الوقت_ ضربة قاسية ومهينة وجهتها مجموعة من الأسرى الفلسطينيين في سجن جلبوع الإسرائيليّ، عقب تمكّنهم من انتزاع حريّتهم والفرار من زنازين العدو التي تحتجز 400 أسير فلسطينيّ ومن بينهم عدد كبير من المحكومين بالمؤبد، فيما سارعت مصلحة السجون التابعة للعدو إلى ترويج رواية أن الأسرى الفارين لم يحفروا نفقاً، في محاولة للتهرب من المسؤولية والتقليل من تداعيات الحادثة التي ضجّت بها وسائل الإعلام العربيّة والعبريّة والعالميّة، بعد الإخفاق الأمني فاضح لسلطات الكيان، خاصة في هذا السجن بالتحديد، والذي يوصف بأنّه "خزنة محكمة" بسبب التحصينات وإحكام الإجراءات فيه، لمنع أي محاولة فرار من بنائه الحديث.
عمليّة خطيرة
رغم وجود حادثة سابقة مماثلة في ذات السجن ومع نفس الأسرى الذين هربوا فجر الاثنين الماضي في يونيو/ حزيران عام 2014، من خلال حفر نفق بطول 4 أمتار بحمام إحدى الزنازين (أيّ الطريقة ذاتها)، زعمت إدارة السجون أنّ الأسرى هربوا عبر خط المجاري، وقد رفعوا غطاء وضع أسفل المرحاض، واستغلوا المساحة في الزنزانة لتوسيعها والهرب عبرها، في رواية لم تقنع الشارع الإسرائيليّ حتى، لأنّ إدارة السجون الإسرائيلية تُصنف الأسرى الستة بأنّهم "بمستوى خطورة مرتفع" على الكيان.
وفي الوقت الذي اعتبرت أذرع المؤسسات الأمنيّة التابعة للعدو الحادثة "خطيرة جداً" ولها تداعيات على المنظومة الأمنيّة الصهيونيّة، أظهرت التحقيقات الأوليّة أن الأسرى الفلسطينيين الذي نفذوا عملية الهروب الصعبة، ارتدوا ملابس مدنيّة كانوا يحتفظون بها وشقوا بها طريقهم كعمال صرف صحيّ دون أيّ انتباه من الحراسة المشدّدة، في إخفاق أمنيّ كبير وتحت أنظار ضباط العدو ومخابراته.
ونفذ عملية الهروب التي وُصفت بالهوليوديّة، زكريا الزبيدي، القائد السابق في كتائب شهداء الأقصى (45 عاماً)، وخمسة من حركة "الجهاد الإسلاميّ"، وإنّ جميع المعتقلين الفارين هم من مدينة جنين، 4 منهم محكومين مؤبد، وهم محمود عارضة (46 عاماً) معتقل منذ عام 1996، ومحمد عارضة (39 عاماً) معتقل منذ عام 2002، ويعقوب قادري (49 عاماً) ومعتقل منذ عام 2003، وأيهم كمامجي (35 عاماً) معتقل منذ عام 2006، ومناضل نفيعات (32 عاماً) المعتقل مع الزبيدي منذ العام 2019.
وفي هذا الشأن، شكلت حادثة الهروب سجن جلبوع الإسرائيليّ، صدمة كبيرة للعدو الصهيونيّ، بسبب الإجراءات الأمنيّة المشدّدة التي يفرضها هناك، وباعتراف الإعلام الصهيونيّ، فإنّ منفذي عملية الهروب اخترقوا كافة الإجراءات الأمنيّة وربما تلقوا دعماً من خارج السجن لإتمام خطتهم، وقد أعلن جيش العدو استنفارا أمنيّاً بالضفة الغربيّة، وحول قطاع غزة المحاصر، وحاصر منطقة جنين، حيث يرجح أن الأسرى تمكنوا من الوصول إلى الضفة الغربيّة.
