الوقت_ تؤكّد الوقائع يوماً بعد آخر مدى استخفاف الولايات المتحدة بقضايا الشعب العربيّ والفلسطينيّ، وبالدول التي أدخلتها الإدارة الأمريكيّة في حظيرة التطبيع مع أشدّ الكيانات إجراماً وعنصريّة في العالم تحت ذرائع واهية، حيث قدّم 55 عضواً من الحزبين الجمهوريّ والديمقراطيّ في مجلس النواب الأميركيّ مشروع قانون، يمنع التمويل الدوليّ لحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلاميّ”، إضافة لفرض عقوبات ماليّة على الشركات التابعة لهما والأشخاص والوكالات والحكومات التي تساعدهما، ولم يثر هذا القرار استغراباً في الشارع العربيّ، الذي لم يعتد على بشائر الخير من الولايات المتحدة الداعم الأول للكيان الصهيونيّ المجرم والمدافع الأكبر عن مصالحه الخبيثة في المنطقة.
لذلك لم تخب التوقعات يوماً بأمريكا وإداراتها المتعاقبة التي يمكن أن تتخلى عن ولاية أمريكيّة ولا يمكن أن تتخلى عن الدعم اللامتناهي للصهاينة المحتلين للأراضي العربيّة، على حساب الحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ، رغم علمها اليقينيّ أنّ الاحتلال قائم على الإرهاب المنظم والاحتلال السرطانيّ والعدوان الهمجيّ والكراهية الراسخة والدائمة في المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكيّة والغربيّة، ويفصل شرق الوطن العربيّ عن مغربه.
والدليل على ذلك، ما ذكره نائب رئيس اللجنة الفرعية للخدمات المالية في مجلس النواب الأمريكيّ للأمن القوميّ، جوش غوتهايمر، ، لصحيفة “جيروزالم بوست” الصهيونيّة الجمعة المنصرم، حيث أوضح أنّه "من المهم أن تستمر الولايات المتحدة وحلفاؤها في عزل جماعات مثل حماس والجهاد الإسلاميّ في فلسطين عن طريق عزل مصادرها الماليّة"، وفي حال مُرر مشروع القانون، فسيطلب من الرئيس الأميركي، جو بايدن، تقديم تقرير سنويّ إلى الكونغرس يحدد فيه الجهات التي يعتبرونها متورطة في تمويل حركتي المقاومة، وبالتالي فرض عقوبات على الحركتين، بما في ذلك مصادرة ممتلكات موجودة داخل الولايات المتحدة وإلغاء ضمانات التصدير والاستيراد، وحرمان تصدير السلع أو التكنولوجيا الخاضعة للرقابة لأسباب تتعلق بالأمن القوميّ، ورفض منح قروض تزيد قيمتها على 10 ملايين دولار.
كذلك، سيُطلب من الرئيس الأميركي إبلاغ الكونغرس عن كل حكومة أن تقدم دعماً للمقاومة أو دعماً مادياً للجماعات المحظورة، أو أي حكومة يقرر الرئيس أنها انخرطت في صفقة مهمة لتقديم الدعم عن علم لحركتي حماس و الجهاد الإسلامي أو أي منظمة تابعة لهما أو تساندهما، مع تعليق المساعدة الأميركية لتلك الحكومة لمدة عام واحد، وسيتعين على بايدن أن يوجه المديرين التنفيذيين لكل مؤسسة ماليّة دوليّة لرفض منح القروض أو المساعدة الفنية لتلك الحكومة وحظر تصدير أيّ ذخيرة لها، ومنع أي معاملات للحكومة المفروض عليها عقوبات في البورصات الأجنبيّة التي تخضع للاختصاص القضائيّ لواشنطن.
ويأتي مشروع القرار الجديد ضمن إطار مساندة واشنطن لطفلها المُدلل في المنطقة، باعتبار أنّ الكيان الصهيونيّ المعتدي يمثل المعسكر الغربيّ والأمريكيّ في المنطقة، والحامي لمصالحه في الشرق الأوسط، وما من أحد يجهل حجم الدعم العسكريّ والسياسيّ والاقتصاديّ الذي يتلقاه العدو المُستبد من الإدارات الأمريكيّة منذ نشأة الدولة المزعومة في 14 أيار 1948 بعد انتهاء الانتداب البريطانيّ على فلسطين.
وعندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية والعدو الإرهابيّ، تدفع واشنطن للدفاع الدائم عن مصالح الكيان الصهيونيّ، حتى في أشد لحظات الخلاف بين واشنطن وتل أبيب، حيث إنّ الولايات المتحدة بقياداتها المتعاقبة لم تتجاوز "الخطوط الحمراء" أبداً، في رعاية المصالح الصهيونيّة على حساب العرب وتحديداً السوريين واللبنانيين والفلسطينيين أصحاب الأراضي العربية التي يحتلها العدو الغاشم.
