الوقت_ بالتزامن مع تصنّيف العدو الصهيونيّ 6 مراكز حقوقية فلسطينية بأنّها "إرهابيّة"، مع تجرّيم عملها والعاملين فيها، باعتبارها تؤدّي دوراً محوريّاً في المجتمع الفلسطينيّ وتوثق بشكل كبير جرائم العصابات الصهيونيّة، رغم أنّها تقدم خدمات رعاية وتطوير هامة للنساء والأطفال ولفئات واسعة من المجتمع القابع تحت الاحتلال، وتأمن حماية قانونيّة واجتماعيةٍ لهم، ناهيك عن أنّها تمثل حقوق الانسان الفلسطينيّ في المنابر الدوليّة، شددت وكالات الأمم المتحدة ورابطة وكالات التنمية الدولية، وقوفها إلى جانب منظمات المجتمع المدني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظل استمرار الكيان الصهيونيّ الغاشم بقتل الشعب الفلسطينيّ واستعمار أرضه منذ مطلع القرن المنصرم، دون رقيب أو عتيد بسبب فشل الحكومات العربيّة والدوليّة في محاسبته على جرائمه المتصاعدة بحق أصحاب الأرض والتي لم ينج منها الأطفال ولا الشيوخ ولا النساء.
دعم أمميّ
في ضوء الرغبة الإسرائيلية في حرمان الفلسطينيين من أيّ حمايةٍ مجتمعيةٍ أو دوليةٍ عبر المؤسسات الدوليّة التي تدعم هذه المراكز، لزيادة التضييق على الشعب الفلسطينيّ، أوضحت وكالات الأمم المتحدة أن قرار قائد جيش العدو في الضفة الغربية في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني، بالإعلان بموجب أوامر عسكريّة أن 6 منظمات غير حكومية فلسطينيّة هي منظمات غير مرخصة في الضفة الغربيّة، ما يجعل عملها غير قانوني، يعمق قلق وكالات الأمم المتحدة ورابطة وكالات التنميّة الدوليّة "أيدا" (AIDA)، العاملة في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وباعتبار أنّ دعم المجتمع المدنيّ لا يوفر إسناداً ضروريّاً للفئات الأكثر عرضةً لتداعيات سياسات الاحتلال فحسب، بل هي توفر كذلك فرص عمل وتطوير كفاءات وخبرات ضروريّة لتنمية المجتمع الفلسطينيّ، وهذا الذي يزعج "إسرائيل" على ما يبدو، لذلك اعتبر البيان الأممي أنّ تصنيف ست منظمات غير حكومية فلسطينية، (مؤسسة "الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان"، و"مؤسسة الحق"، و"الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال - فلسطين"، و"اتحاد لجان العمل الزراعي"، ومركز "بيسان للبحث والانماء"، و"اتحاد لجان المرأة الفلسطينية") ، كمنظمات إرهابيّة بموجب أمر وقعه وزير الحرب الصهيونيّ، بيني غانتس، في 22 أكتوبر/ تشرين الأول، بأنّه "تآكل إضافي للفضاء المدنيّ والإنسانيّ".
وفي الوقت الذي شدّد فيه البيان الأمّمي أنّ القرار الإسرائيليّ يقيد بشكل كبير عمل المنظمات الفلسطينيّة التي عملت مع المجتمع الدوليّ، بما في ذلك مع الأمم المتحدة، لعقود من الزمن، لتقديم الخدمات الأساسية لعدد لا يحصى من الفلسطينيين، ترغب تل أبيب في حرمان الفلسطينيين من أيّ حمايةٍ مجتمعيةٍ أو دوليةٍ عبر المؤسسات الدوليّة التي تدعم هذه المراكز، لزيادة التضييق على الشعب الفلسطينيّ، خاصة أنّ دعم المجتمع المدنيّ لا يوفر إسناداً ضروريّاً للفئات الأكثر عرضةً لتداعيات سياسات الاحتلال فحسب، بل هي توفر كذلك فرص عمل وتطوير كفاءات وخبرات ضروريّة لتنمية المجتمع الفلسطينيّ، وهذا الذي يزعج "إسرائيل" على ما يبدو.
وتشير المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة، لين هاستينغز، أنّ المنظمة مستمرة في التواصل مع جميع الشركاء المعنيين للحصول على مزيد من المعلومات، حيث تتصاعد المقاومة السلميّة المناهضة لكافة أشكال العنصريّة بما في ذلك الصهيونيّة ومعاداة المجموعات الدينيّة والعرقيّة في العالم، وتتلقى دعماً كبيراً من قبل اتحادات ونقابات وأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنيّ الدوليّ بالإضافة إلى حركات شعبيّة تمثل الملايين من الأعضاء حول العالم، والتي تؤيدها شخصيات مؤثرة في الرأيّ العام العالميّ، قام العدو المجرم بالانقضاض على مؤسسات المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ لأنّ الصهاينة لم يعد بإمكانهم تحمل أيّ اعتراف أو عمل يفضح ممارساتهم محلياً ودولياً.
