الوقت_ توتر واضح تعيشه العلاقات بين المغرب وروسيا، حيث تشير تقارير إلى انزعاج القيادة المغربيّة من قوات فاغنر (منظمة روسية شبه عسكريّة)، وتسليح الجيش الجزائري بأسلحة نوعيّة ومده بخبراء يشرفون على استعمال الأسلحة، ما جعل الخلاف يطفو إلى السطح بشكل غير مسبوق في أيّ لحظة بعدما غادر السفير الروسيّ العاصمة المغربيّة الرباط في ظروف غير واضحة، وذلك نتيجة لارتفاع حجم توتر العلاقات بين الجزائر والمغرب بشكل حاد في الأشهر الماضيّة، والتي وصلت إلى حد القطيعة بسبب المتغيرات الأخيرة في المنطقة وبالأخص في المغرب العربيّ عقب تطبيع الحكومة المغربيّة مع الكيان الصهيونيّ الغاصب مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الإقليم الصحراويّ المتنازع عليه أو ما يعرف بـ "الصحراء الغربيّة" إضافة للتآمر مع تل أبيب للنيل من الموقف الجزائريّ المقاوم والكثير من الملفات الأخرى.
بدا التوتر واضحاً بين الرباط وموسكو بعد أن أجلت روسيا اجتماعاً للتعاون الروسيّ - العربيّ على مستوى وزراء الخارجيّة كان مقرراً يوم 28 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، حيث أخبرت الجامعة العربية الخميس المنصرم بضرورة تأجيله إلى تاريخ غير مسمى تحت تبرير عدم مطابقة الاجتماع مع أجندة وزير الخارجيّة سيرغي لافروف، عقب قرار مغربيّ في تعليق الرحلات الجويّة مع موسكو تحت مبرر ارتفاع حالات فيروس كورونا هناك، كما أجلت روسيا مواطنيها من المغرب، إضافة إلى عودة السفير الروسيّ لدى الرباط إلى العاصمة الروسيّة في ظروف مجهولة.
وعلى ما يبدو فإنّ المغرب قلقٌ للغايّة من الوجود الروسيّ في شمال إفريقيا، بسبب تسليح روسيا للجزائر بأسلحة نوعيّة وبالخصوص تمتيع الغواصات بأنظمة متطورة للغاية مثل ضرب أهداف بريّة من قاع البحر لا تتوفر عليها سوى 7 دول في العالم، وهي التجربة التي أجرتها الجزائر خلال مناورات الشهر المنصرم بالقرب من المياه المغربيّة، في ظل ارتفاع منسوب العداء بشكل غير مسبوق بين الجزائر والمغرب وتأزم العلاقات أكثر وأكثر بسبب انخراط المغرب في مشاريع تستهدف جيرانها، ناهيك عن تناقض المواقف في عدة ملفات حساسة في المنطقة، ترى الجزائر فيها أنّها مُستهدفة بالفعل من أعداء الماضي والحاضر، في إشارة إلى المتعاونين والمُطبعين مع الصهاينة، لدرجة أن السلطات الجزائرية قبل مدة، أعلنت قطع العلاقات الدبلوماسيّة جاء بعد تصاعد التوترات التي تفتعلها الرباط الضالعة في أعمال عدائيّة ضد الجزائر.
إضافة إلى ذلك، يرتكز القلق المغربيّ الشديد على فرضية بدء اقتراب مجموعات "فاغنر" التي قيل إن مجموعاتها شاركت في حروب مختلفة بينها سوريا واليمن من شمال إفريقيا، إذ أنّها بعد دولة مالي الإفريقيّة بدأت تقترب من منطقة "الصحراء الغربيّة" التي يُعد ملفها من أبرز نقاط الخلاف بين المغرب والجزائر، وشهد نزاعاً بين الرباط وجبهة "البوليساريو" منذ عام 1975، وذلك بعد انتهاء فترة وجود الاحتلال الإسبانيّ في المنطقة، ليتحول إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين، توقفت عام 1991، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة، حيث تقترح الرباط حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيطرتها، فيما تطالب جبهة "البوليساريو" باستفتاء يقرر مصيرهم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي عشرات آلاف اللاجئين من الإقليم الصحراويّ، ويسيطر المغرب على أجزاء كبيرة من الصحراء الغربيّة التي أعلنت جبهتها الصحراويّة عن تأسيس "الجمهورية العربيّة الصحراويّة الديمقراطيّة" و شكلت حكومتها في منطقة "تندوف" الجزائريّة.
