الوقت- في حين أن عدم إدانة السعودية لاتفاق التطبيع أثار التكهنات بأن الرياض ستنضم إلى الاتفاق، بعد عام من صفقة إبراهام، إلا أن هذا التوقع لم يتحقق بعد. لكن في السنوات الأخيرة، أظهرت سلسلة من الإجراءات الرمزية أن استعداد الرياض للتحرك في هذا الاتجاه قد ازداد بشكل كبير.
وفي أحدث مثال على ذلك، أعلنت شبكة "كان" التابعة للكيان الصهيوني، أن طائرة الكيان الخاصة غادرت مطار بن غوريون مساء اليوم الاثنين ووصلت مطار الملك خالد الدولي بالرياض بعد توقف بضع ساعات في عمان صباح الثلاثاء. جاء هذا الإجراء بعد وصول أول رحلة جوية من المملكة العربية السعودية إلى الأراضي المحتلة. يتم فهم أهمية الإجراءات الرمزية للسعوديين هذه الأيام من خلال النظر إلى أداء البحرين والإمارات كدولتين خطتا الخطوات الأولى في دول مجلس التعاون الخليجي للتطبيع. قبل عام على الأقل من الإعلان عن الاتفاقية، اتخذت حكومتا البحرين والإمارات العربية المتحدة إجراءات سياسية مثيرة للجدل (مثل عقد اجتماعات دولية بشأن تنفيذ صفقة القرن) وإجراءات غير سياسية (مثل سفر الوفود الأكاديمية والدينية وإرسال الرياضيين إلى الأراضي المحتلة)، وهذا قلل تدريجياً من الحساسيات الموجودة للتطبيع، وجهز العقل العام للمضي قدماً في هذا المشروع. ومع ذلك، فمن المؤكد أن الحاكم السعودي سيتخذ إجراءات رمزية لقياس ردود الفعل الداخلية والخارجية وتقييم معارضة مجموعة من المحافظين الدينيين، والترويج لنمط الحياة الغربي مع المظاهر الفاحشة غير الإسلامية.
بن سلمان والمقامرة الكبرى
في الأساس، ليس هناك شك في رغبة محمد بن سلمان بصفته الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية في تنحية الإرث السياسي السابق للحكام السعوديين في الصراع الفلسطيني الصهيوني، وهو خطة الملك عبد الله للسلام العربية لتشكيل دولتين مستقلتين على أساس حدود عام 1967. إن رغبة ابن سلمان في اعتلاء العرش تجعله على استعداد للتضحية ليس فقط بتطلعات الشعب الفلسطيني ولكن حتى بالإرث السياسي للحكام السعوديين السابقين في القضية الفلسطينية من أجل الحصول على دعم الغرب، وخاصة قادة البيت الأبيض. أظهرت المواقف السعودية الغامضة خلال العام الماضي أنه لا يوجد صوت واحد أو سياسة واحدة في القصر الملكي السعودي بشأن قضية التطبيع، ولا يزال عدد من القادة السعوديين، وخاصة الملك سلمان، يصرون على الاستمرار في دعم مبادرة الملك عبد الله للسلام. على سبيل المثال، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود في أغسطس / آب إن بلاده لا تزال ملتزمة بـ "مبادرة السلام العربية"، مضيفًا أن "كل شيء ممكن". ومع ذلك، يبدو أن شخصية مثل محمد بن سلمان، الذي لا يزال غير متأكد من مستقبل موقعه السياسي كحاكم للسعودية، وعلى الرغم من العديد من الخصوم والأعداء، يشجع الصهاينة على استخدام طريق القوة في هذا الطريق. حتى على حساب ارتفاع أصوات الاحتجاج المحافظة وتدمير أسس الشرعية الدينية للحكومة.
التوازن مقابل محور المقاومة
لكن جزءًا آخر من ميل الرياض المتزايد للدخول في وادي تطبيع العلاقات مع الصهاينة يتجاوز الميول المتعطشة للسلطة لمحمد بن سلمان، ويرتبط بتقليص عامل الأمن السعودي في بيئة إقليمية ضد الأطراف المتنافسة. توقفت عسكرة المملكة العربية السعودية الآن بعد خمس سنوات من الحرب العبثية وإنفاق المليارات في اليمن، مما يترك السعوديين بلا خيار سوى قبول الهزيمة. على الرغم من أن الحرب اليمنية كانت نتيجة خطأ استراتيجي من قبل الحكام السعوديين الجدد وعديمي الخبرة حيث خدعوا بالمخطط الأمريكي الصهيوني، ومنذ البداية كانت هناك وجهة نظر غير واقعية في مقدمة القرارات الاستفزازية السعودية لغزو اليمن بأيام قليلة. كانت الرياض تنظر إلى الحرب اليمنية بعين المنافسة للمحور العام للمقاومة بقيادة طهران، وهذا يعني أن السعودية تشعر بالتهديد من تغيير ميزان القوى في المنطقة، خاصة مع وجود لاعب جديد اسمه "أنصار الله" بقدرات عسكرية عالية في معبر مائي جغرافي مهم، مضيق هرمز ومضيق باب المندب، وقريب من منشآت اقتصادية سعودية مهمة هي أرامكو النفطية. في هذا الصدد، يمكن ملاحظة أن السعوديين يرسلون إشارات تطبيع مع الكيان الصهيوني، بالتزامن مع محادثات خفض التصعيد مع إيران، والتي تهدف بشكل أساسي إلى الخروج من المستنقع اليمني، في إشارة إلى مساعي الرياض لإقامة توازن ضد محور المقاومة من خلال تحالف مع الصهاينة في المستقبل.