الوقت_ في ظل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسيّة الليبية في أواخر ديسمبر/ كانون الأول، طالب اللواء الليبيّ المتقاعد، خليفة حفتر، الذي تنصيب نفسه حاكماً على إدارة شؤون ليبيا، بفتح علاقات مع الكيان الصهيونيّ الغاصب مقابل الحصول على دعمه في الانتخابات المقبلة، حيث أكّدت صحفٌ أجنبيّة أنّ ما وصفته بـ "أمير الحرب الليبيّ" الذي يسيطر على شرق ليبيا قد يعترف بالدولة المزعومة للصهاينة للحصول على الدعم الإسرائيليّ في الانتخابات، ما يفتح الباب أمام الكثير والكثير من علامات الاستفهام، حول توقيت هذه الخطوة وأسبابها وتداعياتها.
مع احتدام الصراع والانقسام بين أبناء ليبيا، على أساس المصالح الإقليميّة، وشلل الدور العربيّ، وعجزه عن إنقاذ البلاد من أيدي الطامعين والحالمين بمد نفوذهم، تتحدث تقارير عربيّة وغربيّة أنّ محادثات بين قائد ما يُسمى "الجيش الوطني الليبيّ" والصهاينة، تأكّدت عندما شوهدت طائرة خاصة تقل نجله صدام، وهي تهبط في مطار "بن غوريون" في تل أبيب قادمة من دبي، فيما أشارت صحيفة "هآرتس" العبرية، أنّ نجل خليفة حفتر، زار الأراضي الفلسطينيّة التي يحتلها الكيان سراً سعياً للتطبيع الدبلوماسيّ والحصول على الدعم العسكريّ.
وإنّ النقطة التي دفعت بحفتر وابنه للتوجه نحو الصهاينة هو اقتراب موعد الانتخابات الرئاسيّة الليبية يوم 14 ديسمبر/ كانون الثاني، حيث أقلعت يوم الاثنين الماضي أقلعت خاصة "داسو فالكون" فرنسية الصنع P4-RMA من مطار دبي ووصلت إلى مطار بن غوريون، وقضت هناك 90 دقيقة، ثم واصلت طريقها إلى الأراضي الليبيّة، وتود الطائرة لخليفة حفتر وتستخدم لنقل أفراد عائلته ومساعديه.
وإنّ غاية حفتر من إرسال ابن للأراضي الفلسطينيّة المحتلة من العدو، كانت الحصول على دعم عسكريّ ودبلوماسيّ من الصهاينة، مقابل التعهد بإقامة علاقات دبلوماسيّة معها في حال تشكيل حكومة "مصالحة" واستعادة الوحدة الوطنيّة بعد الانتخابات الرئاسيّة، حيث تتنافس قوات حفتر مع حكومة الوفاق على "الشرعية والسلطة" في ليبيا التي تعتبر من الدول الغنية بالنفط، فيما يتجه الوضع الليبيّ يوماً بعد آخر نحو التأزم بشكل مخيف، فاللاعبون على الساحة الليبية كثر، وما يعنيهم فقط، قطعة أكبر من الكعكة الليبية، خاصة بعد أن نصب اللواء المتقاعد نفسه حاكماً على الليبيين.
ويشير محللون أمنيون وعسكريون صهاينة إلى أنّ الجهة التي التقاها صدام حفتر في تل أبيب لم تتضح حتى اللحظة، بيد أنّهم يؤكّدون أنّ حفتر الأب كان قد أجرى في الفترة الماضيّة اتصالات سريّة مع مسؤولين صهاينة، شملت مندوبين عن جهاز الاستخبارات "الموساد" ومجلس الأمن القوميّ التابع للعدو، ومن المرجح أنّ الاتصالات كما الزيارة مرتبطة بالتطبيع المرهون بدعم حفتر في الانتخابات الليبية، وقد اعتدنا على مبدأ "شراء المواقف" خلال عام من التطبيع سواء من ناحية تقديم الطائرات الحديثة (الإمارات) أو احتلال أراضي الغير (المغرب) أو الرفع من قوائم الإرهاب (السودان).
