الوقت- بينما يستمر الإخفاق في تشكيل حكومة جديدة في لبنان، وأدت الأزمة السياسية في البلاد إلى تدهور الوضع الاقتصادي وتعطيل الخدمات العامة للمواطنين، تتزايد الجهود الداخلية والخارجية لكسر الجمود في تشكيل الحكومة وتقليص أضرار الأزمة الاقتصادية على الحياة اليومية للشعب اللبناني.
في الواقع، اقترحت بعض المجموعات السياسية المحلية، ومعظمها قريب من تيار المقاومة ومن الشيعة، مبادرات لحل الأزمة السياسية والحد من المشاكل الاقتصادية حتى تتولى الحكومة السلطة، خوفًا من خطر استمرار الوضع الصعب الحالي علی مستقبل لبنان وشعبه.
في غضون ذلك، تعدّ فرنسا من بين الأطراف الأجنبية التي تستعد لاستضافة قمة دولية الأسبوع المقبل لجمع مساعدات اقتصادية للبنان.
الإنذار الأخير من حزب الله وأمل للحريري
من الخطط المقترحة للخروج من هذه الأزمة، مبادرة وخطة "نبيه بري" رئيس مجلس النواب اللبناني، الذي بدأ محادثات واجتماعات مكثفة مع مختلف المسؤولين والتيارات السياسية في الأسبوعين الماضيين.
يقسم اقتراح بري الوزراء الـ 24 المقترحين إلى ثلاث مجموعات، ونتيجةً لذلك لا يملك أي تيار حق النقض في مجلس الوزراء؛ وهي ثمانية وزراء للعون وثمانية وزراء للحريري وحلفائه وثمانية وزراء لحركتي أمل وحزب الله وحلفائهما.
حتى الآن، كان عذر الحريري في عدم تسريع عملية تشكيل الحكومة هو معارضة رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، للحكومة التكنوقراطية، وقد اتهم الحريري باسيل بمحاولة الحصول على "الثلث الضامن".
لکن الرئيس اللبناني ميشال عون وجبران باسيل قد رفضا هذه التهمة، واتهما الحريري بتعمد تعميق الأزمة من أجل ابتزاز وكسب تنازلات من جماعات سياسية منافسة أخرى.
في غضون ذلك، يرى منتقدو الحريري أن دور الضغط الخارجي من السعودية والولايات المتحدة لعدم تشكيل تحالف مع حزب الله في الحكومة الجديدة مهم للغاية.
لكن مع انتهاء مهلة نبيه بري التي استمرت أسبوعين، مدَّد الموعد النهائي لبضعة أيام أخرى. وقال يوم الثلاثاء "هذا الأسبوع حاسم لتشكيل حكومة جديدة لإنقاذ لبنان."
وتأتي تصريحات بري في الوقت الذي لم تنجح فيه مبادرته بعد بسبب الخلاف بين الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء المکلف سعد الحريري حول من يجب عليه اختيار وزيرين مسيحيين ليسا من حصة الرئيس. حيث يعتبر عون وصهره باسيل إصرار الحريري على انتخاب وزيرين مسيحيين، خارج صلاحيات رئيس الوزراء في الدستور.
في خضم هذا الجدل السياسي، دعا زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله إلى إنهاء تقاعس الحكومة وتشكيل حكومة جديدة بسرعة، لحل مشاكل الناس وسط هذه الأزمة الاقتصادية الحالية في لبنان.
کما استنكر طوابير اللبنانيين الطويلة في محطات الوقود وإمكانية إغلاق المحطات بشکل كامل بسبب نقص الوقود ونقص الأدوية في الصيدليات، نتيجة نقص التمويل من البنك المركزي، ومن خلال الهجوم الشديد على مسببي هذا الوضع، الذين يتابعون مصالحهم الحزبية والجماعية تحت تأثير الضغوط الخارجية، ويتخلون عن النهج الوطني، أعلن استعداد حزب الله للتفاوض مع حلفائه في محور المقاومة، وخاصةً إيران، لحل هذه المشاكل.
