الوقت- مجدداً، عادت قناة الجزيرة القطريّة التابعة للنظام الإخوانيّ في قطر للبث من مصر لأول مرة منذ غلق مكاتبها في العاصمة المصريّة القاهرة ومنع العاملين من أداء مهمتهم، وحظر نشاطهم، وتعرض بعضهم للسجن والمضايقات، بسبب اتهامات كثيرة للدوحة بينها اتباع سياسة راعية للإرهاب والتحريض في المنطقة بما يوازي المصالح الإخوانيّة، وقد قامت العديد من الدول العربيّة والأجنبية بإغلاق ومداهمة مكاتب قنوات الجزيرة وسحب تراخيص العمل لمراسليها وموظفيها، نتيجة لمنهج الجزيرة العدوانيّ والمتحيز إضافة لما تبثه من أخبار كاذبة عن بعض الدول لزعزعة استقرارها، دون أدنى تغطية للمشكلات الداخليّة في قطر والدول الداعمة والمتحالفة معها، فيما تندد الجزيرة بإغلاق مكاتبها وتصف تلك الإجراءات بأنّها تهدف إلى كبح وقمع حرية القناة ومراسليها في نقل الأحداث.
تطورٌ إيجابيّ
بعد أن أمرت السلطات المصرية في وقت سابق، بوقف عمليات الجزيرة ومراسليها في مصر والغاء كل التراخيص وسحب البطاقات الممنوحة لجميع العاملين بها، أطلت مؤخراً مراسلة القناة من فلسطين، شيرين أبو عاقلة، على الشاشة في بث مباشر من القاهرة، وغطت الأحداث الجارية، وتابعت من العاصمة المصرية تفاصيل زيارة وزير الخارجية الجزائريّ للبلاد، والذي يحاول تقريب وجهات النظر بين أطراف أزمة "سد النهضة" الإثيوبيّ، وتحدثت مصادر من المقر الرئيس لشبكة الجزيرة أنّ أبو عاقلة استدعيت قبل فترة إلى العاصمة القطرية حيث مكثت فترة استعداداً لمغادرتها إلى مصر، وانتظار استكمال الموافقات اللازمة للعمل هناك.
وتشهد العلاقات القطرية – المصرية ما يمكن أن يسمى "تطوراً إيجابياً" مؤخراً، على ضوء "المصالحة الخليجية" التي تمت في قمة العُلا في السعودية مطلع العام الجاري، والتي أدت إلى عودة المياه إلى مجاريها بشكل إعلاميّ مع النظام الإخوانيّ في قطر وإعادة الدوحة إلى الحضن الخليجيّ، وقد رافق ذلك مزاعم تحدثت بأنّ صفحة الخلافات قد طويت عقب عودة العلاقات بعد مقاطعة دامت لسنوات، بسبب اتهامات بدعم قطر للإرهاب.
ورغم أن تلك المصالحة أخذت بعداً إعلاميّاً أكثر من كونه سياسيّاً، بعد تخفيف حدة التوتر في "مصالحة إقليميّة" واسعة النطاق، عينت الدوحة أول سفير لها في القاهرة منذ 2014، وتعمدت تعيين سالم بن مبارك آل شافي، سفيراً فوق العادة، مفوضاً لدى الجمهورية المصرية، وتتحدث تقارير إعلاميّة أنّه من الدبلوماسيين القطريين المخضرمين، وترك بصمات واضحة في العاصمة التركية أنقرة، حيث عمل سفيراً هناك لمدة 8 سنوات، وكان أحد دعائم الدبلوماسية القطريّة في تعزيز علاقاتها الاستراتيجيّة مع النظام الإخوانيّ في تركيا.
يُشار إلى أنّ قوات الأمن المصرية داهمت في آب 2013، مكتب قناة الجزيرة الإخباريّة بالعاصمة المصرية، واعتقلت عدداً من المراسلين، والعاملين، بعد بيان الجيش بعزل الرئيس الراحل، محمد مرسي، ثم حظرت السلطات عمل الجزيرة "مباشر مصر" واتهمتها بنشر الأكاذيب والإشاعات وتهديد الأمن القوميّ المصريّ، حيث كانت القناة تنقل أخبار الاحتجاجات المناهضة للنظام التي يقوم بها أنصار جماعة "الإخوان المسلمين" التي تعتبرها الحكومة المصرية الحالية "جماعة إرهابية"، أما في الفترة الأخيرة فقد أجرى وزير الخارجية المصريّ، سامح شكري، حواراً مع فضائية الجزيرة، بعد إطاحته بميكرفون الجزيرة في السابق، ما يوحي بتحسن العلاقة بين البلدين وفقاً لمصالحهما، حيث إنّ قناة الجزيرة كانت تعتبر بوقاً للنظام الإخوانيّ القطريّ لمهاجمة مصر.
