الوقت- شهدت العلاقات السعودية - التركية دفئاً ملحوظاً بعد وصول الملك سلمان إلى سدّة الحكم، وقد لعبت التطورات الأخيرة في منظقة الشرق الأوسط دوراً في هذا الإتجاه. زيارة الملك سلمان الأخيرة إلى تركيا حملت في طياتها رسائل أبعد من أهداف قمّة مجموعة العشرينG-20))، وفق ما يرى العديد من المحللين السياسيين.
تأتي زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى انطاليا التركية لترسّخ لواقع جديد من العلاقات، بعد بروز قناعة لدى الطرفين أنه في ظل الحدود التي تُرسَم من جديد في المنطقة، لا مفر من التعاون.
رغم أن التطورات الإقليمية، لاسيّما فيما يخض الأزمة السورية بعد دخول موسكو وطهران بشكل مباشر، زادت دفئ علاقات خط أنقرة-الرياض حرارةً، إلا أن هذا لا يعني عدم وجود جملة من عوامل التباعد، او الموانع لو صحّ التعبير، بين البلدين. فما هي عوامل التقارب السعودية التركية. وما هي أبرز عوامل التباعد؟ ماذا عن مستقبل العلاقات بين البلدين؟
عوامل التقارب
هناك جملة من عوامل التقارب ساهمت في تعزيز العلاقات بين أنقرة والرياض في الآونة الأخيرة، قد تكون كفيلة برسم منحى جديد للعلاقات يتّسم بالتعاون والتقارب، أبرز هذه العوامل:
أولاً: تعتبر الأزمة السورية أحد أبرز عوامل التقارب بين البلدين، اّذ أنه وبعد دخول روسيا المباشر على خط تحالف طهران- دمشق الإستراتيجي، ظهرت العديد من البوادر التي عزّزت العلاقات بين أنقرة والرياض، بدءاً من التأكيد والتعنّت على قضيّة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد كشرط مسبق، مروراً بطرح قضيّة التدخل العسكري التركي، الأمر الذي لاقى ترحيباً سعودياً، وصولاً إلى دعم الجماعات الإرهابية والحديث عن تشكيل حلف جديد بين هذه الجماعات لمواجهة المحور المقابل.
ثانياً: شكّلت إستراتيجية "الإرتكاز الآسيوي" الأمريكية عاملاً إضافياً في تعزيز العلاقات السعودية التركية، فبعد سقوط منطقة الشرق الأوسط من رأس الأولويات الأمريكية، وجدت الرياض نفسها مجبرة للبحث عن حليف إستراتيجي جديد يحلّ مكان الحليف الأمريكي. بعبارة آخرى، تدرك الرياض جيداً عدم قدرتها على مواجهة التحديات الإقليمية وحيدةً، في ظل وجود منافسين أقوياء كالجمهورية الإسلامية الإيرانية ومصر وتركيا والعراق نسبياً، لذلك بحثت عن حليف قوي يشاطرها في أغلب مشاريعها الشرق أوسطية، ووجدت في تركيا ضالتها. الرئيس أردوغان أيضاً، يسعى لتعزيز نفوذه في المنطقة بغية تمرير مشاريع "العثمانيين الجدد"، وقد وجد ضالته في الملك سلمان.
ثالثاً: وجود منافسين مشتركين لدى كل من أنقرة والرياض، فقد شكّل الإتفاق النووي بين طهران والدول الست عاملاً جديداً لتعزيز العلاقات، كم أن فتور العلاقات المصرية السعودية في الآونة الأخيرة دفعت بأنقرة للدخول على الخط ومحاولة جذب الرياض نحوها. بتنا اليوم أمام معادلة شبه معاكسه لما كنا عليه إبان الملك عبدالله الذي شارك مصر العداء ضد تركيا.
عوامل التباعد
رغم وجود العديد من عوامل التقارب المهمّة، إلا أن هذا لا يعني عدم وجود العديد من العوامل التي قد تساهم، على الأقل، في الحد من تعزيز العلاقات بين تركيا والسعودية، منها:
إختلاف الأولويات: تختلف الرياض وتركيا على العديد من الأولويات التي تعد بمثابة أمن قومي لكلا الطرفين. ففي حين تولي أنقرة أهمية كبرى للملف الكردي، يتربّع الملف اليمني على رأس الأولويات السعودية. كذلك الأمر بالنسبة لملف الطاقة الذي يؤرق أنقرة، في حين أن الرياض تعتبر أبرز مصدّري النفط في العالم. العلاقة مع إيران أيضاً، ليست عن هذا الأمر ببعيد، ففي حين ترى السعودية إيران ما بعد الإتفاق النووي تهديداً لها، رغم تأكيد الأخيرة على ضرورة تعزيز العلاقات مع جيرنها، يتّسم الموقف التركي بلوينة واضحة مقارنة بالموقف السعودية، وهذا ما نلمسه من خلال العلاقات الإقتصادية بين أنقرة وطهران التي تشهد تطوّراً ملحوظاً.
العالم الإسلامي: تقدّم كل من تركيا والسعودية نفسها زعيمة للعالم الإسلامي ما سيؤثر بشكل كبير على العلاقات في حين إستقر الوضع الأمني في المنطقة. فلا الرياض ترضى بالتنازل عن إدعائها زعامة العالم الإسلامي(السني)، ولا تركيا أيضاً.
تعاون أم صدام
اذاً، يظهر أن أغلب عوامل التقارب تتلخّص في وجود منافسين مشتركين وفق قاعدة "عدو عدوّي صديقي"، مقابل وجود جملة من عوامل التباعد تتدرج في سياق "ترتيب الأولويات" لا تعارضها وبالتالي يمكن لكلا الطرفين تحويل هذه التهديدات إلى فرص. لذلك ما يلوح في الأفق حالياً، في ظل إستمرار الصراعات في منطقة الشرق الأوسط والتركيبتين السعودية والتركية الحالية في الحكم، هو تعاون على تثبيت و تقوية العلاقات السياسية والاقتصادية. لكن هذا لا يعني تنازل أحدى الاطرف عن مصالحة خدمةً للآخر، لأنه لا تبدو هذه العلاقات مندرجة في إطار «المصالح القومية»، بل عرضةً لأن تميل مع كل ريح.