الوقت- على الرغم من إن المغرب كانت من بين الدول التي تدافع عن القضية الفلسطينية وتعطيها حيزاً كبيراً من اهتمامها، أو على الأقل كانت تحافظ على تطبيع معتدل مع كيان العدو الاسرائيلي، إلا إنها بدأت مؤخراً تنقلب على جميع مبادئها السياسية، ولم تعد تعني لها القضية الفلسطينية أي شيء بل أكثر من ذلك، بدأت تتجه نحو توقيع مذكرة تفاهم دفاعية مع كيان العدو، وتشتري منها الأسلحة موجهة طعنة جديدة لفلسطين التي كانت تدعي أنها تهتم بقضيتها وتدافع عنها.
كيان العدو الاسرائيلي يتغنى بهذه الاتفاقية ويصفها بالتاريخية، كيف لا وهي مذكرة نصر مجانية في الحقيقة لاسرائيل منحتها اياها المغرب على طبق من ذهب، ووصفت وزارة الدفاع الإسرائيلية، في بيان أصدرته، مذكرة التفاهم الموقعة بأنها "تاريخية" وأطلقت عليها "مذكرة تفاهم دفاعية" فيما أسمتها أيضا "اتفاقية".
ولم تشر "الدفاع" الإسرائيلية في بيانها إلى "بيع أسلحة" للمغرب، كما لم تُلقِ الضوء على تفاصيل الاتفاقية. لكنّ وسائل إعلام إسرائيلية، من ضمنها هيئة البث، وموقع "إسرائيل 24" (حكوميان) والقناة 12 (خاصة وذات اطلاع واسع) كشفت عن تفاصيل صفقة سلاح تمت بين البلدين، تبيع تل أبيب بموجبها صناعات عسكرية متطورة للرباط.
كما أشارت الصحف الإسرائيلية، كذلك، إلى أن الجانب الأهم في الاتفاقية، لا يتمثل في "صفقة السلاح" بل في الاتفاق على "التعاون الأمني والدفاع المشترك" غير المسبوق بين إسرائيل ودولة عربية.
هذه المذكرة تؤثر سلبا لا محالة على المغرب من ناحيتين:
1- أمن المغرب واستقراره، فالتطبيع مع محتل له مشروع وأطماع توسعية وله سوابق في الغدر والخيانة، ثم نستأمنه المغرب على جيشها الوطني وتسمح له باختراقه.
2- لن يتوانى الاحتلال عن إشعال نار الفتنة والحرب بين دول المنطقة حتى يتحقق مراده، ببيع الأسلحة ووهم الدعم، وإضعاف وتقسيم دول المنطقة والضغط على غير المطبع حتى يطبع ضد إرادة شعبه. وتوظيف المغرب في تحالفات ومحاور عسكرية لا ناقة ولا جمل للمغرب فيها.
التطبيع مع كيان العدو يعني بالضرورة تهديد الأمن القومي العربي وتفكيك المنطقة العربية، وإنهاء أي محاولة للم الشمل العربي، لأن ما فعلته المغرب سيكون بمثابة بيع القضية الفلسطينية بأبخس الأثمان"، فالتطبيع العسكري مع الكيان الصهيوني معناه اختراق للمنظومة الأمنية العربية وانكشاف استراتيجي عربي بالنسبة إلى الكيان الإسرائيلي الذي يشكّل خطراً على أمن المنطقة واستقرارها.
المصالح المتبادلة مع كيان العدو والفائدة التي يمكن أن تجنيها المغرب
أولاً: التطبيع العسكري هو لصالح اسرائيل أكثر من المغرب لعشرات الأسباب، حيث يزيد من قبول اسرائيل لدى الشعوب العربية وكذلك لدى دول العالم، ويُشعر العالم بأن اسرائيل على حق في سلب الفلسطينيين حقوقهم، وإذا كانت المغرب تعتقد أن التطبيع العسكري سيزيد من نفوذها في العالم فهي واهمة.
ثانياً: من المؤكد أن الصراع على الصحراء الغربية كان من أولويات السياسة الخارجية المغربية منذ عقود وكسبت المغرب اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بذلك على خلفية التطبيع. وفي الوقت نفسه وقعت الرباط مع واشنطن مذكرتي تفاهم تعهدت بموجبهما الولايات المتحدة باستثمار 3 مليارات دولار في المغرب ومنطقة الصحراء. وباعتراف ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية سلم الرباط هدية كانت تتوق إليها منذ عقود.
