الوقت- يبدو أن الأحداث الساخنة تلاحق حكومة "عبد ربه منصور هادي" المستقيلة الموالية لتحالف العدوان العدوان السعودي الإماراتي، حيث كشفت العديد من المصادر الاخبارية أن المظاهرات الغاضبة بسبب تردّي الخدمات، دخلت أسبوعها الثاني، ولفتت تلك المصادر إلى أن المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا يحاول ركوب الموجة، ولهذا فقد تصاعدت المخاوف من جولة صراع قد تمهد لانقلاب جديد في محافظة عدن الجنوبية. ولقد خرجت لليوم العاشر على التوالي مظاهرات شعبية في عدن، وعدد من المحافظات الجنوبية تنديدا بانهيار الخدمات وارتفاع الأسعار، وانطلقت الاحتجاجات قبل عدة أسابيع في عدن قبل أن تمتد إلى محافظات حضرموت ولحج وأبين، وبلغت الاحتجاجات أول أمس الجمعة محيط قصر الرئاسة "معاشيق" في منطقة "كريتر"، وهو المكان الذي تتخذه حكومة "منصور هادي" المستقيلة مقرا لها.
وفي هذا السياق، صرح مسؤولان يمنيان بأن رئيس الوزراء "معين عبد الملك" وأعضاء آخرين بحكومته المستقيلة كانوا داخل المبنى. وقال شهود إن هذه الاحتجاجات اندلعت للاعتراض على سوء الخدمات العامة وبعدما عجزت الحكومة عن دفع رواتب جنود متقاعدين. وأظهر مقطع على وسائل التواصل الاجتماعي "مطهر الشعيبي" قائد أمن عدن وهو يتفاوض مع مجموعة من المحتجين ويطلب منهم مغادرة الطوق الأمني المحيط بقصر معاشيق. وتسيطر قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي المدعوم من الإمارات على معظم أنحاء عدن، وسبق لها أن قاتلت القوات التابعة لحكومة الرئيس "عبد ربه منصور هادي" المستقيلة.
وعلى هذا المنوال نفسه، قال "مصطفى زيد" رئيس تاج الجنوب العربي بالداخل اليمني، أثناء مشاركته في أحد الاحتجاجات، إن الأوضاع المعيشية أصبحت لا تحتمل، وأضاف "نحن في وضع صعب جدا، والغلاء لا يطاق"، وتابع إن الاحتجاجات مستمرة من أجل المطالبة بالحقوق الأساسية، وفي مقدمتها الكهرباء والمياه. وحمّل "مصطفى زيد" الحكومة المستقيلة والمجلس الانتقالي مسؤولية ما يحدث من تردٍّ للخدمات، وأزمة ارتفاع الأسعار والمشتقات النفطية التي زادت معاناتهم في عدن.
الجدير بالذكر أن الكهرباء من أبرز الخدمات المتردّية ومن المشكلات المزمنة التي تعاني منها معظم المحافظات الواقعة في جنوب اليمن، وخصوصا عدن الساحلية والمناطق المحيطة بها، إذ بلغت ساعات انقطاع التيار في اليومين الماضيين أكثر من 15 ساعة يوميا. وتأتي هذه الاحتجاجات مع استمرار انهيار سعر صرف العملة اليمنية الريال، فقد تراجعت إلى 900 ريال للدولار الواحد لأول مرة منذ عودة الحكومة إلى عدن، فأدى ذلك إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع الغذائية في مقابل تراجع القدرة الشرائية لليمنيين بسبب خسارة رواتبهم لقيمتها.
وفي محاولة لركوب موجة الاحتجاجات دعت ما تسمى بـ"الهيئة العسكرية العليا للأمن والجيش الجنوبي"، التابعة للمجلس الانتقالي في بيان لها يوم الجمعة الماضي إلى "الاحتشاد والمشاركة الفاعلة في التصعيد الاحتجاجي، يوم الثلاثاء، أمام بوابات قصر معاشيق لاقتلاع حكومة منصور هادي"، وقالت الهيئة إن هذا الاحتجاج سيكون "الشرارة الأولى للتصعيد الشامل الذي ستتوسع رقعته لتشمل أماكن حيوية أخرى"، وتوعدت الهيئة الحكومة اليمنية المستقيلة المُشكّلة مناصفة بين الشرعية والمجلس الانتقالي، بإسقاطها في حال لم تكبح ارتفاع أسعار السلع والمشتقات النفطية وتوقف صرف الأجور.