وبالتزامن مع غياب أيّ تعليق من قوات حفتر أو مسؤولي العدو العنصريّ بشأن الزيارة، فإنّ ذلك العرض الذي قدمه حفتر للصهاينة بمثابة قطعة جبن من التطبيع لفأر جائع يجمع الاعتراف غير الشرعيّ، خاصة أنّه لا يوجد أيّ علاقات رسميّة بين ليبيا والكيان الصهيونيّ، كما أنّ نظام القذافي الأسبق، كان أحد المواجهين البارزين ضمن مقاومة العالم العربيّ للمحتل الإسرائيليّ ودعم بقوّة الجماعات الفلسطينية الراديكالية، ما يعني أنّ مُخطط حفتر في حال تم، سيكون بمثابة تغيير جذريّ للموقف الليبيّ تجاه فلسطين وشعبها.
ومع محاولات السلطات الجديدة في ليبيا استثمار التأييد الدوليّ الذي حصلت عليه لترسيخ دورها في الإعداد للانتخابات المقبلة، وفرض التعاطي معها بوصفها "الممثل الشرعيّ" الوحيد لليبيين، اعتمد خليفة حفتر على الدعم الخارجيّ من الإمارات وروسيا وفرنسا بنسبة أقل، وها هو يضيف الدعم الصهيونيّ، بالاستناد إلى المتغيرات السياسيّة على الساحة الليبيّة، حيث إنّ التوافق الدوليّ على أنّ "الانتخابات العامة" تُشكل حجر الزاوية في قضية الحل السلميّ الليبيّ، الذي مزقته الصراعات والحروب بالوكالة على مدى سنوات طوال، مثل تحد بالنسبة لحفتر الطامح بالسلطة عقب فشل معركة "تكسير العظم" بين الأطراف كافة، لفرض الشروط على الطرف الآخر، ناهيك عن تأثير التدخلات الخارجيّة على هذه الأرض العامرة بخيرات النفط، لتحقيق أطماعهم وغاياتهم القذرة.
ويعتقد متابعون للشأن الليبيّ، أنّ النهج الذي يتبعه حفتر تجاه العدو الصهيونيّ يمكن أن يكون محاولة لتوسيع قاعدة دعمه في مواجهة الظروف السياسيّة الحاليّة، لإيمانه بأنّ الصهاينة سيقدمون دعمهم لتغير "قواعد اللعبة"، بما أنّه سيصبح المرشح المثالي لتل أبيب وأبو ظبي التي تحالف حكامها مع أشدّ الكيانات إجراماً واحتلالاً تحت ذرائع واهية اصطدمت مع كافة القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة والدينيّة، في ظل تعزيز العلاقات مع محتل الأرض العربيّة في كافة المجالات الدبلوماسيّة والاقتصاديّة والعلميّة والتكنولوجيّة والطبيّة والثقافيّة والدينيّة والإعلاميّة والاستخباراتيّة والسياحيّة.
نتيجة لكل ما ذُكر، لا يبدو أنّ الواقع العسكريّ - السياسيّ المرير وتحولاته، سيفضي إلى تحسن الأمور في ليبيا حتى في حال تم التوصل لاتفاق سياسيّ في البلاد، لا سيما أنّ الرئيس الامريكيّ، جو بايدن، الداعم الأكبر للصهاينة سيجد صعوبة أكبر في معارضة حفتر، إذا طرح الأخير احتمال انضمام دولة عربيّة أخرى إلى حظيرة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ المعتدي، وبالتالي فإنّ "الجهود الأمميّة" لا يمكن تفلح في منع الطامعين بالنفوذ والثروات من تمزيق أحلام الليبيين المؤيدين لفلسطين في مستقبل أفضل، في ظل غياب الإرادة الدوليّة الجادة لإنقاذ ليبيا من الحرب الطاحنة التي بدأت منذ العام 2014.