ثالثاً: العلاقة الثلاثية بين الرباط وواشنطن وتل أبيب قد تعزز مكانة المغرب في شمال إفريقيا، لاسيما فيما يتعلق بتنافسه السياسي والاستراتيجي مع الجزائر. فقبل رحيل إدارة ترامب في يناير/كانون الثاني، اقترحت بيع ما قيمته مليار دولار من الأسلحة إلى المغرب، منها أربع طائرات بدون طيار من طراز MQ-9 Reaper وذخائر موجهة بالليزر. وتعهدت أيضاً بفتح قنصلية في مدينة الداخلة، في دعوة واضحة للدول الأخرى بفتح قنصليات لها في المدينة لمساعدة المغرب في تأكيد سيادته.
رابعاً: يرى المسؤولون في الرباط أن اعتراف أمريكا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية سيزيد من الضغوط على الدول الأخرى، خاصة الأوروبية، لتحذو حذوها، ولم يكن مستغرباً إذاً أن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة قال إن على الاتحاد الأوروبي الخروج من "منطقة الراحة" ودعم عرض الرباط بمنح الصحراء الغربية حكماً ذاتياً تحت إدارة الدولة المغربية.
خامساً: يتطلع المغرب إلى تعزيز تعاونه الاقتصادي مع إسرائيل، وهذا التعاون آخذ في النمو منذ السنوات القليلة الماضية، إذ تشير بعض التقارير الإسرائيلية إلى أن المغرب واحد من الدول الإفريقية الأربع الأولى التي تستورد إسرائيل البضائع منها، بينما احتل المرتبة التاسعة في الصادرات الإسرائيلية التي تصل قيمتها إلى 149 مليون دولار بين عامي 2014 و2017. وفضلاً عن ذلك يعد قطاع الطاقة من المجالات الأخرى المفتوحة للتعاون بين كلا البلدين، حيث إن المغرب لا يملك الكثير من موارد الطاقة، ويرغب في توسيع استخدامه للطاقة المتجددة، حيث إنه يستورد حوالي 90% من احتياجاته من الطاقة منذ عام 2013. وإسرائيل تصدّر الغاز الطبيعي وتتمتع بخبرة فنية في مجال الطاقة الشمسية. وقطاع الزراعة والغابات وصيد الأسماك في المغرب، الذي يساهم بنسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل به حوالي 45% من القوة العاملة، يجعل منه سوقاً ضخماً للتكنولوجيا الزراعية الإسرائيلية.
سادساً: التعاون العسكري بين المغرب وإسرائيل يشهد نمواً منذ العقود القليلة الماضية، ومن المتوقع أن يستمر في الزيادة بعد التطبيع. فوفقاً لبعض التقارير حصلت القوات الملكية الجوية المغربية على ثلاث طائرات بدون طيار من طراز Heron مقابل 50 مليون دولار عام 2013، من صناعة شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، وقد سُلمت إلى المغرب عبر فرنسا، واستُخدمت في الصحراء الغربية.
إنه رغم المكاسب التي قد يحققها المغرب من التطبيع مع إسرائيل تظل هذه الخطوة مقامرة محفوفة المخاطر، لأنها قد لا تفيد المغرب بقدر ما تفيد إسرائيل. والتاريخ شاهد على ذلك، على سبيل المثال لم يؤدِ التطبيع بين إسرائيل ومصر إلى تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في كلا البلدين، وكذلك في حالة إسرائيل والأردن، بل ما حدث في الواقع هو أن هذه الظروف ازدادت سوءاً خلال العقود الأربعة الماضية، وصحيح أن التطبيع ساعد هذه الأنظمة الاستبدادية على البقاء في السلطة، إلا أنه خلق فجوة كبيرة مع شعوبها، التي لا تزال ترفض التطبيع.
ومن المرجح أن يواجه المغرب المصير نفسه، لأن معظم المغاربة يعارضون هذه الخطوة، فوفقاً لأحدث بيانات مؤشر الرأي العربي (2019-2020) الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في العاصمة القطرية الدوحة، يعارض حوالي 88% من المغاربة الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل، ويرى 70% أن القضية الفلسطينية تهم جميع العرب. لذلك انتقدت عدة منظمات ونشطاء مغاربة قرار تطبيع العلاقات مع إسرائيل ورفضوا هذا الاتفاق.