لطالما شدَّد حزب الله خلال الأشهر القليلة الماضية على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة وحل مشاكل الشعب، واتبع سياسة الصبر والانتظار لمنع تصعيد الأزمة في مواجهة العراقيل التي يضعها الحريري وتيار 14 آذار.
لكن التصريحات الأخيرة للأمين العام لحزب الله تظهر أن المقاومة، استجابةً للمطالب الشعبية من الحكام بتنحية خلافاتهم جانباً وتشكيل حكومة جديدة، اعتبرت حل مشاكل الشعب خطاً أحمر، وإذا استمر المسؤولون في عدم المبالاة بهذه العملية، فسوف يتدخل لحل مشاكل الناس.
المبادرات الخارجية: من الفاتيكان إلى الإليزيه
لكن في خضم الجهود المحلية لتشكيل حكومة جديدة، هناك أيضًا خطط ومبادرات خارجية لحل الخلافات.
في الآونة الأخيرة، دعا البابا فرنسيس، زعيم الكنيسة الكاثوليكية، القادة المسيحيين اللبنانيين لزيارة الفاتيكان في 1 تموز/يوليو لإجراء محادثات لدعم الحفاظ على "السلام والاستقرار" في لبنان.
وقد رحبت معظم المجموعات اللبنانية بهذه الخطة، وتم الإعراب عن التفاؤل بآثارها الإيجابية على مستقبل لبنان.
وهناك أيضًا مبادرة أجنبية أخرى اقترحتها فرنسا. حيث أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية أن باريس ستعقد اجتماعاً دولياً افتراضياً في 17 حزيران/يونيو لحشد الدعم للجيش اللبناني. إذ يقال إن الجيش اللبناني يواجه ظروفًا اقتصاديةً متدهورةً في ظل الوضع الاقتصادي الحالي غير المواتي.
ودعيت لحضور هذا الاجتماع دول من مجموعة "أنصار لبنان الدوليون"، التي تضم الدول الخليجية والولايات المتحدة وروسيا والصين والقوى الأوروبية.
منذ بداية الأزمة السياسية في لبنان بعد استقالة الحريري من رئاسة الوزراء في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وخاصةً بعد الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020، كانت فرنسا من أهم الفاعلين الأجانب في التطورات اللبنانية لإنهاء الجمود السياسي الداخلي في هذا البلد.
ومبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي أعلن عنها خلال زيارته لبيروت بعد أقل من يوم على انفجار المرفأ، على الرغم من أنها لم تحقق شيئاً علی أرض الواقع، إلا أنها كانت دائمًا مدعومةً من قبل عدد كبير من المجموعات اللبنانية.
کما قدَّمت فرنسا من قبل أيضًا مبادرةً لعقد قمة سيدر عام 2018 لحل مشكلة لبنان المالية الكبيرة، والتي تم خلالها التعهد بتقديم قروض بقيمة 11 مليار دولار لمساعدة الاقتصاد اللبناني، شريطةً أن يتم تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية من قبل المشاركين في هذا الاجتماع.
لبنان الذي يزيد معدل البطالة فيه عن 40 في المئة ولديه أعلى نسبة دين خارجي بالقياس إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم، يقدرها صندوق النقد الدولي بـ 85 مليار دولار، يواجه الأزمة الاقتصادية الکبری في تاريخه المعاصر وهو بحاجة ماسة إلى المساعدات المالية الأجنبية.
ومع ذلك، لم تكن المبادرات الفرنسية حتى الآن عمليةً إلى حد كبير، وبينما تحاول باريس تقديم نفسها كلاعب نشط في حل الأزمة اللبنانية، يرى الرأي العام اللبناني الآن أن الطريقة الوحيدة لإنقاذ البلاد هي الإجراءات الداخلية لرجال الدولة والجماعات السياسية لإنهاء المأزق الحالي.