف عن أن الوزير الكويتي قدم قائمة من 12 شرطا، كل منها عنوان لخلق أزمة داخلية وصراع سياسي إقليمي. هذه الشروط الـ 12 هي في الواقع نتاج العمل المشترك للولايات المتحدة وأدواتها في دول الخليج الفارسي، وهي تعكس أيضًا ظروف ومطالب المملكة العربية السعودية. تنص الفقرة الأخيرة من البنود الاثني عشر على أنه إذا التزم لبنان بهذه الشروط، فستعمل المؤسسات الدولية معًا لحل الأزمة المالية في البلاد. وسمع المبعوث الكويتي من جميع المسؤولين اللبنانيين أنهم حريصون على إقامة أفضل العلاقات مع دول الخليج الفارسي.
وأكد الرئيس اللبناني ميشال عون أن لبنان يؤكد إقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية وجميع دول العالم، وأن على جميع المسؤولين الالتزام باتفاق الطائف والقرارات العربية والدولية.
حصلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية على معلومات تشير إلى أن الموقف اللبناني الرسمي من هذه القضية من المحتمل أن يعلن في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب الذي سيعقد في الكويت نهاية الشهر الجاري. وفي هذا الصدد، وعد ميشال عون وزير الخارجية الكويتي بأنه سيتشاور مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري لعرض موقف مشترك وموحد. وذكرت مصادر لبنانية مطلعة أن عدم استجابة الأطراف السياسية للمشاورات المشتركة التي دعا إليها ميشال عون، ووجود استراتيجية الدفاع وخطة الإنعاش المالي على أجندة هذه المشاورات، أعطى الفرصة اللازمة للوصول إلى موقف موحد في لبنان.
في المقابل، أعربت الأوساط اللبنانية عن قلقها من أن تكون الشروط الـ 12 التي وضعها وزير الخارجية الكويتي في لبنان تتماشى مع خطة أخفقت الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤهما في فرضها في حروب متتالية ضد لبنان. في الواقع، إذا طبق لبنان هذه الشروط دون أي اعتراض، فسيتم الموافقة عليها من قبل المجتمع الدولي ودول الخليج الفارسي، وفي مقابل موافقة لبنان على هذه الشروط، وهو ما يعني في الواقع التنازل عن سيادته، يجوز لهذه الدول أن تتخذ خطوة لمساعدة لبنان. طبعا هم لا يلتزمون بهذا الصدد، وفي هذه الاثناء يجب على لبنان ان ينحني فقط ويستوفي الشروط المذكورة.
وجدد وزير الخارجية الكويتي، الذي وصل إلى لبنان مساء السبت في بداية رحلته للقاء مسؤولين لبنانيين، تصريحات بلاده السابقة وتحدث عن الرسائل الثلاث التي بعثها إلى اللبنانيين. وهو يعني التعاطف والتضامن والتأييد والمحبة للشعب اللبناني، ثانياً التأكيد على أن لبنان لا ينبغي أن يكون منصة للهجوم على الدول العربية، وثالثاً، أن لبنان تحقيق الاستقرار والأمن والسلطة في لبنان هو رغبة كل الدول العربية، ومن خلال تنفيذ القرارات الدولية، تصبح الرسائل العربية حقيقة على الارض.
لكن اللافت في المؤتمرات الصحفية لوزير الخارجية الكويتي ليس أقواله. إنما هو سلوك ممثلي الإعلام اللبناني الذين يتصرفون بالضبط مثل إعلام دول الخليج الفارسي أو إعلام الأنظمة القمعية. في الواقع، كان نهج الإعلام اللبناني خلال الأيام الماضية هو التركيز على تصريحات وزير الخارجية الكويتي بشأن تنفيذ البرامج الدولية، وليس ما إذا كانت دول الخليج الفارسي تهتم بتصريحات المسؤولين اللبنانيين في هذا الصدد أم لا.
