الوقت- كشفت المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي عن نيتها تقديم 4.2 مليار دولار كمساعدات لباكستان التي تواجه ضغوطاً اقتصادية شديدة تعصف بكيان الدولة في ظل تآكل احتياطاتها المالية وانخفاض الاحتياطي الأجنبي إلى مستويات خطيرة، وصعوبة توصلها لاتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي.
ويبدو أن استئناف السعودية الدعم المالي لباكستان التي تقع في مركز آسيا يفتح صفحة جديدة بين الرياض وإسلام أباد بعد سنوات من الفتور والقطيعة نتيجة خلافات بين الدولتين حول أكثر من ملف ومنها الملف الإيراني واليمني.
وتم الإعلان عن هذا الدعم السعودي بعد يومين من زيارة أداها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى الرياض بمناسبة قمة “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر” التي تمت برعاية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهي ثاني زيارة لخان خلال العام الجاري، وهذا يدل على حرص إسلام أباد على تذويب التباينات مع الرياض، وإرساء دعائم جديدة للعلاقات معها.
ومن جهتها أعلنت الحكومة الباكستانية إن السعودية ستودع ثلاثة مليارات دولار في البنك المركزي الباكستاني للمساعدة في تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي المتقلصة في البلاد.
وفي هذا السياق غرد وزير المالية الباكستاني شوكت تارين على حسابه على “تويتر” قائلاً “إن المملكة ستمول أيضا تجارة المشتقات النفطية في بلاده بقيمة 1.2 مليار دولار”. أي أن إجمالي حزمة المساعدات ستكون 4.2 مليار دولار.
وبعيد هذا الإعلان السعودي وجّه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الشكر للأمير محمد بن سلمان على الدعم المالي وقال خان، عبر حسابه على تويتر، “لطالما كانت المملكة العربية السعودية موجودة في أوقاتنا الصعبة، بما في ذلك الآن عندما يواجه العالم ارتفاعًا في أسعار السلع الأساسية”.
أبرز الخلافات السعودية الباكستانية
تشير عودة الدعم المالي السعودي لباكستان بأنّ الطرفين قطعا أشواطا كبيرة في طي صفحة الخلافات التي ظهرت منذ العام 2015، وبلغت أوجها في العام 2020، حينما طالبت الرياض باكستان برد جزء من قرض ميسر بقيمة 3 مليارات دولار.
وتعد باكستان حليفاً تقليدياً واستراتيجياً للسعودية لأنهما من أكبر الدول الإسلامية في المنطقة، لكن العلاقة بينهما توترت منذ أبريل 2015، حينما صوت البرلمان الباكستاني لصالح قرار يقضي بعدم التدخل في اليمن، في إطار تحالف عسكري أطلقته السعودية ضد الشعب اليمني وأنصار الله.
وقد مثل الرفض الباكستاني للانخراط في دعم جهود التحالف في اليمن خيبة أمل كبيرة للرياض، وتدحرجت التباينات بين الجانبين لتشمل منطقة كشمير المتنازع عليها بين نيودلهي وإسلام أباد.
وكانت باكستان عمدت إلى تهديد السعودية بشكل مبطن من أنه في حال لم تقم منظمة التعاون الإسلامي التي تقودها السعودية بعقد اجتماع رفيع المستوى بشأن كشمير المتنازع عليها مع الهند، فإنها ستذهب في خيار عقد اجتماع لدول إسلامية من خارج منظمة التعاون، وما يعنيه ذلك من تقويض لزعامة المملكة على العالم الإسلامي.
وفي خطوة أخرى اعتبرتها الرياض استفزازية قام رئيس الوزراء الباكستاني بحضور مؤتمر في ديسمبر 2018 في كوالالمبور، نظمته تركيا وماليزيا وإيران، وكان يستهدف ضرب منظمة التعاون.
وشكل ذلك النقطة التي أفاضت الكأس حيث سارعت الرياض إلى التقدم بطلب غير معهود باسترجاع مليار دولار من قرض بقيمة 3 مليارات دولار، ورفض تجديد تسهيل ائتماني نفطي بمليارات الدولارات.
أسباب دفء العلاقات
يقول محللون إن عودة الدفء للعلاقات بين الرياض وإسلام أباد يعود إلى عوامل عدة بينها التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة آسيا، فضلا عن تأرجح العلاقة بين الدولتين الإسلاميتين والإدارة الأميركية الديمقراطية، فإدارة جو بايدن مثلا لا تخفي تحفظات في التعامل المباشر مع ولي العهد السعودي، كما أنها لا ترى في إسلام أباد الحليف الوثيق كما حصل بالنسبة إلى إدارات أميركية سابقة.
ويشير المحللون إلى أن هناك مصلحة متبادلة في التقارب بين الرياض وإسلام أباد، في ظل التحديات الدولية والإقليمية الراهنة، لافتين إلى أن إسلام أباد لا تملك عملياً حليفاً يمكن أن تستند عليه لدعم اقتصادها المتهاوي مثل السعودية.
