الوقت- أخيراً انتهی الانتظار وأعلنت طالبان تشكيل الحكومة الجديدة لإمارة أفغانستان الإسلامية. حکومة تضم مزيجًا من الشخصيات المعروفة وذات الخبرة من هذه الحرکة، وأعضاء أقل شهرةً وحتى مجهولين لوسائل الإعلام والمجتمع الأفغاني.
تحتوي قائمة أعضاء مجلس الوزراء الجدد على نقاط مهمة للغاية حول الهيكل السياسي المقصود لطالبان، والأهداف السياسية، والتفاعل مع المعارضين والمنافسين في الداخل.
تواجه أفغانستان حاليًا أزمات اقتصادية وأمنية مختلفة(الإرهاب والمعارضة الداخلية المسلحة) والهجرة وعدم الاستقرار السياسي. في غضون ذلك، أعلنت الأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي أن أفغانستان تواجه انهياراً في الخدمات الأساسية، وأن المساعدات الغذائية والمواد الغذائية الأخرى آخذة في النفاد.
حسب المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، فقد تم تعيين "الملا حسن أخوند" رئيساً للوزراء، و"عبد الغني برادار" و"عبد السلام حنفي" نائبي أول وثاني، و"محمد يعقوب مجاهد" نجل زعيم طالبان السابق الملا عمر، وزيراً للدفاع بالإنابة، و"أمير خان متقي" وزيراً للخارجية بالوكالة.
لا شك أن أهم قضية لأفغانستان في الوقت الراهن، هي الحفاظ على الاستقرار ومنع البلاد من السقوط في هاوية انعدام الأمن والحرب الأهلية. وحتى الآن، تعاملت الدول الأجنبية بحذر وأحيانًا بقلق بشأن تشكيل الحكومة الجديدة في أفغانستان.
تحدٍّ واضح للولايات المتحدة
طالبان التي شكلت رمزياً الحكومة الأفغانية الجديدة عشية ذكرى 11 سبتمبر، لم تهتم في تشکيلة مجلس الوزراء برضا واشنطن أو موقفها.
في المقام الأول، ثلاثة على الأقل من أعضاء مجلس الوزراء، الذين تم تعيينهم وزيراً بالوکالة يوم الثلاثاء، هم من بين خمسة معتقلين منذ فترة طويلة في السجن العسكري الأمريكي في خليج غوانتانامو، الذين أطلق سراحهم في عام 2014 مقابل جندي أمريكي احتجزته طالبان.
هؤلاء الثلاثة من سجناء طالبان الخمسة في الحكومة هم "عبد الحق واثق"، مدير المخابرات، و"نور الله نوري"، وزير الحدود والشؤون القبلية، و"خير الله خيرخواه" وزير الثقافة.
من ناحية أخرى، يعتبر تسليم وزارة الداخلية لـ"سراج الدين حقاني" رئيس شبكة حقاني، إشارة سلبية أخرى للبيت الأبيض. حيث وضعت طالبان شخصيةً على رأس الوزارة الرئيسية المسؤولة عن الأمن القومي وجهود مكافحة الإرهاب، تلاحقها الولايات المتحدة بتهم الإرهاب وخصصت له جائزة 10 ملايين دولار. کما أن عم سراج الدين هو أيضاً وزير للاجئين والعائدين، مع مكافأة قدرها 5 ملايين دولار.
بشكل عام، يهيمن رجال البشتون على مجلس الوزراء المكون من 33 وزيراً، ومعظمهم من قدامى المحاربين في الحرب التي دامت عقدين من الزمن علی الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة.
وزير الداخلية في حكومة طالبان سراج الدين حقاني، هو نجل مؤسس شبكة حقاني التي تعتبرها واشنطن جماعةً إرهابيةً، وهو مدرج في قائمة الشرطة الفيدرالية الأمريكية ومكتب التحقيقات الفدرالي للمطلوبين، لتورطه في هجمات انتحارية وعلاقاته بالقاعدة.
ووفقًا لملف مكتب التحقيقات الفيدرالي عن سراج الدين حقاني، فإنه "مطلوب للاستجواب فيما يتعلق بهجوم عام 2008 على فندق في كابول .. قتل فيه ستة أشخاص، بينهم مواطن أمريكي".
ويضيف هذا الملف: "يُعتقد أنه شارك في هجمات ضد الولايات المتحدة وقوات التحالف في أفغانستان ونسقها. كما أن حقاني متهم بالتآمر لاغتيال الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي في عام 2008".
شاركت شبكة حقاني، التي يقودها سراج الدين حقاني، كفرع من طالبان، في بعض من أكثر الهجمات دمويةً في أفغانستان في العقدين الماضيين. على سبيل المثال، في تفجير شاحنة مفخخة في كابول عام 2017، قتل فيه أكثر من 150 شخصًا.