حرب شعواء
حربهم الشعواء تهدف بالدرجة الأولى إلى عرقلة أو منع ترميم الإنسان الفلسطيني، وقطع الطريق أمام الأمل بالحفاظ على حقوقه الوطنيّة والإنسانيّة، عبر البدء بتجريم الأسرى ونزع شرعيّة حق الفلسطينيين في مقاومة محتلي الأرض وسالبي الحقوق، كما أنّ الخطوة الصهيونيّة جزء من مخطط أوسع وفقاً لمحللين، وليس مستبعداً أن تشمل منظمات مجتمع مدني أخرى، فمن غير المقبول بالنسبة للصهاينة المجرمين أن تستمر شبكة الحماية لأي قطاع اقتصاديّ أو اجتماعيّ فلسطينيّ.
وبالتزامن مع الهجوم الصهيونيّ القذر على اتحاد لجان المرأة، واتحاد لجان العمل الزراعي، والحركة الدولية لحماية الأطفال، فرع فلسطين، يسعى العدو حقيقة إلى محاربة حقوق جميع هذه الفئات وسلبها ككل شيء، وبالأخص في ضوء الاعتداءات المتزايدة للمستوطنين والآلة العسكريّة الصهيونيّة على المزارعين الفلسطينيين، والأرضي الزراعيّة.
وفي الوقت الذي تتمتع فيه كلّ هذه المنظمات بعلاقاتٍ دوليةٍ واسعةٍ ومؤثرة، لدرجة أنّ الصهاينة يعتبرونها من أكبر الأخطار الاستراتيجيّة المحدقة بهم، لأنّ تأثيرها يتصاعد بشكل ملموس بفضل الحملات العالميّة الممنهجة والاستراتيجيّة بشكل مباشر وغير مباشر، والتي نجحت في بداية عزل الكيان الصهيونيّ أكاديميّاً وثقافيّاً وسياسيّاً، واقتصادياً إلى حد ما، باتت حكومة العدو تخوض عملية استباقية للقضاء على المنظمات الحقوقيّة والأهليّة الفلسطينية، تمهيداً لمحاولة ضم نهائيّ للأراضي الفلسطينية.
إضافة إلى ذلك، فإنّ فشل مهمة الشركات المتعاونة مع الكيان والمتخصصة بإضفاء الشرعية عليه، رغم المبالغ الخياليّة التي تدفعها تل أبيب لقاء تلك المهمة المُستحيلة، أعلنت تل أبيب حربها على منظمات المجتمع المدنيّ لكي تنهي بند دعم أسر الأسرى والشهداء من موازنتها، ومحاولة تجريم المؤسسات الدوليّة لما تتمتع به من مصداقية واعتبار كوادرها مجرّد "مجرمين وقتلة"، إذ يجري استخدام بياناتهما وشهادات أعضائهما في الأمم المتحدة، والأهم في محكمة الجنايات الدولية، أو أي محكمة مستقبليّة تسعى إلى محاسبة العدو الصهيونيّ أو مسؤوليه عن جرائمهم العنصريّة الاستيطانية ضد الشعب الفلسطينيّ.
وبما أنّ "إسرائيل" لم تعد تحتمل أيّ اعتراف أو عمل يفضح ممارساتها محلياً ودولياً، أعلنت إرهابها المباشر على المجتمع المدنيّ الفلسطيني، لأنّها تعي تماما دور هذه المؤسسات في دعم صمود الشعب الفلسطينيّ على أرضه، وتشكيل شبكة ضروريّة خاصة في ظروف حصار أو حرب أو انتفاضة فلسطينيّة، ودورها في تثبيت لُحمة المجتمع الفلسطينيّ في ما يواجهه الشعب الفلسطينيّ من تفكيك وتفتيت ممنهج.
ومن الجدير بالذكر أنّ منظمتي "هيومان رايتس واتش" والعفو الدولية اعتبرتا الخطوة الصهيونيّة "اعتداءً على حركة حقوق الإنسان الدوليّة"، وبالتالي هي اعتداء على حركة حقوق الإنسان العربيّة وحقوق الإنسان العربيّ نفسها، كما أنّ جميع مؤسسات المجتمع المدنيّ مطالبة بموقف واضح في مسالة أخلاقيّة لا لبس فيها، لكنّ الرد الأخلاقيّ والسياسيّ والعمليّ هو في موقف المجتمع المدني العربيّ بشكل قطعيّ ضد التطبيع مع الصهاينة، ومن يتقاعس يشارك في الاعتداء المباشر على حقوق الإنسان الفلسطيني وحركة حقوق الإنسان العربيّة والدوليّة.