الوقت- في ظل خيبة وقلق الانفصاليين من تكرر السيناريو الأفغانيّ في سوريا، عقب الانسحاب الأمريكيّ الذي أدى إلى سيطرة حركة "طالبان" المتشددة على البلاد، عقب 20 عاماً من الاحتلال العسكريّ، تحدث مصدر في وزارة الخارجية الأمريكية عن وجود تواصل مع ميليشيات "قوات سوريا الديمقرطيّة" المدعومة من الولايات المتحدة، لطمأنتهم بأنّ ما حدث في أفغانستان لا يمكن أن يحدث في سوريا، فيما ذكرت وسائل إعلام أجنبيّة أنّ النائب الأول المساعد لوزير الخارجية الأمريكيّ لشؤون الشرق الأدنى، جوي هود، تحدث مع من وصفه بـ "الشركاء" في قوات سورية الديمقراطيّة، في 29 آب/أغسطس، وذلك لتأكيد ما تسميه واشنطن "الالتزام بالحملة المستمرة ضد تنظيم داعش"، إضافة إلى مناقشة المخاوف بشأن تصعيد النشاط العسكريّ في الشمال السوريّ.
في تجسيد للمساعي الأمريكيّة لعرقلة الحل السياسيّ في سوريا ومنع الوصول إلى اتفاق يحافظ على وحدة سوريا، تزعم واشنطن أنّه لا يمكن لقوات "قسد" الاستمرار في اجتثاث إرهابيي "داعش" الذين هم بالأساس صناعة أمريكيّة، أو حراسة عشرات الآلاف من معتقلي التنظيم وعائلاتهم، الذين لا يزالون رهن الاعتقال، دون دعم من واشنطن التي تحول إيجاد مبررات لاحتلالها الأراضي السوريّة ودعمها الإرهاب والانفصاليين.
وتدعي القوات الأمريكية بأنّها تحتل سوريا للمساعدة في ضمان الهزيمة الدائمة لداعش الإرهابيّ، إذ لا يزال التنظيم يشكل تهديداً ليس بأخطر من الوجود الأمريكيّ أو التركيّ، حيث تبرر الإدارة الأمريكيّ أو سارقة النفط كما يسميها السوريون احتلالها بمنع عودة ظهور "داعش" في العراق وسورية، وكذلك محاربة الشراكات التابعة له وشبكاته خارج الشرق الأوسط، من خلال تعاون الولايات المتحدة مع 83 من شركائها وحلفائها الذين يشكلون ما يُطلق عليه "التحالف العالميّ لهزيمة داعش".
وتدرك الجماعات الانفصاليّة شرق سوريا أنّ الوجود الأمريكيّ لن يبقى لمدة طويلة رغم كل التطمينات الواهية، والدليل أنّ القوات الأمريكيّة بعد 20 عاماً من احتلال أفغانستان انسحبت دون أدنى المبررات المنطقيّة، وقد أعلن الرئيس الأميركيّ، جو بايدن، أنّ بلاده لم تكن مهتمة ببناء تلك الدولة التي باتت غارقة بالحروب والدمار والإدمان والفقر نتيجة للاحتلال، لتسقط ببساطة بيد حركة "طالبان" المتشددة التي استولت على معدات عسكريّة أمريكيّة تُقدر بعدة ملايين وربما مليارات الدولارات.
وبما أنّ التطمينات الأمريكيّة المثيرة للسخريّة ترتكز على قاعدة أنّ سورية ليست أفغانستان، فمن الغباء الوثوق بالإدارة الأمريكيّة وكما يقول المثل العربيّ " من يجرب المُجرب عقله مُخرب"، حيث اعتاد الجميع على تصريحات الولايات المتحدة حول الشراكة والتحالف والتعاون، وإنّ حديثها الأخير أنّ “قسد” ستظل شريكاً عسكريّاً مقتدرا للولايات المتحدة، ينتهي في ليلة وضحاها فمن ضحى بالفرنسيين في أزمة الغواصات كيف له أن يضع انفصاليي قسد في الحسبان؟.
وإنّ قسد الانفصاليّة المدعومة أمريكيّاً والتي تسيطر على حوالي 25% من الأراضي السوريّة الغنيّة بالنفط، يجب أن تعتبر من أفغانستان بعد أن احتلها الجيش الأمريكيّ لعقدين وسرق آثارها ونفطها ومقدراتها، ودمر حضارتها ووحدتها وأمنها، ومن ثم ترك المواطنين الأفغان يعيشون رعباً غير مسبوق، ويرمون بأنفسهم إلى التهلكة عند مدرج الطائرات العسكريّة الامريكيّة بحثاً عن مهرب لهم.
إضافة إلى ذلك، لابد للانفصاليين في الشرق السوريّ أن يتذكروا جيداً مشاهد الهلع والخوف والرعب التي رافقت الانسحاب الأمريكيّ من أفغانستان والتي دفعت ببعض الأفغانيين للتشبث بأطراف الطائرات الهاربة من طالبان ليسقط الكثير من الضحايا في أبشع المشاهد التي سجلها التاريخ تحت عناوين الشراكة والتحالف مع الولايات المتحدة، حيث فر الرئيس الافغانيّ، أشرف غني، حاملاً الذهب والمال تاركاً بلاده وشعبه بالكامل للمجهول.
أيضاً، وببساطة شديدة، تخلى البيت الأبيض عن عملائه والمتعاونين معه باعتبارهم أصبحوا "ورقة محروقة" في السياسة الأمريكيّة، وقد أرسلت واشنطن رسائل اطمئنان لشعبها أنّ جواسيسها وأذرعها الدبلوماسيّة بخير، دون إبداء أيّ تعاطف على الشعب الأفغانيّ الذي يذوق الويلات، في تجسيد حقيقيّ للوعود التي يسمعها الانفصاليون في سوريا اليوم.
ختاماً، واحد هو النهج الأمريكيّ وإن اختلفت البلدان والأساليب، وإنّ تكرار السيناريو الأفغانيّ في سوريا من ناحية التخلي الأمريكيّ عن الأذرع، هو أمر غير مستبعد أبداً مع اختلاف الواقع الافغانيّ عن السوريّ، وخاصة في ظل الدولة السوريّة وجيشها وحلفائها، الذين قلبوا موازين المشروع الأمريكي في سوريا وقضوا على أحلام واشنطن الخبيثة في التقسيم وقلب الأنظمة.