كما اتهمت هذه الشبكة بمهاجمة السفارة الأمريكية وقواعد الناتو القريبة في كابول في سبتمبر 2011، وقتل في ذلك الهجوم ثمانية اشخاص.
يعتقد بعض المحللين أن الدور القوي للحقانيين في الحكومة الأفغانية الجديدة، الذين كان مقاتلوهم على الخطوط الأمامية عندما احتلوا كابول الشهر الماضي، أثار مخاوف البيت الأبيض بشأن عواقب الخروج الكارثي من أفغانستان، وتظهر هذه التعيينات أن طالبان لا تهتم كثيرًا باعتراف الحكومات الغربية الدبلوماسي بهم، أو اكتساب شرعية دولية واسعة.
وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "نيد برايس" إن بلاده قلقة بشأن "انتماء وخلفية" بعض مرشحي طالبان للمناصب الحكومية الرئيسية.
بدورها قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض "جين ساكي" يوم الاثنين الماضي، إن الولايات المتحدة ليست في عجلة من أمرها للاعتراف بالحكومة الأفغانية الجديدة. وأضافت أن حكومة بايدن لم تحدد جدولاً زمنياً لذلك، وأكدت أن العالم "سيراقب سلوك طالبان".
کما قال الاتحاد الأوروبي إنه مستعد لمواصلة تقديم المساعدات الطارئة لأفغانستان، لكنه سيراقب الحكومة الجديدة لحركة طالبان.
الحضور الباهت للأقليات في الحكومة الانتقالية
هناك مسألة أخرى مهمة تتعلق بتكوين الحكومة الأفغانية الجديدة، وهي الحضور الضعيف للأقليات الدينية والعرقية على رأس الوزارات.
حيث لا يوجد سوى ثلاثة أعضاء من الأقليات في هذه الحكومة، على الرغم من أنهم يترأسون وزارات رئيسية، بما في ذلك نائب رئيس الوزراء الذي أوکل إلی "عبد السلام حنفي الأوزبكي"، وقيادة الجيش التي أوکلت إلی "قاري فصيح الدين الطاجيكي".
وفي هذا السياق، يقول المحللون إن غياب القبائل غير البشتونية قد يشعل صدامات عرقية، ويثير مقاومةً أوزبكيةً وطاجيكيةً للسلطة الجديدة، الذين لديهم حس التعاطف والتأييد الشعبي في الدول المجاورة.
وكانت إيران قد أدانت سابقًا حركة طالبان بسبب هجومها العسكري علی وادي بنجشير، باعتباره آخر معقل للمعارضة. كما صرحت روسيا أنها لا تعترف بحكومة طالبان ما لم تكن شاملةً. طبعاً، رداً على هذه الانتقادات، قالت طالبان إن هذه الحكومة مؤقتة وستبقی حتى إجراء الانتخابات.
الموقف الأضعف للتيار المفاوض
من الجوانب المهمة الأخرى لترکيبة مجلس الوزراء، الانتخاب المفاجئ للملا حسن أخوند رئيساً للوزراء، بينما أشارت التكهنات السياسية والإعلامية إلى أن الملا عبد الغني برادر، رئيس فريق التفاوض ومن قادة طالبان المعروفين، ستكون لديه فرصة أفضل لتولي هذا المنصب.
حصل "الملا عبد الغني برادر" على لقب "الأخ" من الملا عمر. وهو من قندهار وأحد المؤسسين الأربعة الرئيسيين للجماعة، الذين أسسوا حركة طالبان عام 1994 مع الملا محمد عمر. ولد الملا بردار عام 1968 في ولاية أرزوکان، ونشأ في قندهار.
وظهر الملا عبد الغني برادر، الذي شارك في الحرب ضد القوات الروسية والأمريكية، في المرتبة الثانية في حركة طالبان بعد مقتل الملا محمد عمر عام 2013.
كان الملا برادر محتجزًا لدى المخابرات العسكرية الباكستانية(ISI) لبعض الفترة، وبعد خروجه من السجن مثَّل طالبان في المفاوضات مع الولايات المتحدة في العاصمة القطرية الدوحة، وهي المفاوضات التي أدت إلى توقيع الاتفاقية في فبراير 2020.
کما يُنظر إلى اختيار شخصية أخرى بدلاً من الملا عبد الغني، وحتى "شير محمد ستانيكزاي"(كشخصية رئيسية أخرى في المفاوضات مع الولايات المتحدة)، على أنه خطوة ناجحة من قبل الجماعات المتطرفة في طالبان لتحديد سياسات الحكومة المستقبلية.