الوقت- تعيش فلسطين اليوم ملحمة جديدة في تاريخ الصراع مع الكيان الاسرائيلي الغاصب، والشعب الفلسطيني اليوم أمام مفترق خطير، حيث يسعى العالم أجمع الى اخماد انتفاضته الباسلة من خلال وعود فارغة بتحقيق حريته واعطائه حقوقه المشروعة. هنا لا بد من استذكار تاريخ النكبة الفلسطينية والعودة الى 97 عاما مضی لاستخلاص العبر المناسبة من اجل اتخاذ الخيار الصحيح أمام هذا المفترق الخطر.
حيث يصادف الثاني من تشرين الثاني / نوفمبر من كل عام، الذكرى السنوية للرسالة الشهيرة التي وجهها "آرثر جيمس بلفور" وزير خارجية بريطانيا عام 1917 الى السياسي والمتمول اليهودي وعضو مجلس العموم البريطاني "وولتر دي روتشيلد" والتي منحت بموجبها بريطانيا الحق لليهود في اقامة وطن قومي لهم على أراضي فلسطين. وكان تعداد اليهود حينها لا يتجاوز 5% من مجموع سكان فلسطين.
وقد عرفت هذه الرسالة بوعد بلفور، هذا الوعد المشؤوم الذي شكل الدعامة الأولى والغطاء الدولي الأهم لقيام الكيان الاسرائيلي فما هو هذا الوعد وما الذي تضمنه؟
جاء هذا الوعد بتوجيه من "لويد جورج" رئيس الوزراء البريطاني الى وزير خارجيته "بلفور" مكافأة لليهود على دعمهم لبريطانيا أثناء الحرب العالمية الاولى، وكأن بريطانيا تملك زمام البلاد والعباد لتعطي ما لا تملك الى من لا يستحق. فكان الوعد بمثابة الخطوة الأولى على طريق اقامة الكيان الاسرائيلي على أرض فلسطين وعلى حساب شعب فلسطيني متجذر في أرضه منذ آلاف السنين.
وجاء الوعد بعد مفاوضات دامت ثلاث سنوات بين الحركة الصهيونية العالمية والحكومة البريطانية. تمكن خلالها اليهود من اقناع بريطانيا بقدرتهم على تأمين مصالح بريطانيا في الشرق الاوسط. وقد أتى بشكل صريح ومباشر وعبر رسالة من قبل "بلفور" الى "روتشيلد" أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية في ذلك الوقت.
والمفارقة المهمة التي يجب ذكرها أن الحكومة البريطانية لم تكن منفردة في هذا الوعد وانما عرضت الرسالة على الرئيس الامريكي ولسون قبل نشرها ووافق عليها كما وافقت عليها فرنسا وايطاليا رسميا عام 1918 م. وكذلك اليابان وفي 25 نيسان سنة 1920، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، وفي 24 تموز عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 أيلول 1923، وبذلك يتضح اللغط حول أن هذا الوعد هو بريطاني ليتبين أن الغرب كله مشارك في هذا الوعد المشؤوم.
وبعيد ذلك الوعد بدأت الهجرة اليهودية من مختلف أرجاء المعمورة باتجاه فلسطين تحت ظل وحماية الغرب وبريطانيا بالتحديد، حتى العام 1948 م حيث ارتفعت أعداد المهاجرين اليهود الى أرقام قياسية وكان ذلك العام عام النكبة الفلسطينية تحت أعين المجتمع الدولي.
وقد تمكنت الحركة الصهيونية من استغلال تلك القصاصة التي أصدرها وزير خارجية بريطاني بالاضافة الى استغلال صك الانتداب وقرار الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1947 م والذي يقضي بتقسيم فلسطين، في تحقيق حلمهم باقامة كيانهم الذي نشأ على أرض مسلوبة وبمصادقة دولية.
وفي ظل هذا المجتمع الدولي تمكن الکیان الاسرائیلي من التوسع وهضم المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية تحت أعين المجتمع الدولي الذي لا زال يعطيها الحق بالتغطرس تحت عنوان الدفاع عن وجودها اللاشرعي.
هنا لا بد من الاكبار بتضحيات الشعب الفلسطيني منذ ما قبل قيام الكيان الاسرائيلي الى اليوم. فرغم كل ما تعرض له من مجازر وتهجير وظلم واضطهاد لا يزال الشعب الفلسطيني يقاوم هذا الكيان المتغطرس الذي يبطش بالشعب الفلسطيني على أرضه دون أي رحمة. واليوم نحن أمام مخاض جديد تعيشه القضية الفلسطينية. وأمام ملحمة جديدة يسطرها الفلسطينيون بصدورهم العارية من خلال الانتفاضة الثالثة التي بدأت منذ حوالي الشهر. انتفاضة أحد أسرارها ورموزها هي الاستشهاد في سبيل الحرية. حرية لطالما وعد العالم بتحقيقها. وعود كلها فارغة من أي مضمون، وليست سوى جرعات لتخدير الوعي الفلسطيني. فهنا لا بد من الالتفات وأخذ العبر من سنوات الصراع التي قاربت القرن من الزمن. فلا يمكن الاعتماد على الوعود والمفاوضات ولا على القانون الدولي ولا على الأمم المتحدة الرهينة لأمريكا وبريطانيا والغرب. بل ان النصر لا يتحقق الا على يد الشعب الفلسطيني نفسه ومن خلال تضحياته وروحه الاستشهادية في سبيل عزته واستعادة مقداسته التي دنسها الصهاينة.