الوقت- الإعلان عن الانسحاب الكامل والرسمي للقوات الأمريكية من أفغانستان في 11 سبتمبر 2021، إضافة إلى تأثيره علی المشهد الداخلي، الذي أدى إلى صعود طالبان وهجماتها الشرسة للسيطرة على مدن مختلفة، مهم للغاية للجهات الفاعلة الأخرى علی المسرح الدولي أيضًا.
تاريخياً، كانت التطورات في أفغانستان ذات أهمية قصوى للعديد من جيرانها. وقد رأينا في بعض الفترات أن هذا البلد كان محور اهتمام القوى العظمى على مستوى النظام الدولي، وهو ما يمكن رؤيته خلال الغزو السوفيتي للبلاد في عام 1987، والغزو الأمريكي في عام 2001.
وإضافة إلى القوى العالمية، فإن التطورات في أفغانستان مهمة للغاية لجيرانها مثل باكستان وإيران والهند وحتى الصين.
لكن إضافة إلى الدول المجاورة لأفغانستان، هناك منطقة أخرى تشعر بقلق شديد وتتأثر بالتطورات الناتجة عن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والمعادلات المقبلة في هذا البلد، وهي دول منطقة آسيا الوسطى.
وهکذا، فإن السؤال المهم الآن هو، كيف يمكن أن يؤثر الانسحاب الأمريكي من أفغانستان على دول آسيا الوسطى ويغير المعادلات السياسية والأمنية في هذه المنطقة؟
الخوف من نفوذ الإرهاب التكفيري في منطقة آسيا الوسطى
لا شك أن أهم قلق لدول آسيا الوسطى في الوقت الحالي بشأن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان يمكن اعتباره الخوف من تأثير الإرهاب التكفيري في آسيا الوسطى.
ومع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، كما يتضح، ستهيمن الجماعات التكفيرية والمتطرفة، بما في ذلك القاعدة وداعش، على أفغانستان، وقد تكون إمكانية إنشاء ولاية إسلامية أهم تهديد للدول الموجودة في منطقة آسيا الوسطى.
والواقع أن الشغل الشاغل لدول آسيا الوسطى هو عودة ظهور الإرهاب في أفغانستان، وانتقال التطرف إلى جيران أفغانستان الشماليين. إذ تشعر هذه البلدان بقلق عميق من أنه مع انسحاب القوات الأجنبية، ستستعيد حركة طالبان والجماعات الإرهابية الأخرى قوتها، وتعود جماعات تهريب المخدرات المقموعة من جديد.
الدول الإسلامية في آسيا الوسطى لها إمكانات كبيرة لنمو وانتشار التطرف، وبسبب القواسم الثقافية المشتركة مع أفغانستان ووجود أسس لنمو التطرف في بعض دول آسيا الوسطى، فإن احتمال تسلل الإرهاب من أفغانستان مرتفع للغاية.
جهود الولايات المتحدة لنشر قوات في آسيا الوسطى
في الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر 2001، هناك أدلة على أن واشنطن تنوي نشر قواتها وتعزيز قاعدتها العسكرية في آسيا الوسطى. ويمكن رؤية مثال واضح لهذا الاتجاه خلال زيارة زلماي خليل زاد، المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان، إلى أوزبكستان وطاجيكستان.
خلال زيارة رسمية إلى طشقند في 2 مايو 2021، التقى خليل زاد بوزير الخارجية الأوزبكي عبد العزيز كاملوف. ثم سافر إلى كابول في 3 مايو 2021، وفي 4 مايو 2021 التقى بالرئيس الطاجيكي "إمام علي رحمن" في دوشانبي عاصمة طاجيكستان.
والآن، أثارت زيارات المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان، والتي تزامنت مع انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، الشكوك بأن واشنطن قد وضعت على جدول أعمالها استراتيجية إنشاء قواعد عسكرية في آسيا الوسطى، بعد تقليص وجودها العسكري في أفغانستان.
کما كانت هناك تقارير مؤخرًا عن قرار أمريكي لبناء منشأة عسكرية بقيمة 240 مليون دولار في آسيا الوسطى، بما في ذلك تركمانستان. وفي الأيام الأخيرة أيضًا، أفادت بعض وسائل الإعلام الأفغانية بأن الولايات المتحدة تبني قاعدة عسكرية في منطقة "شالوزان" و"ترمينال" بالقرب من الحدود الباكستانية الأفغانية في مناطق "كُرَم" القبلية الباكستانية.
بشكل عام، يمكن القول إن الولايات المتحدة استخدمت دائمًا الأمن ومكافحة الإرهاب كأداة للتأثير الجيوسياسي وتحقيق مصالحها، في السنوات التي أعقبت نهاية الحرب الباردة(1991).
وفي العقدين الماضيين أيضًا، حققت الولايات المتحدة وجوداً عسكرياً كبيراً في أفغانستان بحجة مواجهة الجماعات الإرهابية وتثبيت الاستقرار فيها، وهو ما لم يتحقق بالطبع. لكن في الوضع الجديد، يبدو أن إدارة بايدن تتبع السياسة الأمريكية القديمة نفسها لتوسيع نفوذها في آسيا الوسطى، أي التذرُّع بمواجهة التهديد الذي يشكله الإرهاب.
وحقيقة الأمر هي أن محاولة الولايات المتحدة سحب قواتها من أفغانستان والتسلل إلى آسيا الوسطى مرتبطة باحتواء القوى المتنافسة، أي الصين وروسيا.
في الظروف الجديدة، تركز استراتيجية الولايات المتحدة المركزية في النظام الدولي في شكل سياسة التحوُّل شرقًا، على احتواء الصين. من وجهة نظر الأمريكيين، تنوي بكين، باستثماراتها الضخمة في مشروع "حزام واحد طريق واحد"، الذي يقع معظمه في دول آسيا الوسطى، تجاوز الأمريكيين لتحديد نظام التجارة العالمي الجديد في العالم.
ولذلك، يبدو أن الأمريكيين بحاجة إلى إنشاء قواعد عسكرية في دول آسيا الوسطى من أجل منع تطور النفوذ الاقتصادي والسياسي للصين.
وفي هذا الصدد، نرى أن المسؤولين السياسيين الروس قلقون للغاية الآن من تحوُّل انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان إلی ظاهرة نقل القوات والقواعد العسكرية الأمريكية إلى آسيا الوسطى.
بل أكثر من ذلك، يرى العديد من المراقبين السياسيين أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، هو سيناريو محدد مسبقًا للتواجد في آسيا الوسطى والمعادلات الإقليمية.
أساس هذه الفرضية هو أنه بانسحابها من أفغانستان، فتحت الولايات المتحدة الطريق أمام طالبان للصعود والوصول إلى السلطة. هذا في وقت تنتهك فيه حركة طالبان بوضوح ما تسمى اتفاقية الدوحة للسلام، وتسعی للسيطرة علی أفغانستان برمتها.