وبما أنّ الحكومة الجزائريّة تُدرك حجم الأهداف المغربيّة الخطيرة، لاستهداف البلاد عبر التجسس والتطبيع وملف الصحراء الغربيّة والتواجد العسكريّ الحدوديّ، ما يُشكل استفزازاً و تهديداً للأمن القوميّ الجزائريّ عبر المخططات المغربيّة والغربيّة والإسرائيليّة المعاديّة للجزائر و للوحدة المغربيّة، فإنّ العلاقات بين البلدين الجارين تمر بتوتر شديد من عناوينه البارزة قرار الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب وإغلاق المجال الجوي في وجه الطائرات المغربية ثم تكثيف القوات العسكريّة في الحدود المشتركة بشكل يشبه الأوضاع في أواسط السبعينات عندما وقعت مناوشات عسكرية بين الطرفين.
ويضاف إلى كل هذا، راديكالية مواقف روسيا خلال الثلاث سنوات الأخيرة من نزاع الصحراء الغربية في مجلس الأمن، بدفاعها عن موقف جبهة البوليساريو والجزائر بشكل متشدد. ويوجد ترقب حول موقفها نهاية الشهر الجاري عندما سيتم المصادقة على قرار جديد في مجلس الأمن يخص الصحراء.
ويأتي التعاون الجزائريّ مع روسيا نتيجة لضلوع الكيان الصهيونيّ في تدهور العلاقة إلى هذا الحد بين الجزائر والمغرب، وبالأخص بعد السماح للصهاينة بالتجسس على الجزائر انطلاقاً من الحدود المغربيّة، واستعمال المغرب برنامج “بيغاسوس” للتجسس على المسؤولين الجزائريين، إضافة إلى تشجيع حركة الانفصال في منطقة القبائل، وتحميل المغرب مسؤولية الحرائق التي شهدتها هذه المنطقة في الفترة الماضيّة، الشيء الذي كشف الانخراط المغربيّ مع العدو الإسرائيليّ لمحاربة الجزائر لصدّ الحملة التي قادتها ضد قبول الكيان كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقيّ، وبالتالي فإنّ التعاون مع موسكو يشكل ورقة ضغط هامة بالنسبة للجزائر.
أكثر من ذلك، ووفقاً لوجهة النظر الجزائريّة فإنّ المملكة المغربيّة جعلت من أراضيها قاعدة خلفيّة ورأس حربة لتخطيط وتنظيم ودعم سلسلة من الاعتداءات الخطيرة والممنهجة ضد جارتها الشرقيّة، لهذا لم توافق الجزائر على محاولات دول أوروبية مثل فرنسا القيام بمبادرة للمصالحة في سرية تامة، رغم أنّ المغرب رحب بالمبادرات، مدعيّاً جهله للأسباب الحقيقيّة للقرار الجزائريّ، واصفاً الأدلة التي استندت إليها الجزائر بـ "غير جديرة بالاهتمام".
ومن الجدير بالذكر أنّ العلاقات بين روسيا والمغرب وصلت لمرحلة متقدمة عام 2016، وهي سنة زيارة الملك محمد السادس للعاصمة الروسيّة، حيث جرى الحديث حينها عن تعاون عسكريّ وإمكانية شراء الرباط غواصة روسيّة وأنظمة إس 400، وكانت القيادة الروسيّة قبل هذا التاريخ قد اعترضت على القرار الأمريكيّ عام 2013 تضمين مراقبة حقوق الإنسان ضمن مهام بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربيّة "المينورسو"، بينما تتخذ العلاقات بين البلدين منحى آخر هذه الأيام ربما تتصاعد بشكل كبير في أيّ لحظة، كما حدث في العلاقة مع ألمانيا التي اتخذت موقفاً معارضاً لقرار الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، من قرار الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربيّة.
نيجة لكل ما ذُكر، جلب البيت الأبيض ودعمه اللامتناهي للكيان الصهيونيّ التوتر والمخاطر إلى المنطقة المغاربيّة عقب التطبيع واعترافه بسيادة المغرب على الإقليم الصحراويّ، ما زاد طين الخلافات بلة في تلك المنطقة، وإن التسابق العسكريّ بين المغرب والجزائر يرفع من احتمالية نشوب حرب متعددة الأطراف، المستفيد الأول والأخير منها هو تل أبيب الباحثة عن الشرعيّة من خلال تحقيق بعض الغايات للقيادات العميلة.