الوقت- يشتد التنافس السعودي الإماراتي على محافظة المهرة شرقي اليمن وسط خسائر عسكرية وهزائم متتالية في المعارك الضاربة مع أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية "أنصار الله" التي تمكنت خلال الفترة الماضية من تحقيق الكثير من الانتصارات على جبهات مختلفة داخل اليمن وداخل العمق السعودي. وظهرت حدت التنافس بين الدولتين الخليجيتين بعد شعورهما باليأس من هزيمة أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية "أنصار الله"، فتركت الإمارات جارتها الكبرى وحيدة غارقة في جحيم الحرب. وعمد حّكام أبو ظبي على استغلال ثروات اليمن والتحكم في مواردها وموانئها ولا سيما المناطق الاستراتيجية التي تمثل أهمية خاصة للملاحة الدولية. وفي عام 2017 ركَّزَ السعوديون اهتمامهم على محافظة المهرة ثاني أكبر محافظة في اليمن ومتاخمة لسلطنة عمان. فاحتلت القوات الموالية للسعودية محافظة المهرة وأحكموا سيطرتهم على العاصمة والميناء، وسيطروا على المراكز الحدودية مع عمان.
وبحسب مصادر يمنية تسيطر السعودية على 20 قاعدة وبؤرة عسكرية في المحافظة الآن. وسبق أن وجه يمنيون، بينهم مسؤولون حكوميون، انتقادات متكررة إلى السعودية والإمارات لإرسالهما قوات إلى هذه المناطق البعيدة الواقعة شرق اليمن بالقرب من الحدود اليمنية العمانية. وأثار ذلك سخط كثيرين شددوا على ضرورة الانسحاب الكامل من اليمن فك الحصار على أبناء الشعب اليمني، وليس التوجه شرقاً لتحقيق مطامع دولية وأخرى خاصة . وطالب هؤلاء السعودية بوقف التدخلات، وإعادة جميع المرافق الحيوية بما في ذلك المنافذ والمؤسسات الحكومية، وتسليمها إلى أبناء المهرة. ويزعم السعوديين أن الهدف الأساسي لتوجههم شرقا هو إبقاء أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية "أنصار الله" خارج شرق اليمن، لكن مصالحهم الاقتصادية المتزايدة في المهرة دفعتهم لإبعاد الإمارات. فالإمارات تريد هي الأخرى السيطرة لحماية خطوط الملاحة التجارية على الساحل الجنوبي اليمني. والسيطرة على المهرة تمنح المملكة السعودية وصولاً مباشراً إلى المحيط الهندي.
وتعتزم الرياض بناء خط أنابيب نفطي من منطقتها الشرقية الواقعة على ساحل الخليج العربي عبر المهرة إلى البحر العربي المفتوح على المحيط الهندي، بحسب بعض التقارير. ومن شأن ذلك أن يخفِّف من اعتماد السعودية على مضيق هرمز (الذي يصل بين المحيط الهندي والخليج) لتصدير النفط. وهو المضيق الذي يستطيع الإيرانيون تهديد الملاحة به، ويعتبر واحداً من أهم الأوراق في أيديهم ضد دول الخليج عامة.
أهداف الإمارات
أما أبوظبي فيسيطر حكامها على جزر اليمن الاستراتيجية بعدما تراجع دورهما في الحرب العام الماضي. لقد اختار الإماراتيون بهدوءٍ الخروج من المستنقع اليمني قدر الإمكان، وقلَّلوا من وجودهم في عدن بشكلٍ كبير. ولا يزال لديهم بعض الجيوب الصغيرة من القوات في مدينتي المخا وشبوة، وفي مدن أخرى أيضاً. لكن الإمارات نشطةٌ في العديد من الجزر الرئيسية. وفي الفترة الأخيرة، أظهرت صور للأقمار الصناعية أن الإمارات تشيِّد قاعدةً جوية كبيرة في جزيرة ميون، الواقعة في مضيق باب المندب، الذي يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن. وتبلغ مساحة الجزيرة 5 أميال مربَّعة، وتمثِّل مفتاح السيطرة على باب المندب. كما تسيطر أبوظبي أيضاً على جزيرة سقطرى في خليج عدن، وهي أكبر بكثير من جزيرة ميون، وهي الأكبر في الأرخبيل اليمني، ويبلغ سكَانها 60 ألف نسمة.
تاريخياً، كانت الجزيرة جزءاً من سلطنة المهرة قبل أن تصبح جزءاً من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. ولدى الإماراتيين قاعدةٌ عسكرية هناك تُستخدَم لجمع المعلومات الاستخباراتية عن التحركات البحرية في باب المندب وخليج عدن. وأفادت تقارير صحفية مؤخَراً بأن سياحاً إسرائيليين يزورون سقطرى، كجزءٍ من اتفاقات أبراهام بين إسرائيل والإمارات. وزار آلاف الإسرائيليين دبي وأبوظبي، ويبدو أن بعضهم يستفيدون من الرحلات الأسبوعية للجزيرة. واحتجَّت حكومة الرئيس اليمني المستقيل "عبد ربه منصور هادي" على حركة السياحة هذه، وطالبت باستعادة السيادة اليمنية على الجزيرة، لكن أبوظبي تجاهلت طلب "منصور هادي" منذ فترةٍ طويلة. ويبقى الخاسر الأكبر من هذه المقامرات العسكرية والسياسية هي اليمن وشعبها الذي يتعرض لأسوأ أزمة إنسانية في القرن الحديث.