علاقة القناة بالنظام الحاكم؟
مع إنشاء قناة الجزيرة الفضائيّة خصصت الحكومة القطريّة دعماً مالياً سخياً لما بلغ حوالي 500 مليون ريال قطري أي ما يعادل حينها 140 مليون دولار أمريكي وذلك كتمويل للقناة على مدار5 سنوات، شريطة أن تحقق بعد السنوات الخمس استقلالها المادي من الإعلانات التي تقوم ببثها، وهذا بالطبع لم يحدث، ومنذ تأسيسها تقوم الحكومة القطرية بتغطية الموازنة الكبيرة للقناة وتمويلها.
وبخصوص ملكية القناة فهي قناة قطرية تعمل وفقاً لمنهج الحكومة القطرية وسياستها داخليّاً وخارجيّاً ولكنها تتمتع باستقلالية وحرية إعلامية تفوق بدرجات كبيرة جداً الإعلام المحليّ القطري أو إعلام الدولة، ولكن تبقى هذه الاستقلالية والحرية الإعلامية غير كاملة أو مطلقة، والدليل على ذلك عدم مقدرة القناة على نقد نظام الحكم في البلاد أو الأوضاع الداخليّة القطرية أو السياسة الخارجية أسوة ببقية الدول العربية التي تتعرض للنقد اللاذع في أحيان كثيرة من قبل القناة التي تدعي "حرية التعبير".
وبما أنّ قناة الجزيرة تابعة لنظام آل ثاني الحاكم في قطر، عادة ما تشن حروب الدوحة الإعلاميّة ضد الدول والشعوب، خدمة للمشروع الإخوانيّ الهدام في المنطقة، رغم الجراح النازفة والأوضاع المأساويّة التي حولت حياة الناس في تلك الدول إلى جحيم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وباعتبار أنّها أول قناة فضائية عربيّة متخصصة في مجال الأخبار وبدأت بثها من العاصمة القطرية منذ العام 1996بإمكانيات تكنولوجيّة وبشريّة رفيعة، فهي تعرف بالضبط "من أين تؤكل الكتف" كما يقول المثل العربيّ، وتحت شعار "الرأي والرأي الآخر" تبث القناة الممولة من النظام القطريّ سمومها وأحقادها أينما يمّمنا الخُطى في المنطقة، وبالأخص ضد الدول المعادية لسياستها التخريبيّة.
وفي هذا الخصوص، تعد نفقات الجزيرة مرتفعة جداً إذا قورنت مع نفقات أي فضائيّة إخباريّة أخرى في العالم العربيّ، حيث تقدم عدة برامج سياسيّة حوارية وتقارير متعددة، معتمدة في ذلك على شبكة واسعة من المراسلين عبر العالم، ويتم عرض هذه البرامج مباشرة أو مسجلة، وتبحث في قضايا سياسية واجتماعية ودينية في الوطن العربيّ وخارجه.
بالمقابل، تحظى برامج المناظرات التلفزيونية للقناة بشعبية كبيرة لدى الجمهور لأنها تركز على الموضوعات والقضايا التي تهم قطاعات واسعة من المشاهدين وتعمل على زيادة خبراتهم ومعرفتهم بالأحداث والقضايا التي تشغل الرأي العام من خلال إبراز الجوانب العاطفيّة والعقائديّة والنزاع والجدال بين أطرافها، وبالرغم من هذه الشعبية تتعرض هذه البرامج للانتقاد الشديد بسبب اعتمادها على فكرة الاستعراض التي تطغى على النقاش الحقيقيّ للقضية المثارة إذ يتم فيها استضافة شخصيات استعراضية تعمل على إنجاح (العرض) على حساب المضمون ولهذا فأن الأوفر حظا للظهور في هذه البرامج هم أصحاب الآراء الصارمة والمتطرفة أما اصحاب الآراء الوسطية فيعدون مملين وغير مثيرين.
كما أنّ برامج الجزيرة وتغطياتها الإخباريّة تعتمد على المقدم النجم الذي يحاول فرض قناعاته مخالفة لمبادئ المهنية الإعلاميّة والانحياز إلى وجهة نظر معينة وتجييش الضيوف الذين يعبرون عنها للتأثير في قناعات الرأي العام، وتنتج هذه البرامج من قبل النظام القطريّ لتفتيت التوافق الاجتماعيّ وإحداث شرخ كبير في بعض الدول العربيّة تماشيّاً مع مصالح الدوحة في المنطقة، مع تعام فاضح عن المصائب التي يقوم بها النظام القطريّ في العالم العربيّ خدمة لمشروع "الإخوان المسلمين" الذي تؤيده وتدعمه تركيا.