وزار عمران خان في مايو الماضي الرياض وبحث مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك. وخلال زيارة خان للرياض وقَّع الطرفان اتفاقاً لإنشاء مجلس التنسيق الأعلى السعودي الباكستاني، وشهدا التوقيع على اتفاقيتين ومذكرتي تفاهم.
الأسباب الخفية وراء التسامح السعودي
في هذا السياق جاء في صحيفة “فايننشال تايمز” في تقرير أعده فرحان بخاري وسايمون كير إن موافقة السعودية على استئناف المساعدة النفطية لباكستان والتي تقدر سنويا بحوالي 1.5 مليار دولار هي محاولة من ابن سلمان لمواجهة التأثير الإيراني في المنطقة، وذلك حسب مسؤولين في إسلام أباد والسعودية.
وكانت السعودية قد طلبت من باكستان في العام الماضي دفع قرض 3 مليارات دولار وذلك بعد ضغط باكستاني على السعودية لانتقاد قرار الحكومة الهندية إلغاء الوضعية الخاصة في الدستور لولاية كشمير. إلا أن الخلافات بين الحليفين القديمين خفت بعد لقاء رئيس الوزراء عمران خان مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أيار/مايو. وجاءت الأخبار عن صفقة النفط مع باكستان في وقت بدأت فيه السعودية دفعة دبلوماسية مع الولايات المتحدة وقطر لبناء جبهة ضد إيران، حسب قول محللين. ورفعت الرياض ثلاثة أعوام من الحصار على الدوحة في كانون الثاني/يناير فيما نظر إليه المراقبون محاولة لترطيب الأجواء مع إدارة جو بايدن التي تسلمت السلطة من دونالد ترامب.
كما أن باكستان سلكت طريقاً بعيداً إلى حد ما من منافسي السعودية في المنطقة أي تركيا وإيران بعد المحاولات إلى جانب ماليزيا بناء كتلة إسلامية جديدة منافسة لمنظمة التعاون الإسلامي التي تقودها السعودية. كما طور خان علاقة قريبة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وشجع الباكستانيين على مشاهدة المسلسلات الشعبية والتاريخية التركية مثل “قيامة أرطغرل” لتصويرها القيم الإسلامية. ونقلت الصحيفة عن علي الشهابي المقرب من القيادة السعودية قوله إن المشاكل تراكمت بشدة بين الرياض وإسلام أباد إلا أن اللقاءات الثنائية “خففت الأجواء” وأعادت ضبط العلاقة لدرجة سيتم فيها استئناف تزويد باكستان بالنفط قريباً. وقال مسؤول باكستاني بارز “تعافت علاقتنا مع السعودية. وسيأتي الدعم من خلال الدفع المؤجل (على النفط) ويتطلع السعوديون لاستئناف خطط الاستثمار في باكستان”. لكن العرض السعودي هو أقل من نصف الكمية السابقة بقيمة 3.4 مليار دولار والتي أجلت بعد ترنح العلاقات.
لكن فؤاد رؤوف مدير أبحاث الأسهم في مؤسسة إسماعيل إقبال لتداول الأوراق المالية في كراتشي قال “أي كمية من الدولارات تساعد لأننا نواجه أزمة في الحسابات الجارية، وبهذه الأسعار بمدى 70 دولارا للبرميل فأي شيء يساعد”. وأصبح الاحتياطي من العملة الأجنبية لباكستان 16 مليار دولار وهي أعلى من 7 مليارات دولار عام 2019 وقبل أن تطبق برنامج صندوق النقد الدولي. وقال روبن ميلز من شركة الاستشارة “قمر إنيرجي”: “السعودية وباكستان حليفتان ولكن العلاقات بينهما ظلت متوترة. وعلاقة باكستان- إيران أفضل مما تظن”.
ويرى ميلز أن توقيت اللفتة السعودية “مهم” فيما تحضر فيه إيران لزيادة مستويات تصدير النفط بعد تخفيف العقوبات الأمريكية. ويضيف “يقوم السعوديون بمهمة بناء جسور بشكل عام. وحاولوا بناء العلاقات مع الولايات المتحدة واستئناف العلاقات مع قطر”.
ويقول أحمد رشيد مؤلف كتب عن باكستان وأفغانستان وطالبان إن هناك عدة أسباب دفعت السعودية لاستئناف العلاقات مع باكستان. وربما “ارتبطت بحاجة الأمريكيين لقواعد” عسكرية لشن هجمات مكافحة إرهاب في أفغانستان من باكستان، لكن الأولوية الأمريكية كما يقول هو منع إسلام أباد من الوقوع تحت التأثير الإيراني. وقال رشيد إن باكستان عالقة بين الصين التي استثمرت مليارات الدولارات في البنى التحتية والولايات المتحدة. وأضاف “على باكستان أن تلعب بحذر، فهي تعتمد على الصين في مبادرة الحزام والطريق والقروض من الغرب” و”هذه لعبة معقدة”.
أيّاً يكن نحن مع التقارب بين أي بلدين مسلمين يدب الخلاف بينهما لأن في التلاحم قوة وفي التفرقة ضعف ومن الطبيعي أن يصب التقارب الباكستاني السعودي بمصلحة أغلب الدول الإسلامية التي تتأثر مباشرة بهذا التقارب.