الوقت - كانت تركيا إحدى الدول التي تأثرت بأزمة سوريا وحربها الأهلية التي استمرت عشر سنوات.
رأت أنقرة في الاحتجاجات السورية فرصةً للإطاحة بالنظام السياسي وتعزيز خططها للمنطقة العربية، من خلال إحياء دور تركيا التاريخي في العالم الإسلامي.
لکن الوجه الآخر للاحتجاجات کان ظهور مجموعات كردية داخل سوريا تسعى لربط المناطق الكردية في شمال سوريا، وفي النهاية بالبحر الأبيض المتوسط، وبالطبع فشل هذا المشروع بسبب الأعمال العسكرية التركية المتكررة.
في أواخر عام 2019، شنت تركيا عمليةً عسكريةً أطلقت عليها اسم "نبع السلام" في هذه المنطقة، لتحييد خطر الجماعات الكردية في شمال سوريا. وبالطبع، قبل ذلك وفي عام 2016، نفذت أنقرة عملية "درع الفرات" للاستيلاء على غرب الفرات.
الآن وبعد أن هدأت الاحتجاجات وظهرت متغيرات جديدة في العلاقات السياسية لدول المنطقة، يبدو أن الدول المعارضة لسوريا، مثل تركيا والدول العربية، تتجه نحو المحادثات مع حكومة دمشق.
بحيث صرح القائد السوري حيدرة جواد لوكالة سبوتنيك مؤخرًا، بأن بلاده وتركيا تجريان محادثات حول منطقة شرق الفرات. وأضاف، وهو رئيس فريق المفاوضين السوريين في هذه المفاوضات، في هذا الصدد: "من أهم القضايا التي نوقشت هي منطقة شرق الفرات، والوجود العسكري التركي في سوريا".
سياسة أردوغان تجاه سوريا تصطدم بالطريق المسدود
ينبغي النظر إلى ميل تركيا للتفاوض مع الحكومة السورية قبل كل شيء، على أنه علامة على المأزق في السياسات التدخلية والمزعزعة للاستقرار التي اتبعها أردوغان على مدى العقد الماضي.
كانت سياسة التدخل التركية الرئيسية في سوريا تحت ذريعة التهديد الذي يشکله وجود حزب العمال الكردستاني الإرهابي في المناطق الشمالية من سوريا، وصعود الجماعات التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني.
قام حزب الاتحاد الديمقراطي السوري(PYD)، بتعاون ودعم من الولايات المتحدة، بتوسيع نطاق نفوذه من عام 2014 إلى 2017، وسيطر على أكثر المناطق الاستراتيجية التي فقدها داعش.
وقد حدث ذلك في وقت كان فيه ميزان القوى في سوريا مختلفًا، وكان الجيش السوري منخرطًا في التصدي لتقدم الإرهابيين المدعومين من الجبهة الغربية والعربية والعبرية.
في يونيو 2016، استولت وحدات حماية الشعب على منبج لتسيطر على المنطقة الممتدة من الحدود العراقية إلى عفرين، ما أدى إلى إنشاء منطقة مترابطة.
وبينما كانت ميليشيا قسد(قوات سوريا الديمقراطية)، التي تشکل وحدات حماية الشعب(YPG) عمودها الفقري، تتقدم من عفرين إلى تل رفعت، ويتقدم الذراع الآخر من عين العرب إلى منبج، كان من المتوقع أن يتحد الشمال بالكامل تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي. لكن منذ آب(أغسطس) 2016، بدأ ميزان القوى يتغير.
أغلقت تركيا الطريق أمام وحدات حماية الشعب بعملية درع الفرات. تدريجياً، أصبحت سوريا ساحةً لتطبيق سياسات الهيمنة في العالم العربي، وحرف المشاكل في المنافسة الداخلية باللجوء إلى السياسات القومية والشعبوية.
في آذار 2018، احتل الجيش التركي والإرهابيون التابعون له عفرين من خلال عملية غصن الزيتون، ثم في عام 2019، تمت متابعة عملية نبع السلام شرق الفرات.