ورغم أنّ جيش العدو الغاشم دفع الملايين من الدولارات من أجل تأمين السجن وتحصينه على مدى سنوات، لكنه فشل فشلاً ذريعاً في ذلك، ففي عمليّة غريبة وفريدة من نوعها استطاع الأسرى المهددون بأرواحهم وحياتهم من الفرار بحنكة وتخطيط ممتاز، الشيء الذي أدى لاختراق الإجراءات الأمنيّة الصارمة، في تعاون كبير لتنفيذ تلك العملية التاريخيّة، حيث يعيش الأسرى الفلسطينيون داخل سجون العدو الغاشم معاناة لا مثيل لها، بدءاً من ظروف الاعتقال وليس انتهاءاً عند مسألة انعدام البيئة الصحية داخل الزنازين المكتظة بالأسرى، بالإضافة إلى الانتهاكات الجسيمة بحقهم خاصة منذ بداية انتشار فيروس كورونا المستجد.
استنفارٌ إسرائيليّ
وسط هذا الإخفاق الأمنيّ المرعب، وصف رئيس وزراء العدو، نفتالي بينيت، فرار الأسرى بأنّه "حدث خطير"، داعيّاً كافة الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة للتحرك، حيث تقرر إخلاء سجن جلبوع ونقل من فيه إلى سجون أخرى، وتخويل فرق الهندسة التابعة لقوات العدو للبحث عن أنفاق محتملة أخرى يمكن أن تستخدم في هروب مزيد من الأسرى، فيما طالب وزير الحرب الصهيونيّ، بيني غانتس، خلال مشاورات مع رئيس جهاز الأمن العام أو ما يُعرف بـ "الشاباك"، نداف أرغمان، وقادة الجيش، بالاستعداد العمليّ لتنفيذ كافة الإجراءات المطلوبة لمحاولة القبض على الأسرى.
وفي هذا السياق، استقبلت جماهير مدينة جنين الخبر بفرحة عارمة تخللها إطلاق كثيف للنار في الهواء، وانطلقت مسيرة مركبات جابت شوارع المدينة ومخيم جنين ابتهاجاً بهذا الحدث، رغم التوقعات بهجوم صهيونيّ على المدينة ومخيمها باعتبارها مسقط رأس الأسرى الفارين، وتوقع محللون أن تفرض سلطات العدو إجراءات أمنيّة مشدّدة على جميع الزنازين، إضافة لعمليات نقل وتفتيش مكثفة للأسرى وغرفهم، على مدى ساعات اليوم، فضلاً عن التشويش على إمكانيّة إجراء الاتصالات مع الخارج.
ووفقاً لمحللين فإنّ الملاحقة الميدانيّة هي المهمة الأساسيّة التي سينفذها جيش العدو بمختلف مكوناته وبالتنسيق مع الأمن التابع للسلطة الفلسطينيّة برئاسة محمود عباس، لمحاولة الوصول إلى الأسرى الفارين، إذ أنّ السلطة مجبرة حسب الاتفاقيات على المساعدة والبحث عن الأسرى في المناطق التي تخضع لسلطتيها الإدارية والأمنيّة، مع توحيد الجهود بين إدارة السجون والجيش والشاباك إضافة إلى الوحدات العاملة على الأرض، بعد الفضيحة الأمنيّة المدويّة.
خلاصة القول، أحرجت حادثة هروب الأسرى الفلسطينيين واختراق التحصينات الأمنيّة في سجن جلبوع، الكيان الإرهابيّ وأثبتت بالدليل القاطع زيف ترهاته وأكاذيبه التي ينشرها عبر وسائل إعلامه، لإظهار نفسه في صورة "العدو الذي لا يقهر" على كافة المستويات، لكن ومع أبسط المواقف نجد أنّ كل تل الأوهام تتهاوى والدليل الاستنفار العسكريّ والأمنيّ الذي يٌظهر حجم القلق والرعب الذي يعيشه الكيان من الداخل بسبب فرار بعض المقاومين، والشيء الذي يجب أن يدركه العدو القاتل هو مدى إصرار وتصميم الفلسطينيين على انتزاع حقوقهم مهما اشتدّت الظروف وطال الزمن.