الوقت- أشارت تقارير رسمية سعودية انتشرت مؤخراٌ عن خروج نحو 135.4 ألف عامل أجنبي من سوق العمل السعودي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام المالي 2020.
ووفقا للبیانات الخاصة بالقوى العاملة، والتي تنشرها الهيئة العامة للإحصاء السعودية، يظهر بشكل واضح تراجع في عدد المشتغلين الأجانب بنحو 135.4 ألف مشتغل خلال الربع الرابع من عام 2020 مقارنة بالربع الذي سبقه، وبالتزامن مع ذلك أيضاً فقد انخفض عدد المشتغلين السعوديين بنحو 1078 موظفا خلال الفترة نفسها ليصل عددهم إلى 3.25 ملايين موظف.
كما أظهرت هذه البيانات، انخفاض معدل البطالة للسعوديين إلى 12.6 بالمئة، مقارنة بـ14.9 بالمئة بنهاية الربع الثالث 2020.
وکان موقع بلومبيرغ قد نشر في الشهر الماضي تقريراً، أشار فيه إلى التحدي الداخلي الذي يواجهه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ألا وهو خلق الوظائف، وذلك في ظل تنامي معدلات البطالة بشكل كبير في المملكة السعودية، والتي أسهمت بتفقير الطبقة الوسطى.
و أشار الموقع، إلى أن خلق فرص العمل هو أكبر تحد داخلي يواجه ولي العهد السعودي، في الوقت الذي يعيد فيه تشكيل اقتصاد لطالما اعتمد على تصدير النفط و العمالة المستوردة.
انتكاسة خطة رؤية 2030
ووصلت البطالة إلى مستوى قياسي بلغ 15 بالمئة العام الماضي، عندما تسبب فيروس كورونا في انتكاسة لخطة رؤية 2030 لتحويل المملكة إلى مركز إقليمي للأعمال والسياحة، بحسب بلومبيرغ.
ووفقاً للوكالة الأمريكية، تهدد معدلات البطالة المرتفعة بإفقار طبقة وسطى كانت مدعومة من قبل بإنفاق الدولة. ودون تغيير جذري، فإن المشكلة ستزداد سوءا مع تدفق التضخم الديموغرافي للشباب على سوق العمل، ما يزيد من احتمالية عدم الاستقرار الاجتماعي مع تزايد الإحباطات.
يذكر أن الأجانب يشكلون حوالي ثلث السكان في المملكة السعودية والبالغ عددهم 34 مليون نسمة، والحكومة هي المشغل الرئيس للسعوديين -وهو نموذج لا تستطيع تحمله- بينما يعتمد باقي الاقتصاد على العمالة الرخيصة من الدول الآسيوية والعربية الأخری.
کما تبلغ نسبة العاملين الأجانب في القطاع الخاص السعودي حوالي 75% بالمئة وغالبا ما يكدحون لفترة أطول مقابل أجور أقل، ما يجعل من الصعب على العمالة السعودية أن تحل مكانهم.
كما أن السلطات السعودية فرضت منذ فترة طويلة نظام الحصص والحوافز لتوجيه المزيد من المواطنين إلى القطاع الخاص، وهي عملية أطلق عليها اسم "السعودة"، لكن النتائج لم تتوافق مع النمو السكاني.
ملیون و200 ألف عامل أجنبي غادروا في 2020
وكانت تقارير سعودية توقعت فی السابق أن يستغني الاقتصاد السعودي عن نحو مليون و200 ألف عامل أجنبي يعملون في البلاد خلال عام 2020.
حيث أفاد تقرير لمؤسسة "جدوى للاستثمار" بأنه من المتوقع أن يغادر سوق العمل والسعودية خلال 2020 ما يصل إلى مليون و200 ألف عامل أجنبي، وهو ما يعادل 9% تقريباً من حجم التوظيف في السعودية.
وعلى الرغم من مغادرة هذا العدد من الأجانب الذين يعملون في قطاعات مختلفة بالمملكة فإن معدلات البطالة بين السعوديين ستواصل على مستوياتها السابقة البالغة 12% بنهاية عام 2020.
لكن التقرير يرى أن بيئة الأعمال ربما "تتحسن بصفة عامة تدريجياً في النصف الثاني من عام 2020، وخاصة في الربع الأخير من العام".
وأشار التقرير، الذي نشرته وكالة "بلومبيرغ" البريطانية، إلى أن أكثر القطاعات تأثرت بمغادرة الأجانب، وتشهد خروجاً أعلى هي "الضيافة والمطاعم وخدمات الأغذية والأنشطة الإدارية والمساندة، التي تشمل خدمات المباني ووكالات السفر والإيجار والتأجير والأمن".
