الوقت- لا تكاد تطورات قضية الصحراء الغربية تهدأ إلا لتشتعل من جديد، إذ اتهمت الخارجية المغربية يوم الأحد الماضي جبهة "البوليساريو" بالقيام باستفزازات في المنطقة العازلة، ونددت بما اعتبرته انتهاكا موصوفا لاتفاق وقف إطلاق النار في المنطقة المتنازع عليها. وكانت جبهة "البوليساريو" قررت إحياء ما تسميه "الذكرى الـ45 لاندلاع الكفاح" اليوم الأحد بمنطقة تيفاريتي التي تعتبرها "محررة"، وذلك لتنظيم احتفالات ومناورات عسكرية وصفت بالضخمة بحضور وفود تمثل دولا تدعمها وتتعاطف معها. واتهمت الحكومة المغربية "حزب الله" اللبناني بتقديم الكثير من الدعم المالي والعسكري واللوجستي للـ"البوليساري". وحول هذا السياق، استنكر مسؤول جزائري يوم الثلاثاء الماضي ما سمّاه الأكاذيب والتلاعب الفظ للسفير المغربي في جنيف، بعد تصريحاته المتعلقة بوجود مزعوم لمدربين من "حزب الله" اللبناني في مخيمات اللاجئين الصحراويين، بمحافظة تندوف غربي جنوب الجزائر.
وقال "عمار بلاني"، مبعوث الجزائر الخاص المكلف بمسألة الصحراء الغربية والمغرب العربي في تصريح له، ردا على رسالة للسفير المغربي موجهة إلى الدورة الـ 48 لمجلس حقوق الانسان بجنيف، إن تصريحات بعض الدبلوماسيين المغاربة هي "مجرد أكاذيب يقومون بنسجها بلا كلل، خاصة عندما تحاصرهم النداءات العاجلة من المجموعات التي تدعم القضية العادلة لشعب الصحراء الغربية". وأضاف "السفير المغربي عمر زنيبر، شبيه لسلفه في التلاعب الفظ. إنهم أساتذة في فن إعادة تدوير ورسكلة الأكاذيب المخزية لوزيرهم الذي اخترع في أيار/مايو 2018، الحكاية المروعة بشأن مدربي حزب الله والتي تم نفيها وإثبات زيفها في الواقع". وتابع "نتذكر أن المملكة المغربية كانت تبحث عن ذريعة للإعلان عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة في الشرق الأوسط، وبالتالي جني الثمار من بعض الشركاء الإقليميين وغير الإقليميين".
ومن جهة أخرى، أكد وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج في الجزائر، "رمطان لعمامرة"، أن قطع العلاقات مع المغرب، كان قرارا يتعين على الجزائر اتخاذه من أجل بعث الرسالة المناسبة إلى حكومة البلد المجاور، بعد أعمال معادية لسيادة ووحدة الدولة. وأعلنت الجزائر في 24 أغسطس/آب الماضي قرار قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب. وقال "لعمامرة"، في تصريح له يوم الثلاثاء الماضي، إن "الجزائر كانت صبورة بشكل غير عادي في مواجهة كل الأفعال التي ارتكبها المغرب ضد سيادتها ووحدتها. ولهذا نعتقد أن مثل هذا القرار (قطع العلاقات) أرسل الرسالة المناسبة إلى حكومة المغرب. والذي يعني أنه لا يمكننا تحمل قبول المزيد من سلوك هذا البلد المجاور".
وحسب "بلاني"، فهذا الدبلوماسي مثل سلفه يتقنان فن إعادة تدوير ورسكلة الكذب الذي يطلقه وزير خارجيتهم في كل مرة، لمواجهة تنامي الضغوط الدولية حول انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية. وبعد أن أكد أن حبل الكذب قصير، أفاد "بلاني" أن الدليل على ذلك، هو ما قاله وزير الخارجية المغربي عام 2018 بشأن دعم حزب الله لجبهة البوليساريو، ليتبين فيما بعد أن القضية كلها هي البحث عن ذريعة واهية لتبرير قطع العلاقات مع إيران، من أجل التقرب من دول شرق أوسطية دون فائدة. كما عقّب المبعوث الخاص "عمار بلاني" على تصريحات السفير المغربي في جنيف بشأن مزاعم دعم حزب الله لجبهة البوليساريو وقال: "يلجأ بعض الدبلوماسيين المغاربة إلى ممارسة التضليل الممنهج ونسج الأكاذيب دون كلل، خاصة عندما تحاصرهم النداءات العاجلة الصادرة عن المجموعات التي تدعم القضية العادلة لشعب الصحراء الغربية".
