الوقت- لقد أصبح التغير المناخي أمراً واقعاً ولذلك كثفت دول العالم تحركاتها لمواجهته، فبعد انسحاب ترامب من معاهدة المناخ عاد إليها الرئيس جو بايدن بقوة ودعا إلى قمة طارئة في مارس 2021 ولكنه توجه بالدعوة إلى الملك سلمان بن عبد العزيز بدلاً من محمد بن سلمان الذي قام على الفور في اليوم التالي بإطلاق مبادرة خاصة به اسمها "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" ومن الصعب استبعاد التزامن بين الحدثين، واللغز يكمن في التجاهل!
التغير المناخي يؤثر بشكل متسارع
في العام الماضي شهد العالم موجة غير مسبوقة من حرائق الغابات امتدت من غابات الأمازون في البرازيل والتي يطلق عليها "رئة العالم" إلى قارة أستراليا التي استمرت فيها الحرائق أكثر من أربعة شهور متواصلة ونفق خلالها أكثر من مليار حيوان واحترقت مساحة شاسعة من الغابات، كما شهدت أستراليا موجة من السيول والفيضانات أظهرت بيانات الأمطار هناك أنها لم تحدث منذ أكثر من نصف قرن.
ويحذر علماء المناخ من أن التقلبات العنيفة في الطقس ستصبح أكثر تكراراً حول الكوكب، وليست مجرد أحداث لا تتكرر إلا مرة في القرن كما يعتقد البعض، مشيرين إلى حتمية اتخاذ دول العالم إجراءات حاسمة وعاجلة للتقليل من الانبعاثات الكربونية التي تتسبب في ارتفاع درجة حرارة الأرض بصورة متسارعة.
قمة بايدن للمناخ
في 26 مارس/آذار من عام 2021 أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن نيته عقد قمة تضم 40 من قادة العالم لمناقشة قضية تغير المناخ وذلك يومي 22 و23 أبريل/نيسان 2021، من خلال الاتصال المرئي بسبب قيود جائحة كورونا، ومن بين المدعوين إلى تلك القمة الافتراضية 17 دولة مسؤولة عما يقرب من 80% من الانبعاثات العالمية والناتج المحلي الإجمالي العالمي، وضمن ذلك الصين وروسيا.
بايدن، الذي كان قد أعلن عن تلك القمة للمرة الأولى بعد أسبوع من تنصيبه في يناير/كانون الثاني، كان قد دعا أيضا 4 ممثلين عن منطقة الشرق الأوسط، وهم: الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة خليفة بن زايد آل نهيان، ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي في ذلك الوقت بنيامين نتنياهو.
الموعد الذي حددته الإدارة الأمريكية لقمة المناخ يتزامن مع اليوم العالمي للأرض وهويسبق الاجتماع الكبير للأمم المتحدة الذي كان مقرراً في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ضمن أعمال الدورة الـ26 لمؤتمر غلاسكو (بأسكتلندا) لتغير المناخ.
وقال البيت الأبيض في بيان له إن تلك القمة سوف "تؤكد الضرورة المُلحَّة والفوائد الاقتصادية للكفاح القوي ضد التغير المناخي"، مضيفاً أن بايدن "شجَّع في دعوته القادة على استخدام القمة كفرصة لتوضيح كيف ستسهم بلدانهم أيضاً في تحقيق طموح مناخي أقوى"، كما ستعلن الولايات المتحدة مع حلول موعد القمة عن هدف طموح يتعلّق بتحديد الانبعاثات لعام 2030 كمساهمة جديدة محددة وطنياً بموجب اتفاقية باريس.
مبادرة ولي العهد السعودي
وفي اليوم التالي مباشرة، لتلك الدعوة أي في يوم 27 مارس/آذار 2021، أعلن ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان عن "مبادرة السعودية الخضراء" "ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر" وهي عبارة عن برنامج طموح يهدف إلى زراعة عشرة مليارات شجرة بالمملكة خلال العقود القادمة فضلاً عن التعاون مع دول عربية أخرى لزراعة 40 مليار شجرة أخرى لخفض انبعاثات الكربون ومكافحة التلوث وتدهور الأراضي.
وفي يوم 29 مارس/آذار ذكرت وكالة الأنباء السعودية أن "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر تهدف، بالشراكة مع دول المنطقة، لزراعة 50 مليار شجرة كأكبر برنامج إعادة تشجير في العالم".
مبادرة طموحة للمناخ لا تخلو من بعد سياسي
زراعة 50 مليار شجرة يعتبر مشروعاً ضخماً وفوائده عظيمة فيما يخص قضية تغير المناخ وتحسين جودة الهواء في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، بحسب الخبراء، كما يمثل قضية تعاون إيجابية في منطقة تعاني من الاضطرابات السياسية والصراعات الدائمة.
