الوقت- "لن نقاتل خارج بلادنا بعد الآن، من المخجل أن نكرّر الخطأ ذاته ". قالها الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل أسبوعين، معتبراً أنّ إرسال قوات عسكرية أميركية الى سوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن هي استراتيجية سيّئة. وفي إشارة إلى الغزو الأمريكي عام 2002 والعراق عام 2003، بدا وقتها أنّ أمريكا إعتبرت من الحروب السابقة التي شنتها في المنطقة. وفي ظل تحولات إستراتيجية قلبت موازين القوى، وبعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، لم يعد لأمريكا الحضور الفعال والمؤثر في قضايا المنطقة خاصة بعد فشلها في محاربة الإرهاب بل عدم صلاحيتها للقيام بهذا العمل لأنّها هي التي صنعته ودعمته. وتأتي الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، التي أعلن عنها البنتاغون لمحاربة داعش لتحاول خلط الأوراق من جديد، متعارضةً مع ما أقرّ به الرئيس الأمريكي، ومتزامنةً مع إنجازات نوعية للتحالف الرباعي في سوريا والعراق، وتسارع في الحركة على خط المفاوضات حول الملف السوري، وإقرار أمريكي أن ميزان القوى في سوريا يميل لصالح الرئيس بشار الأسد.
وبعد إقرار الرئيس أوباما بفشل برنامج التدريب الذي يقوم به الجيش الأميركي لتجهيز المعارضة السورية والذي كلف 500 مليون دولار، قائلاً :"إن البرنامج لم يحقق أهدافه"، وبعد تسليم المجموعات التي دربتها واشنطن قبل أشهر أسلحتها إلى جبهة النصرة عند أوّل مواجهة جدّية على الرغم من الدعم الأمريكي والسعودي والإسرائيلي النوعي، يعود الحديث من حين إلى آخر عن إرسال قوات عسكرية أمريكية خاصة إلى سوريا. وكأنّ أمريكا لم تقتنع بعد أنّ الميدان السوري قد طرأ عليه تغيّرات أساسية بعد التدخل العسكري الروسي وإنشاء التحالف الرباعي الجديد.
فهل أنّ الطرح الأمريكي للتدخل العسكري البري في سوريا من خلال الإستراتجية الجديدة جديّ أم أنّها ورقة تصعيد للضغط على طاولات المفاوضات قبل أي تسوية قادمة؟ ولماذا يحاول بعض الأطراف العسكرية والسياسية في أمريكا الضغط على أوباما وإقناعه بإرسال قوات خاصة إلى سوريا على الرغم من تأكيده عدم القتال خارج الأراضي الأمريكية؟
أمريكا وصلت إلى مرحلة عدم إمتلاكها أي مبادرة لتغيير الواقع على الأرض وهي تسعى لربح نقاطٍ ولو قليلةٍ قبل أي تسوية ليست ظاهرة في الأفق قبل حسم المعركة مع الإرهاب على حدّ ما تؤكد المصادر العسكرية للتحالف الرباعي. وإستراتيجية إدارة المعركة من الخلف لن تثمر نتائج جوهرية في الميدان السوري، فالأمريكيون يصرحون بعدم جدوى الحلّ العسكري في سوريا وبالمقابل هم يدعون لإرسال قوات برية إلى سوريا ويقومون وأدواتهم بإرسال الإرهبيين والسلاح إلى سوريا.