ويؤكد المشروع الأمريكيّ بما لا يحمل مجالاً للشك أنّ الإدارة الأمريكيّة الحالية لجو بايدن، تتبع نفس النهج الذي من شأنه أن يمنع الولايات المتحدة من تقديم نفسها كطرف محايد ووسيط نزيه لـ "السلام"، بينما تساعد الاحتلال الصهيونيّ بكل ما أوتيت من قوة على تحقيق أهدافه الاستراتيجيّة المرتبطة بمصالح واشنطن على حساب الشعب الفلسطينيّ والعربيّ، وبينما يتجاهل الجمهوريون حقوق الفلسطينيين وحتى وجودهم أحياناً، فإنّ الديمقراطيين الذين يواصلون دعم الكيان الصهيونيّ بنفس القدر يستخدمون لغة أكثر اعتدالاً تجنبا لإثارة الجدل، رغم أنّهم يعتبرون أصحاب الأرض في فلسطين محرِّضين على العنف، بالتزامن مع قيام قوات الاحتلال الصهيونيّ المجرم بارتكاب أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين وقد شاهدنا ذلك مؤخراً.
وبالتزامن مع التزام أمريكا بتسليح كيان الاحتلال الصهيونيّ والدفاع عنه، يُحاصر الفلسطينيون لمحاولة إحداث تغيير جوهريّ في هذه القضيّة، من خلال صياغة قوانين على مقاس المجرم، في تخلٍ فاضح عن الشرعيّة الدوليّة وحقوق الشعوب باعتبارها مسائل غير هامة مقارنة برغبات العدو الصهيونيّ الذي يُغيب القرارات الدوليّة بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحته للدم الفلسطينيّ والعربيّ وخرقه الفاضح لكل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان، إضافة إلى مخطط الضم امتداداً لعملية التوسع على حساب الأرض والحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ الأعزل، في إصرار واضح من حكومة العدو وداعمييها على قتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض وبالأخص الولايات المتحدة صاحبة المعايير المزدوجة.
وما ينبغي ذكره، أنّ ألمانيا، حظرت مؤخراً استخدام أعلام ورموز حركة المقاومة الفلسطينيّة “حماس” على أراضيها، فيما أقر البرلمان الفيدراليّ سلسلة تعديلات قانونيّة بأصوات ائتلاف حزبيّ “الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي” (CDU / CSU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) التي تشكل الحكومة الائتلافية في ألمانيا، ومن بين التعديلات التي مررها البرلمان، حظر استخدام أعلام ورموز “حماس” على الأراضي الألمانية.
ويشار إلى أنّ الأوضاع تفجرت في الأراضي الفلسطينية في 13 من أبريل/ نيسان المنصرم، جراء الاعتداءات الوحشيّة الإسرائيلية على سكان ومدينة القدس المحتلة، خاصة المسجد الأقصى وحي “الشيخ جراح”، في محاولة لإخلاء 12 منزلاً فلسطينيّاً وتسليمها لمستوطنين، ثم انتقل التوتر إلى الضفة الغربيّة، وتحول إلى مواجهة عسكريّة في قطاع غزة، وأسفر عدوان الصهاينة عن 287 شهيداً، بينهم 69 طفلا و40 امرأة و17 مسناً، بجانب أكثر من 8900 مصاب بينهم 90 إصاباتهم شديدة الخطورة، وردت المقاومة الفلسطينية بإطلاق الصواريخ التي وصلت إلى تل أبيب وأخفق نظام القبة الحديدية الإسرائيلي في التصدي لها، وقد بدأ سريان وقف إطلاق نار بين فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة وتل أبيب قبل أسبوع، بعد 11 يوماً من غاراتها العنيفة على القطاع ورد الفصائل بإطلاق صواريخ على مناطق يحتلها العدو.
في النهاية، إنّ قانون الولايات المتحدة يُصاغ حسب مصالح الصهاينة المحتلين وحفاظاً على "أمن الدولة المزعومة"، لاستيعاب المصالح الاستراتيجيّة والتفوق العسكريّ النوعيّ للكيان الغاصب في الشرق الأوسط، ولا تكف واشنطن عن تكرار أنّ الكيان الصهيونيّ هو الحليف الاستراتيجيّ الوحيد والأهم في المنطقة، وأنّ الحفاظ على تفوقه العسكريّ في المنطقة هو "حجر الزاوية" في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، وإنّ القرار الأخير يأتي ضمن هذا الهدف بعد أن صُدم العدو من هول ضربات المقاومة في العدوان الأخير.