ونشرت "الأخبار" نسخة من منشور أحضره وزير الخارجية الكويتي يحتوي على 12 شرطا نصها كالتالي:
انطلاقاً من السعي إلى رأب الصدع في العلاقات الخليجية-اللبنانية، وبناء جسور الثقة مع الجمهورية اللبنانية الشقيقة، ووفقاً للمعطيات الناتجة عن الأزمة الأخيرة، والتي تتطلب اتخاذ إجراءات وخطوات ثابتة لإزالة أي خلاف، متمثلة في التالي:
1- التزام لبنان بكل استحقاقات اتفاق الطائف.
2- التزام لبنان بكل قرارات الشرعية الدولية وقرارات جامعة الدول العربية.
3- التأكيد على مدنية الدولة اللبنانية وفق ما جاء في الدستور اللبناني.
4- سياسة النأي بالنفس يجب أن تكون قولاً وفعلاً.
5- وضع إطار زمني محدد لتنفيذ قرارات مجلس الأمن رقم 1559 (2004) والخاص بنزع سلاح الميليشيات في لبنان، والقرار رقم 1680 (2006) بشأن دعم سيادة واستقلال لبنان السياسي والتأييد التام للحوار الوطني اللبناني، والقرار 1701 (2006) الخاص بسلاح حزب الله ومنطقة الجنوب اللبناني وفق المبدأ الأساسي في سيطرة الدولة على وجود السلاح خارج سلطة الحكومة اللبنانية.
6- وقف تدخل حزب الله في الشؤون الخليجية بشكل خاص والشؤون العربية بشكل عام والتعهد بملاحقة أي طرف لبناني يشترك في أعمال عدائية ضد دول مجلس التعاون.
7- وقف كل أنشطة الجماعات المناوئة لدول مجلس التعاون وملاحقة كل من يحاول التحريض على العنف أو يشارك فيه من المواطنين أو المقيمين في لبنان ضد حكومات مجلس التعاون الخليجي.
8- الالتزام بإجراء الانتخابات النيابية في شهر مايو/أيار 2022 ومن ثم الرئاسية في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022 وفق المواعيد المقررة دون تغيير.
9- التدقيق على الصادرات اللبنانية إلى دول مجلس التعاون عبر آلية تواجد مراقبين بشكل ثنائي لضمان خلو الصادرات من أي ممنوعات، وبشكل خاص المخدرات التي تستهدف الأمن الاجتماعي لدول المجلس، ويمكن في هذا الصدد اعتماد نفس الآلية الأوروبية.
10- بسط سيطرة السلطات الرسمية اللبنانية على كافة منافذ الدولة.
11- وضع نظام تبادل معلومات أمنية بين دول مجلس التعاون والحكومة اللبنانية.
12- العمل مع البنك الدولي لإيجاد حلول لمسألة عدم تمكين المواطنين اللبنانيين من تسلم ودائعهم في البنوك اللبنانية".
إذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي ترغب في التخفيف من حدة التوترات مع لبنان، فعليها أولاً إعادة النظر في سياساتها التي تشكل مصدراً رئيسياً للتوتر في البلاد، والخطوة الأولى في حل هذه السياسات المضللة هي رفع العقوبات عن اللبنانيين التي تطبقها دول مثل السعودية على أمل تغيير موقف اللبنانيين وعدم دعم حركة المقاومة في هذا البلد. لكن الأدلة تشير إلى أن هذه الدول لا تسعى إلى تخفيف التوترات أو إقامة علاقات جيدة مع لبنان. وفي ضوء ما سبق، فإن زيارة مسؤول رفيع من دول الخليج الفارسي إلى لبنان بعد الأزمة بين الجانبين لم تكن تهدف إلى مساعدة الشعب اللبناني أو إحياء علاقاته مع الدول العربية. بل سعت إلى فرض الشروط المنشودة على المحور العربي الأمريكي وهيمنة هذه الدول على جميع القرارات والشؤون الداخلية اللبنانية.