وعلى صعيد متصل، أدان مجلس الوزراء اليمني الممارسات الإجرامية لتحالف العدوان وانتهاكه السافر للسيادة الوطنية والأراضي والجزر اليمنية عبر استحداثه لمنشآت تمس مباشرة ليس فقط بأمن وسلامة اليمن القومي بل والأمن القومي العربي. وخلال اجتماعه الدوري يوم الأحد الماضي، برئاسة رئيس المجلس الدكتور "عبدالعزيز صالح بن حبتور"، ندد باستحداثات المحتلين في محافظة المهرة وجزيرتي سقطرى وميون، التي تنتهك كافة القوانين والمواثيق الدولية وذلك بتواطؤ مخز ومذل من عملاء ومرتزقة المحتل الذين هم مجرد أدوات يتلقون الدعم المباشر والمال المدنس من قبل دولتي الاحتلال السعودية والإمارات ويأتمرون بأمرهما. وحمّل مجلس الوزراء الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي المسئولية المباشرة عمّا تتعرض له الجزر والأراضي اليمنية في عدد من المحافظات المحتلة من ممارسات وانتهاكات متواصلة خارقة للقوانين الدولية على هذا النحو المستفز لأبناء الشعب اليمني الحر الأبي ولكل أحرار العالم.
وأكد أن صبر أبناء الشعب اليمني على هذه الانتهاكات المقيتة التي تخدم المشروع الصهيوني في المنطقة، لن يطول وسيلجأون إلى استخدام الخيار المناسب في مواجهة تلك الانتهاكات والعبث بالأراضي اليمنية واستخفافهم بإرادة الإنسان اليمني التي أثبتت أحداث التأريخ وفي الوقت الراهن أنها لا تقهر. ووجه مجلس الوزراء تحذيراً شديد اللهجة لكافة الشركات التي قد تغامر بالتوقيع على اتفاقيات للاستثمار في القطاعات الحيوية خاصة النفط والمعادن والغاز مع ما يسمى بالحكومة الشرعية، لافتا إلى أن ذلك سيواجه من قبل الشعب اليمني كافة الذي يمر حالياً بمرحلة مواجهة شاملة مع تحالف العدوان ومرتزقته الفاقدين وفقا للدستور اليمني لأي شرعية أو حق في تمثيل اليمن ومصالحة الحيوية. وأوضح أن أي شركة ستقدم على توقيع اتفاقية مع مرتزقة العدوان ستتخذ ضدها كافة الإجراءات القانونية باعتبار أن نشاطها غير شرعي وفاقد لأي صفة قانونية.
من جانب آخر، بارك مجلس الوزراء العملية الواسعة للجيش واللجان الشعبية في جيزان محور "الخوبة - وادي جارة" التي تم خلالها السيطرة على عدد من المواقع الاستراتيجية والمهمة. وأشاد عاليا بمختلف العمليات القتالية للجيش واللجان الشعبية في عموم الجبهات الداخلية وجبهات ما وراء الحدود، التي جسدت التخطيط العسكري النوعي وإقدام وبسالة رجال الوطن الأشداء الميامين الذين يخوضون المعارك ضد العدوان ومرتزقته وعملائه بإيمان كبير وروح وطنية عالية وبمسئولية قل نظيرها. واعتبر المجلس العملية الأخيرة في جيزان إحدى النماذج المشرفة لكل أبناء الشعب اليمني الذين يتعرضون منذ أكثر من ست سنوات لعدوان همجي أمريكي سعودي وحصار خانق وتضييق متواصل على أبسط مقومات الحياة المعيشية اليومية.
وفي الختام يمكن القول إن الجنوب اليمني بات اليوم بلا سلطة سياسية فعلية مركزية تدير البلاد، وتحمي الأرض اليمنية من أطماع المتغلبين ورعاتهم ووكلائهم، أصبح تفتيت اليمن واقتسام أراضيه وجزره واقعا حقيقيا يدركه اليمنيون، والذي لا يتوقف على انتهاك سيادتهم على أرضهم في جزيرة سقطرى ومدينة المهرة وجزيرة ميون، وغيرها من المدن اليمنية، وإنما تحويل الجزر اليمنية إلى قاعدة انطلاق للعمليات العسكرية والاستخباراتية لدول إقليمية، وعلى الضد من مصالح اليمنيين، إلا أن الأكثر فداحة من كل هذه الشرور التي يواجهها اليمنيون اليوم أن الإمارات، لا تمثل مصالحها فقط، ومصالح رعاتها، وإنما مصالح "إسرائيل"، حليفة الإمارات في المنطقة، والتي تطمح، هي الأخرى، للتمدد نحو الجزر والمضائق اليمنية، وأن يكون لها نصيب من الغنيمة اليمنية.