وتقول شركة جدوى إنه "بينما يبدأ الاقتصاد في التعافي بنهاية عام 2020، تذهب الاحتمالات إلى ارتفاع الطلب على سلع وخدمات معينة".
ومن المحتمل أن يساهم هذا الارتفاع- مقترناً باستمرار الإجراءات الاحترازية المتعلقة بجائحة كورونا، التي ستحد من عدد التأشيرات الجديدة الممنوحة للأجانب- في توفير مزيد من الفرص للمواطنين السعوديين.
فشل خطط ولي العهد
لقد كان استبدال العمالة الأجنبية بسعوديين هدفاً رسمياً لخطة محمد بن سلمان، لكن الحكومة لم تحرز سوى نجاحاً محدوداً في هذا الشأن.
وتتعرض العمالة الأجنبية في السعودية، وبشكل عام في الخليج، للمزيد من الضغوط، وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط من جهة، وانتشار وباء كورونا الذي أضر باقتصاديات الدول، من جهة أخرى.
كما أن خروج العمالة المفاجئ يعد تحدياً لولي العهد السعودي محمد بن سلمان والذي يحاول إعادة تشكيل الاقتصاد السعودي. وفي مركز خططه هو خلق فرص عمل للمواطنين السعوديين في القطاع الخاص والذي يعتمد بشكل كبير على العمالة الأجنبية.
ولکن على غیر المتوقع على المدى القريب لم يملأ السعوديون الوظائف التي تشغر برحيل العمال الأجانب، بشكل زاد من مصاعب أرباب العمل الذين يكافحون وسط تباطؤ في الاقتصاد.
وبحسب الأرقام الحكومية خسر قطاع العمل السعودي من بداية عام 2017 إلى الثلث الأخير من عام 2018 1.1 مليون عامل وافد.
وكان لرحيل العمال الأجانب نتائج غير محسوبة، وخاصة بخروجهم من قطاعات اقتصادية لم يتهيأ السعوديون بعد للعمل فيها، أو ربما يستنكفون عن العمل بها.
تراجع في الإنتاجية ونتائج سلبية
إن عدم وجود عمالة سعودية مؤهلة وبديلة للعمال الأجانب سيؤدي إلى تراجع الإنتاجية بقطاعات اقتصادية مختلفة، وهو ما قد يحدث نوعاً من الهزة في تقديم الخدمات بالمملكة وسينعكس سلباً على اقتصاد البلاد.
كما تشير التوقعات إلى خروج المزيد من العمالة الأجنبية من السعودية خلال السنوات المقبلة، وخاصة من متوسطي الدخل.
وعلاوة على تأثيرات رحيل الأجانب على الشركات والمصانع والمؤسسات بسبب عدم وجود عمالة محلية بديلة، فإن مغادرة تلك الأعداد دفعة واحدة ستتسبب بأضرار لقطاعات اقتصادية مثل العقارات ومحال البيع بالتجزئة، ومشاريع وأنشطة أخرى كانت تعتمد بشكل رئيس على استهلاك الوافدين.
مغادرة العمالة ستضر بقطاع سوق الأغذية
يشار إلى أن حجم استهلاك سكان السعودية من المواد الغذائية قدر في العام 2016 بنحو 65 مليار دولار، بحسب دراسة أعدتها شركة "برايس واتر هاوس كوبر" الدولية لمصلحة شركة "أسواق المزرعة السعودية".
وعند توزيع هذا الرقم على عدد سكان السعودية فإن نصيب الفرد سيكون 2047.7 دولاراً سنوياً، إذا أخذنا بالحسبان إحصاء سكان السعودية للعام 2016، البالغ وفق البيانات الرسمية، 31 مليوناً و742 ألفاً و308 نسمات، بينهم 20 مليوناً و64 ألفاً و970 سعودياً، و11 مليوناً و101 ألف و338 مقيماً غير سعودي.
ما يعني أنه في حال مغادرة العمالة الأجنبية للسعودية سيفقد سوق الأغذية في المملكة وحده نحو 22 ملياراً و732 مليوناً و656 ألفاً و50 دولاراً، سنوياً، وهو ما سيتسبب بخسائر هائلة لشركات ومصانع المواد الغذائية.
إذا يبدو واضحاً أن مغادرة العمالة الأجنبية صحيح أنها قد تكون بهدف تقليل البطالة في الداخل ولكن الاقتصاد السعودي يعتمد بشكل كبير على العمالة الإجنبية وخروجها المفاجئ سيؤدي إلى تفاقم الوضع وقد تكون هي الشعرة التي تقسم ظهر البعير وتؤدي إلى انهيار المملكة اقتصادياً.