الوقت- عقب الدعوات المكثفة التي صدرت عن قوى سياسية ونقابيّة متعددة في السودان، للخروج في مظاهرات، للمطالبة بإسقاط الحكومة السودانيّة احتجاجاً على الأوضاع الاقتصاديّة المترديّة، تظاهر مئات المحتجين السودانيين في العاصمة السودانية الخرطوم، الأربعاء الفائت، لإسقاط حكومة حمدوك وتصحيح مسار ثورة 19 ديسمبر/كانون الأول عام 2018، فيما تدخلت قوات الأمن لمنع المحتجين من الوصول إلى القصر الرئاسيّ، وقد أثبت الشعب السودانيّ مراراً أنّه لا يمكن أن يخنع لإمرة حكومتهم التي خانت قضيّة فلسطين رغم الرفض الشعبيّ للتطبيع مع عدو العرب والمسلمين الأخطر، في الوقت الذي يعيش فيه السودانيون أسوأ وضع اقتصاديّ نتيجة الفشل الحكوميّ في تحقيق مطالب ثورتهم.
إنّ إعلان الشرطة السودانيّة إضرابها العام عن العمل احتجاجاً على أوضاعها الاقتصاديّة الكارثيّة، بالتزامن مع التظاهرات الشعبيّة الاحتجاجيّة، مرده إلى فشل رئيس الوزراء السودانيّ عبد الله حمدوك، في تنفيذ مزاعمه حول أنّ الحكومة ستفي بمطالب الثورة السودانيّة، مع إصرار حكومة الخرطوم على معارضة النسق الفكريّ والعقائديّ والمستقبليّ لشعبها، الشيء الذي يُهدد استقرار البلاد ويرفع من احتماليّة جرها إلى نفق من العنف والتخريب.
وفي ظل العطلة الرسميّة للدوائر الحكومية في السودان والتي أعلنها والي الخرطوم الأربعاء المنصرم، أصدرت الولايات المتحدة تعميماً لمواطنيها بعدم السفر إلى العاصمة السودانيّة بسبب تردي الأوضاع الأمنيّة، فيما نفذت الحكومة السودانيّة حملة اعتقالات لأنصار وقادة النظام السابق، بتهم التخطيط للتخريب من خلال تظاهرات الثلاثين من يونيو/ حزيران، فيما تتركز مطالب المحتجين السابقة والحالية على الوضع الاقتصاديّ المتفاقم ومحاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين أثناء الثورة، ولا سيما خلال فض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش في يونيو/حزيران 2019، إضافة إلى رفض التطبيع مع الكيان الصهيونيّ الغاصب.
وفي الوقت الذي أعادت فيه تلك الاحتجاجات بريق الرفض الشعبيّ السودانيّ لحكومته العميلة، وذكرتنا بالمظاهرات التي خرجت في ليلة الإعلان المشؤوم عن إعلان اتفاق العار بين تل أبيب والخرطوم، ذكرت وسائل إعلام سودانيّة، أنّ قوات الأمن الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين قرب محطة سكة الحديد وسط الخرطوم، بعد أن كانوا في طريقهم إلى القصر الرئاسيّ للانضمام إلى تظاهرات تطالب بإسقاط حكومة عبد الله حمدوك، تلبية لدعوات تنفيذ أهداف الثورة وتصحيح مسارها.
يشار إلى أنّ الاحتجاجات الشعبية في السودان اندلعت في مثل 19 ديسمبر/كانون الأول عام 2018، تنديداً بتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث قامت قيادة الجيش السودانيّ بعزل عمر البشير من الرئاسة في 11 أبريل/نيسان، وتتحدث تحليلات سياسيّة وتقارير إعلاميّة أنّ الحكومة السودانيّة الحاليّة ستدفع ثمن خداع وغدر الشعب السودانيّ المنهك اقتصاديّاً، حيث أثبتت أنّها لا تملك أيّ تفويض لاتخاذ القرار أيّ قرار سوى التطبيع مع العدو الصهيونيّ في خطيئة يجمع السودانيون على رفضها، ما خلق حالة من الغضب العارم في الأوساط السودانيّة، وأفقدهم الثقة كليّاً بحكومتهم العميلة والفاسدة.
وما ينبغي ذكره أنّ الإدارة الأمريكيّة السابقة استغلت قضيّة التطبيع الذي قُدّم كإنجازٍ لدونالد ترامب بعد اتفاق التطبيع الإماراتيّ - البحرينيّ مع العدو الصهيوني، رغم تحذيرات وكالة المخابرات المركزيّة ووزارة الخارجيّة الأمريكيّة، حول أنّ السودان ليس ناضجاً بعد للإعلان عن تطبيعٍ علاقاته مع تل أبيب وأنّه من غير الصحيح فرض هذا الموضوع على الخرطوم، ومنذ توقيع اتفاق الخيانة تواجه الحكومة السودانيّة ضغوطاً داخليّة شديدة، يُخشى من انعكاس نتائجها على الشارع السودانيّ، بسبب رفض الطبقة المثقفة السودانيّة لأيّ علاقات مع العدو الغاصب باعتبارها "خيانة وطنيّة",
ويحمل البعض رئيس ما يسمى "مجلس السيادة الانتقاليّ السودانيّ"، عبد الفتاح برهان، مسؤوليّة تدهور الأوضاع في البلاد، ويستندون في ذلك إلى الشروط الأمريكيّة – الإسرائيليّة التي رافقت رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأمريكيّة، حيث يعتبرون أنّها تثقل كاهل السودان وهي عبارة عن 47 شرطاً، من ضمنها دفع ما يصل إلى 850 مليون دولار أمريكيّ لضحايا الهجمات الإرهابيّة.
إذن، من الطبيعيّ أنّ تغرق الحكومة السودانيّة التي تهدد وحدة البلاد واستقرارها في شر أعمالها وادعاءاتها، والشارع السودانيّ سيكون أكبر شاهد على ذلك، خاصة أنّ صبر السودانيين قد نفذ بسبب تدهور الأوضاع المعيشيّة التي أصبحت أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل الإطاحة بالنظام السابق، فالتضخم وصل أرقاما فلكيّة غير معقولة، كما أنّهم يعتبرون التطبيع مع أكثر الكيانات إجراماً في العالم، محض صفقة مذلة معزولة تمت في الظلام، وتم استدراج السودان لها رغم أنفه، وأنّ القضية الفلسطينيّة عادلة لشعب احتلت أرضه وانتهكت مقدساته، وأنّ حقوق الشعب الفلسطينيّ ظلت محل إجماع الشعوب الحرة والشرائع الإنسانيّة كافة، إضافة إلى أنّ التطبيع مع الكيان الصهيونيّ يحقق خسارة كبرى للسودان ونصراً معنويّاً وسياسيّاً لكيان محتل ظالم، وخذلاناً قاسياً للشعب الفلسطينيّ المظلوم.