لكن لا يمكن استبعاد العامل السياسي من وراء المبادرة، خصوصاً في ظل توقيت الإعلان عنها وتزامنه مع إعلان بايدن عن قمة المناخ الأمريكية والذي تجاهل ولي عهد السعودية ووجّه الدعوة لوالده الملك سلمان، على الرغم من أن ولي العهد هو الحاكم الفعلي للمملكة، وفي هذا السياق من الصعب استبعاد كون الإعلان عن "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" رسالة إلى الرئيس الأمريكي فحواها أن تجاهل الحاكم الفعلي للمملكة مسألة غير عملية.
وفي هذا السياق أيضاً لا يمكن استبعاد تجاهل الرئيس الأمريكي في دعوته للحاكم الفعلي للإمارات ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد وتوجيه الدعوة إلى شقيقه الشيخ خليفة بن زايد رئيس الإمارات، رغم كون الأخير لا يشارك منذ فترة في أي فعاليات محلية أو دولية نظراً لظروفه المرَضية.
محمد بن سلمان يغيب عن مؤتمر غلاسكو
توقع موقع "ذا هيل"، أن يرفض الرئيس الامريكي جو بايدن مقابلة بن سلمان، وقد تتجنب الملكة إليزابيث رؤيته أيضًا. وأكد الموقع أن ولي العهد السعودي قد يكون غير مرحب به عند التقاط الصور للقمة. فيما توقع مراقبون أن يذهب لمشاهدة مباراة لفريقه "نيوكاسل" بدلًا عن ذلك. وهذا بالفعل ما حدث أي أن الأمير محمد بن سلمان لم يحضر هذه القمة بسبب التجاهل الذي يشعر به.
على نحو آخر قالت مجموعة "غرين بيس" البيئية إن تعهد ولي عهد السعودية بن سلمان مشكوك في جديته. مبينّة أنه يأتي بعد حديث شركة النفط الحكومية أرامكو السعودية إنها تخطط لزيادة طاقة إنتاج الخام إلى 13 مليون برميل يوميًا عام 2027.
وذكرت المجموعة أن السعودية تعد أحد أكبر الملوثين في العالم، وتحاول صرف الانتقادات في قمة المناخ التي انعقدت في بريطانيا.
أبرز مخرجات القمة
أعلن أكثر من 100 زعيم عالمي، مسؤولون عن أكثر من 85% من الغابات في العام، خلال انطلاقة اعمال القمة، عن تعهدهم بوقف التصحر وتدهور الأراضي، وعكس تداعياتهم بحلول العام 2030.
ويضم هذا الاتفاق الجديد حول الغابات، مجموعة من الحكومات والمستثمرين والأعمال والمجموعات، وفي السياق، ستلتزم 12 دولة، بما فيها الولايات المتحدة، بتقديم 12 مليار دولار من العام 2021 إلى العام 2025، لحماية الغابات واسترجاع ما ضاع منها، ومحاربة الحرائق ودعم حقوق السكان الأصليين.
من جهتهم، سيلتزم المديرون التنفيذيون لأكثر من 30 مؤسسة مالية بإيقاف جميع العمليات الاستثمارية المرتبطة بالتصحر.
أما الحكومات، التي تشكّل 75% من مجمل التجارة العالمية للسّلع الأساسية المهدِّدة للغابات، على غرار زيت النخيل، فسوف تلتزم باعتماد التجارة المستدامة وتخفيف الضغط على الغابات، بما في ذلك زيادة الدعم لصغار المزارعين وتحسين شفافية سلاسل التوريد.
ويطلق على القمة إسم "كوب 26"، والتي تأتي وسط تحديات غير مسبوقة لتغير المناخ ظهرت في الكوارث الطبيعية التي عصفت بمناطق عدة حول العالم في وقت سابق من 2021،
وكجزء من اتفاقية باريس للمناخ المبرمة عام 2015، اتفقت الدول على الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية والحد من زيادة درجة حرارة الأرض في هذا القرن إلى درجتين مئويتين، قياسا بعصر ما قبل الثورة الصناعية، ومتابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية.
إن عزلة ابن سلمان الدولية لم تعد تخف على أحد فهو غير مرحب به في أغلب دول العالم والسبب يعود إلى سياسته القمعية ضد المعارضين والنشطاء وحتى رجال الأعمال السعوديين وخطته في تنويع الاقتصاد السعودي تشوبها الاخفاقات غير المعلن عنها، ومن الواضح أن ابن سلمان منزعج بشكل كبير من هذه العزلة ولذلك نراه يرد على كل الخطوات التي يشعر أنها تهينه بخطوات يريد من خلالها الرد على الإهانة المفترضة وهو يتصرف كطفل صغير لا يفقه شيء في السياسة.