الوقت_ "لا يمكن تجاوز حزب الله" رسالة واضحة وربما مزعجة للبعض، من قبل رئيس الوزراء اللبناني،نجيب ميقاتي، الذي تولى مهمته الجديدة في بلد يعيش أصعب الظروف على جميع المستويات، حيث شدّد على أنّ الحكومة اللبنانيّة الجديدة تنتظر "الأخ العربيّ الأكبر" لمساعدتها في حل الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة في البلاد، بعد فشل سلفه السابق، حسّان دياب، في حل ولو جزء منها، ما زاد حجم الأعباء الملقاة على عاتق الحكومة الحاليّة، وهذا يعني مسؤوليّة أكبر في ضرورة إعادة الروح للدولة اللبنانيّة ووضع حدٍ للانهيار الاقتصادي الذي عاشه اللبنانيون في السنوات الأخيرة.
وفي الوقت الذي فرض حزب الله نفسه بقوّة على الساحتين السياسيّة والعسكريّة، وبالأخص بعد الانتصار العظيم لمحور المقاومة، والذي تجسد في إجبار الولايات المتحدة على كسر حصار لبنان وسوريا، من خلال الناقلات النفطيّة القادمة من الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة إلى لبنان، والتي جاء انطلاقها بأمر من الإمام الخامنئيّ لإنقاذ لبنان من أزمة نفطيّة حادة أنهكت اللبنانيين نتيجة لتأثيرها الشديد على كل القطاعات، بسبب الحصار الأمريكيّ والغربيّ.
ولا يخفى على أحد أنّ المقاومة اللبنانيّة المتمثلة بـ "حزب الله" باتت كابوساً حقيقيّاً يؤرق الكيان الصهيونيّ الغاصب، وأنّ الحزب استطاع بالفعل فرض معادلة ردع فريدة على العصابات الصهيونيّ العنصريّة، الشيء الذي جعله حاضراً بقوّة على المستويين الداخليّ والخارجيّ ولا يمكن تجاهله أبداً، ورغم كل العداوات التي تتربص بهذا الحزب المقاوم ومحاربته من خلال عملاء الداخل، لمحاولة تغيير قرار المقاومة في لبنان والمنطقة، وتغليب لغة المساومة، استطاع كسر الحصار الأمريكيّ الخانق على حياة اللبنانيين وقطع الوقود عنهم، بعد أن اضطرت المستشفيات والمخابز والكثير من المنشآت المهمة إلى الإغلاق أو تقليص خدماتها بسبب انقطاع التيار الكهربائيّ.
وبالعودة إلى ميقاتي فإنّه يستند على الدعم العربيّ غير الموجود أصلاً والدليل قوله: إنّ "لبنان بلد صغير في العالم العربيّ، ونحن نبحث عن الأخ الأكبر من كل الدول العربية ليأتي ويأخذ بيدنا ويخرج لبنان من هذه الفوضى"، وأضاف: "لبنان مستقر سيفيد العالم العربي كله"، متناسيّاً غياب الرغبة العربية في حل المشكلة اللبنانية من الأساس، حيث كانت بعض الدول العربية تثير المشاكل وتفاقمها، والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا وقفت بعض الدول العربيّة النفطيّة عاجزة عن تقديم يد العون للبنان، ليأتي قرار طهران الشجاع الذي غير المعادلات وأجبر الإدارة الأمريكيّة على التنازل، وتسبب بانفراج في الأزمة الاقتصاديّة التي فشلت الدولة اللبنانية وأحزابها في حلها أو معالجتها في وقت تعاني فيه البلاد من ارتفاع نسب الفقر والعنف والهجرة.
والمشكلة أنّ ميقاتي يعول على الوهم، فرغم أنّ الدول العربية لم تتصل حتى الآن به منذ تشكيل حكومته، لكنه مازال متفائلا بأنه سيحصل على "رد إيجابيّ"، ولب الخلل هنا أنّ الدول العربيّة التي تركت لبنان يعاني من شح الدواء نتيجة لانتشار فيروس كورونا، كيف يمكن الاعتماد عليها لحل مشاكل لبنان الداخليّة؟، لأنّ الحل أولاً وأخيراً ينبع من الداخل بالاستناد إلى القدرات الداخليّة وليس "الاستناد إلى حائط مائل" أيّ الصدقات والمساعدات التي تقدمها بعض الدول العربيّة لأغراض محددة.
وفي الوقت الذي تحاول فيه حكومة ميقاتي إيجاد حلول فورية للخروج من الوضع الحاليّ عبر السعي لمعالجة هموم ومشاكل الشعب لمنع البلاد من الانهيار، يبرز اسم المقاومة اللبنانيّة كشريك أساس لا يمكن الاستغناء عن موقفه وتأثيره، في ظل عدم الرغبة الأمريكيّة في اشتعال حرب صهيونيّة مباشرة مع لبنان، لأنّ أسلوب واشنطن يأتي ضمن بث النزاعات الداخليّة والضغط الاقتصاديّ ومحاولة التأثير على شعبيّة وسمعة المقاومة التي يمثل حزب الله جزءاً مهماً من محورها.
في النهاية، سيحمي حزب الله الشعب اللبنانيّ ويسانده مهما كان الوضع وأياً تكن الظروف الداخليّة التي كان منقذاً فيها رغم كل المخاطر، وقد تحدى الثالوث العربيّ العبريّ الغربيّ وأفشل كل الضغوط التي تمارس على اللبنانيين لتعزيز الانقسام الداخليّ حول المقاومة، ليبقى المستقبل الحكوميّ اللبنانيّ مجهولاً، فهل ستنجح حكومة نجيب ميقاتي في ترتيب الأولوية الحالية للبنان؟، بالأخص فيما يتعلق بالعلاقات الخارجيّة مع الدول الجادة في تقديم العون لهذا الشعب الغارق بالأزمات.