الوقت_ في ظل العلاقات التي توصف بالوثيقة والمستمرة بين ألمانيا والكيان الصهيونيّ العنصريّ، وعقب التحيز الألمانيّ الفاضح لتل أبيب في عدوانها الغاشم على قطاع غزة المحاصر، والذي راح ضحيته مئات الشهداء (نصفهم من الأطفال والنساء) وآلاف الجرحى مع دمار هائل في البنية التحتيّة، توصلت أحزاب الائتلاف الحكوميّ في ألمانيا، والمكونة من حزبي الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطيّ، إلى اتفاق لحظر راية حركة المقاومة الإسلاميّة “حماس” الفلسطينيّة، بدعوى أنها “منظمة إرهابية"، فيما زعمت صحيفة “Welt” الألمانيّة، أنّ الائتلاف الحكوميّ استند في مشروع القرار إلى المادة (86) من القانون الألمانيّ الذي يحظر أنشطة المكونات التي تعارض الدستور الألمانيّ، ومن المقرر أن يتم إرسال مشروع القانون إلى المجلس الاتحادي (الهيئة التشريعيّة التي تمثل الولايات الستة عشر لألمانيا)، الأسبوع المقبل، للتصويت عليه، في دعم واضح لكيان الاحتلال رغم جرائمه المتصاعدة بحق الفلسطينيين -أصحاب الأرض والمقدسات-، وإهمالٍ فاضح لكل دعوات التحقيق في جنايات العدو الصهيونيّ.
لا شك أنّ الكيان المجرم الذي تربطه ببرلين علاقات جيدة ضغط عليها لتنفيذ ذلك القرار بعد أنّ أصبح العدو منزعجاً بشدة من دخول حماس بقوة في معترك السياسة، في ظل الشعبيّة الكبيرة التي تحظى بها الحركة، وخاصة أنّها استطاعت الانتصار على الكيان الإرهابيّ في عدة حروب، وخاصة أنّ غزة الواقعة تحت سيطرتها انتصرت مؤخراً بشعبها العظيم ومقاومتها، وأذلت حماس ناصية العدو الصهيونيّ المعتدي الذي أثقب مسامعنا بأنّه "لا يقهر"، ورغم كل الحصار الذي يفرضه الكيان الوحشيّ على قطاع غزة، لم يتمكن من إرضاخ القطاع ولا المقاومين داخله.
ومع بروز حماس في الفترة الأخيرة كحركة مقاومة قويّة في ظل الضعف والانهيار الذي أصاب السلطة الفلسطينيّة وزعامتها، ذكرت صحيفة فيلت أم زونتاغ، أن "أعضاء التحالف الحكوميّ في برلين اتفقوا على حظر راية حركة حماس"، وذلك بسبب تصاعد شعبية الحركة داخليّاً وخارجيّاً، لأنّ حماس وجناحها العسكريّ "كتائب القسام" شكلا بالفعل رأس الحربة في معركة الدفاع عن غزة وفلسطين وإذلال العدو الغاصب، ورغم مشاركة بقية قوى وفصائل المقاومة الفلسطينيّة في صناعة الإنجاز الفلسطينيّ الكبير، لكن في الواقع تبقى حماس الفصيل الفلسطينيّ الأكبر والأكثر تسليحاً وتنظيماً، والذي قاد مواجهات شرسة مع الكيان المستبد بكل قوة وحكمة واقتدار.
وإنّ انتصارات حماس التاريخيّة الكبيرة مع المقاومة والشعب الفلسطينيّ لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة أبناء فلسطين والأحرار في العالم، حتى وإن مُنعوا من رفع أعلام الحركة في ألمانيا التي اختارت الوقوف في صف الكيان القاتل الذي تؤرقه أعلام المقاومين حتى، ويزعم موقع "دويتشه فيله" الألمانيّ أنّ الخطوة الألمانيّة جاءت بعد “أحداث معادية لليهود” وقعت الشهر المنصرم في البلاد خلال مظاهرات مناهضة لإسرائيل إبان العدوان البربريّ على قطاع غزة.