وأضاف: "إن السفير المغربي الذي ذكرتم إسمه، مثل سلفه، هم من هواة التلاعب المقيت. إنهم بارعون في فن إعادة تدوير الأكاذيب المخزية لوزيرهم الذي كان وراء اختلاق الخرافة السخيفة في ماي 2018 بشأن مزاعم دعم حزب الله لجبهة البوليساريو؛ والتي تم دحضها وتفنيدها على أرض الواقع". وأعرب: "ويتذكر الجميع بأن المملكة المغربية كانت تبحث عن ذريعة وهمية لقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة في الشرق الأوسط قصد تحقيق مكاسب لدى بعض الشركاء الإقليميين وغير الإقليميين. كل هذا يؤكد بأن حبل الكذب قصير وأن كلام السفير المغربي لا معنى له، خاصة وأن التعبئة في جنيف ستكتسب زخما كبيرا للتنديد بالقمع والانتهاكات الممنهجة والمتعمدة لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة في الصحراء الغربية."
وعلى صعيد متصل، اعتبر "بن علي شريف" أن "اتهاماته غير المؤسسة وغير المبررة مؤشر على سياسة الهروب إلى الإمام التي اختار انتهاجها على إثر الإخفاقات الكبيرة التي مني بها في أفريقيا وأوروبا ومؤخرا أيضا بنيويورك". وندد المتحدث أيضا بتصريحات "شريف" عن دور الجزائر في منطقة الساحل بعدما اتهمها ضمنا في المقابلة بأنها تساهم في "زعزعة استقرار" المنطقة. وكان الوزير المغربي قد اتهم خلال المقابلة الجزائر بأنها "وفرت تغطية ودعما" لاجتماعات تمت في العاصمة الجزائرية بين مسؤولين في حزب الله والبوليساريو. يشار إلى أن الرباط كانت قد أعلنت في الأول من مايو/أيار الجاري قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران متهمة إياها بأنها قدمت عبر حليفها حزب الله اللبناني سلاحا إلى جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، الأمر الذي نفاه كل الأطراف المعنيين. ولقد بدأ النزاع على إقليم الصحراء الغربية عام 1975 بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة ليتحول الخلاف بين المغرب والبوليساريو إلى نزاع مسلح استمر حتى العام 1991 حين تم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار. وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، في حين تطالب جبهة البوليساريو بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف مقر الجبهة.
ولقد نفت إيران الاتهامات التي وجهها المغرب إليها بشأن دعمها لجبهة البوليساريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) وتزويدها بالأسلحة. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، "بهرام قاسمي"، إن مزاعم المغرب بشأن العلاقة مع جبهة البوليساريو "لا أساس لها من الصحة وتجافي الحقيقة ومرفوضة تماما". وأوضح "قاسمي" أن مناقشة هذا الموضوع جرت في الأيام الاخيرة خلال اتصالات هاتفية بين مسؤولي البلدين، حيث نفت السلطات الإيرانية صحة هذه الأنباء جملة وتفصيلا. وأضاف أن بلاده "تعلن بصراحة أن من أهم أسس سياسات إيران الخارجية مع باقي دول العالم هو الاحترام الكبير لسيادتها وأمنها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية". وأصدر حزب الله بيانا قائلا إنه "ينفي هذه المزاعم والاتهامات جملة وتفصيلاً". واضاف بيان الحزب أنه "يعتبر أنه من المؤسف أن يلجأ المغرب بفعل ضغوط أمريكية وإسرائيلية وسعودية لتوجيه هذه الاتهامات الباطلة، ويرى أنه كان حرياً بالخارجية المغربية أن تبحث عن حجة أكثر إقناعا لقطع علاقاتها مع إيران".
ونفت جبهة البوليساريو الاتهامات المغربية، على لسان أحد قياديها، "البشير مصطفى السيد"، الذي اتهم المغرب بتلفيق هذه الاتهامات لأنه "يواجه صعوبات مع المبعوث الأممي للصحراء، ويحاول البحث عن أي شيء لإلهاء الشعب المغربي". كما أصدرت السفارة الإيرانية في الجزائر تكذيبا للاتهامات المغربية قالت فيه "إنها إذ تنفي هذه الاتهامات الكاذبة، تؤكد على التزامها بممارسة دورها القانوني والطبيعي في توطيد العلاقات بين البلدين الشقيقين إيران والجزائر".