لكن الآن، وسط موجة من المشاكل الداخلية لأردوغان، فإن سياسات أنقرة التدخلية تواجه الطريق المسدود من نواح كثيرة.
أولاً، على عكس السنوات السابقة، لم تعد روسيا والولايات المتحدة، بصفتهما قوتان مؤثرتان في التطورات في شمال سوريا، مرتاحتين لخطط أردوغان، وقد عارضت هذه القوى جولةً جديدةً من المغامرات التركية.
وثانيًا، مع الانتصارات المتتالية للجيش السوري وحلفائه على العناصر الإرهابية، وعودة جزء كبير من الأراضي السورية إلى سيطرة الحكومة المركزية، أصبحت تهديدات دمشق السياسية والعسكرية ضد المغامرات التركية أقوى من أي وقت مضى، کما أدت عودة العلاقات السورية مع الدول العربية إلى اتخاذ موقف مشترك ضد سياسات أنقرة التدخلية.
لماذا تركيا حساسة تجاه شرق الفرات؟
للإجابة عن سبب حساسية أنقرة لتأثير الجماعات الكردية في شمال سوريا، يمکن الإشارة إلی المتغيرات السياسية والاقتصادية.
لشرح المتغير السياسي، يمكن أن نشير إلى تخوف أنقرة من تصاعد قوة الجماعات الكردية في سوريا، ولا سيما في المناطق الحدودية، ما قد يكون له تأثير إيجابي على الجماعات الكردية داخل تركيا. ولذلك، تسعى تركيا إلى تقليل عامل التأثير لهذا المتغير أو حتى تصفيره.
بالطبع، يبدو أن هذا هو القاسم المشترك بين حكومة أنقرة ودمشق في المحادثات الأخيرة. ويشار إلى أنه حسب البند الأول من اتفاقية أضنة بين أنقرة ودمشق، يحق لتركيا ملاحقة أعضاء حزب العمال الكردستاني حتى عمق خمسة كيلومترات في شمال سوريا.
لذلك، إذا ضمنت حكومة دمشق الحفاظ على الاعتبارات الأمنية لأنقرة، فسيتعين على الأتراك حينها سحب قواتهم من الأراضي السورية.
ولتوضيح المتغير الاقتصادي لأهمية شرق الفرات بالنسبة للسياسة التركية، فيمكننا الإشارة إلى وجود موارد نفطية غنية في هذه المناطق.
بحيث أعلن مهندسون أتراك وسوريون مؤخراً، في إشارة إلى احتياطيات النفط الغنية على الحدود بين البلدين، أنها ستساعد بشكل كبير اقتصاد البلدين.
قبل الحرب الأهلية، كانت عائدات حكومة بشار الأسد تتراوح بين 350 ألف و 385 ألف برميل من النفط في جميع أنحاء هذه المنطقة، التي تسيطر عليها الآن الجماعات الكردية.
يبدأ قطاع النفط على الحدود التركية السورية بطول 900 كيلومتر من تل أبيض - أقجة قلعة. وينتهي الممر البالغ طوله 350 كيلومترًا، والذي يضم شانلي أورفا وماردين ونصيبين، في سيزرة.
وبالنظر إلى الجودة العالية لهذا النفط، يمكن أن تكون عائداته لصالح الحكومة السورية، وبالطبع تركيا، التي تعالج مليون برميل من النفط يوميًا.
بشكل عام، يمكن القول إن المحادثات الأخيرة بين المسؤولين السوريين والأتراك جاءت متماشيةً مع التطورات الأخيرة في المنطقة، وقد أدركت أنقرة، مثل جامعة الدول العربية، أن الخيار الأفضل تجاه الحكومة السورية هو التفاوض والاتفاق على القضايا المشتركة.
وبطريقة ما، يمكن أن يكون هذا التعاون الاقتصادي والسياسي في اتجاه تطبيع العلاقات بين البلدين، ومزيد من العزلة للجماعات الكردية.