وبالتزامن مع القلق الصهيونيّ العارم من حركة المقاومة الإسلاميّة التي تشكل رعباً حقيقيّاً لتل أبيب التي ترى في حماس "العدو اللدود"، نقل الموقع الألمانيّ عن نائب رئيس الكتلة المسيحية (حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي الديموقراطي البافاري)، تورستن فراي قوله: “لا نريد رفع أعلام منظمات إرهابيّة فوق الأراضي الألمانيّة"، مضيفاً إنّ ما أسماها "دولة القانون" يجب أن ترد بسرعة وحزم على المظاهرات الأخيرة المعادية للسامية (اليهود) التي شهدتها شوارع العديد من المدن الألمانية خلال العدوان الوحشي الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر.
يشار إلى أنّ هذه السابقة ليست الأولى من نوعها، إذ أعلنت وزارة الداخلية الألمانيّة، في نيسان 2020، حظر راية حركة المقاومة اللبنانيّة "حزب الله"، وصنفتها أيضاً على أنها “منظمة إرهابيّة"، وبموجب ذلك القرار، أصبح إظهار أي دعم علنيّ لحزب الله بما في ذلك التلويح بعلم الحركة مخالفاً للقانون، في الوقت الذي تصنف فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوربيّ حركتي حزب الله وحماس على أنهما “منظمة إرهابية"، في ظل تعامٍ قذر من تلك الدول عن جرائم الكيان الصهيونيّ -السرطان الذي زُرع لفصل شرق الوطن العربيّ عن مغربه وتنفيذ المصالح الأمريكيّة والغربيّة-، دون رقيب أو عتيد بسبب فشل الحكومات العربيّة والدوليّة في محاسبته على جرائمه العنصريّة البشعة بحق أصحاب الأرض، والتي لم ينج منها الأطفال ولا الشيوخ ولا النساء ولا الأسرى ولا المرضى حتى.
ومن الجدير بالذكر أنّ الأوضاع تفجرت في الأراضي الفلسطينية في 13 من نيسان المنصرم، نتيجة الاعتداءات الوحشيّة الإسرائيلية على سكان ومدينة القدس المحتلة، وخاصة المسجد الأقصى وحي “الشيخ جراح”، في محاولة لإخلاء 12 منزلاً فلسطينيّاً وتسليمها لمستوطنين، ثم انتقل التوتر إلى الضفة الغربيّة، وتحول إلى مواجهة عسكريّة في قطاع غزة، وأسفر عدوان الصهاينة عن 287 شهيداً، بينهم 69 طفلا و40 امرأة و17 مسناً، بجانب أكثر من 8900 مصاب بينهم 90 إصاباتهم شديدة الخطورة، وردت المقاومة الفلسطينية بإطلاق الصواريخ التي وصلت إلى تل أبيب وأخفق نظام القبة الحديدية الإسرائيلي في التصدي لها، وقد بدأ سريان وقف إطلاق نار بين فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة وتل أبيب قبل أسبوع، بعد 11 يوماً من غاراتها العنيفة على القطاع ورد الفصائل بإطلاق صواريخ على مناطق يحتلها العدو.
ختاماً، إنّ تزايد الثقل الشعبيّ لحماس في الخارج إضافة إلى القاعدة الجماهيريّة التي أصبحت تتمتع بها الحركة على الساحة الفلسطينيّة، موضوع يقلق العدو الغاصب وداعميه، ففي الوقت الذي فشلت كل محاولات الكيان الساديّ في إضفاء الشرعية على دولته المزعومة وشرعنة جرائمها، نجد بعض الدول التي تدعي الديمقراطيّة تصطف بكل ما أوتيت من قوة لنصرة المجرم ضد الضحيّة، رغم تزايد نسبة مقاطعة "إسرائيل" في كثير من الدول.