تحليل الأحداث المتسارعة يؤكد عدم جدّية أمريكا بالتوصل إلى تسوية وحلّ سياسي للأزمة السورية، ومضيّها بمشروعها التدميري في المنطقة من خلال دعم المجموعات الإرهابية وإرسال السلاح إليهم وتغطية أعمال السعودية و"إسرائيل" وتركيا الإرهابية في سوريا، على الرغم من مشاركتها في المفاوضات والقمم حول الحل السياسي في سوريا. فقرار إرسال قوات عسكرية أمريكية إلى سوريا ليس سوى محاولة لجلب الأنظار وإيهام العالم أنّ أمريكا لم تترك الساحة لروسيا وتخرج من الميدان، بل هي حاضرة وقادرة على إيجاد توازن في الساحة السورية. لكن العالم كلّه بات يعرف أنّ أمريكا إعترفت بسلوكها دون أن تعترف بلسانها، انها فشلت في سياساتها في المنطقة وهي أضحت غير قادرة على تقديم أي حلول سياسية أو عسكرية لمواجهة الإرهاب بل إنّ تدخل التحالف الدولي الذي تقوده لم يزد الأمور إلا تعقيداً وداعش وأخواتها تمدداً وتوسعاً على الأرض. فالحديث عن التدخل العسكري الأمريكي في سوريا ليس إلا ورقة غير مجدية تلوّح بها أمريكا دون الإقدام عليها من أجل تأمين شروط أفضل على طاولة المفاوضات قبل أي إتفاق أو تسوية ممكنة.
وكان وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر ورئيس الأركان الجنرال جوزيف دانفورد قد كشفا، عن الإستراتيجية الأميركية الجديدة لمحاربة داعش في كل من سوريا والعراق، بعد نحو شهر على انطلاق التدخل الجوي الروسي في سوريا. وكانت صحيفة " Washington Post " نقلت عن مستشارين أمنيين في البيت الأبيض قولهم إن الرئيس الأميركي باراك أوباما يدرس خــطة لإرســال قوات برية صغيرة إلى الخــطوط الأمامية لمحاربة داعش في سوريا، بعد الإصرار وإقناعه على الإقدام على خطوة تتضمن إرسال عدد صغير من أفراد قوات العمليات الخاصة إلى سوريا وطائرات هليكوبتر هجومية إلى العراق بحسب مسؤولين أميركيين. وأشارت الصحيفة أن مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى حذروا من أن هذه الإستراتيجية قد تؤدي إلى مواجهة مباشرة بين أمريكا وروسيا وإيران. فيما شددت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي على أن مشاركة أي قوات أميركية في العملية العسكرية البرية في سوريا في غياب الطلب السوري هي غير شرعية.
ومن جاب آخر قالت صحيفة " The Wall Street Journal" أمس أن هناك خطة للناتو لوضع كتائب في بولندا واستونيا ولاتفيا ولتوانيا، مشيرة إلى أن عدد أفراد كل كتيبة يتراوح بين 800 و1000 عسكري. ونقلت عن دبلوماسيين وعسكريين غربيين قولهم أن دولاً في حلف شمال الأطلسي تبحث زيادة عدد القوات المتمركزة على الحدود الروسية، وخاصة في دول البلطيق.
فالإدارة الأمريكية وحلفائها يعيشون إرتباك وتخبط سياسي في ظل تراجع حضورهم في الشرق الأوسط وتنامي حضور روسيا وحلفائها، وعدم قدرتهم على تقديم أي مبادرة جدية للحلول السياسية لأزمات المنطقة. فسيدهم الأمريكي في مأزق الخيارات الصعبة، وحروبه السابقة يجب أن تكون قد علمته، على حدّ ما قاله الرئيس أوباما عن عدم القتال خارج بلاده، أنّ الجيش الأمريكي لن يكون له إلا قبوراً في منطقتنا. فالزمن الأمريكي بدأ بالأفول والتحولات الإستراتيجية الجديدة بدأت ترسم معادلات تؤكد التراجع الأمريكي، والمواجهة مع روسيا مكلفة جداً والبديل هو الرضوخ والقبول بالأمر الواقع. فهل يكون الضغط على الرئيس أوباما للتدخل البري في سوريا محاولةً لإغراقه في مستنقع قد ينعكس سلباً على حزبه قبل عام من الإنتخابات الرئاسية الأمريكية؟