ويربط مراقبون تأخر دفع رواتب أفراد التشكيلات والوحدات العسكرية والأمنية في عدن ولحج وأبين والضالع، وأغلبهم يتبعون المجلس الانتقالي، بموقف تحالف العدوان السعودي الإماراتي من أجل تنفيذ اتفاق الرياض، ولاسيما ما يتعلق ببنود الشق العسكري والأمني. وتنص بنود الشق العسكري والأمني لاتفاق الرياض على خروج القوات العسكرية من عدن، ودمج الوحدات الأمنية والعسكرية التابعة للمجلس الانتقالي تحت قیادة وزارتي الدفاع والداخلية، فضلا عن سحب الأسلحة الثقيلة، وإعادة نشر قوات الأمن التابعة للحكومة المستقيلة للقيام بمهامها.
وبخصوص الأزمة التي تعيشها عدن ومحافظات جنوبية أخرى حمّل "مختار الرحبي"، مستشار وزير الإعلام في الحكومة المستقيلة، المجلس الانتقالي مسؤولية تفاقم الأزمة، وانهيار الخدمات في عدن وبقية المحافظات، وقال إن ذلك "نتيجة طبيعية لعرقلة المجلس الانتقالي عمل حكومة منصور هادي". وقال "الرحبي"، إن "الانتقالي لا يزال هو المسيطر والمتحكم بمؤسسات الحكومة في عدن ويرفض تنفيـذ الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض، وأضاف "إن حكومة منصور هادي منذ عودتها إلى عدن حبيسة قصر معاشيق، وأعضاؤها غير قادرين على الخروج ومزاولة عملهم بحرية".
في المقابل، هدّد المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا بالانسحاب من حكومة المناصفة المنبثقة عن اتفاق الرياض، ونشر الموقع الرسمي للمجلس بيانا مقتضبا أوضح فيه أن قيادة المجلس طلبت من وزرائها في الحكومة الجديدة أن "يتخذوا موقفا واضحا وحاسما من تفاقم أزمات الخدمات". ورغم توقف المعارك بين المجلس الانتقالي وقوات "منصور هادي"، وتشكيل حكومة بمشاركة المجلس، فإن الحرب بين الطرفين انتقلت من مضمار المواجهة العسكرية إلى حرب نفوذ، عبر الصراع داخل مؤسسات الدولة، ومحاولة إضعافها والسطو على وظيفتها. ويعزو مراقبون ما تشهده عدن من أزمات واستمرار للاضطرابات إلى عدم استكمال تنفيذ اتفاق الرياض، في ظل وجود حالة استرخاء عامة في المواقع والمؤسسات والأطراف التي يناط بها تنفيذ الاتفاق، فضلا عن ظهور مواقف وقرارات وتصريحات رافضة لتنفيذه.
وحول هذا السياق، قال "خالد الشودري" رئيس مؤسسة خليج عدن للإعلام، إن "الاتفاق يطير بجناحين، هما الشق السياسي والشق العسكري، وعدم تنفيذ الشق العسكري منهما أفرز هذا الوضع الحالي لحكومة مخلوعة الأنياب والمخالب، يراد لها صرف شيكات الرواتب فقط، فهي تدير ولا تحكم". ويرى "الشودري"، أنه ما دامت الأجهزة والقوى الأمنية المختلفة منقسمة وموزعة بين قيادات وأجندات متصارعة فإنه لا نهاية قريبة لمعاناة المواطنين جراء تدهور الاقتصاد، وتدنّي مستوى الخدمات، وانهيار سعر العملة.
وكانت حكومة "منصور هادي" التي تم تشكيلها في الثامن عشر من ديسمبر الماضي مناصفة بين الشمال والجنوب قد تعهدت بإجراء إصلاحات جذرية، والعمل على إنهاء معاناة المواطنين. ويقول يمنيون إنه لم يُشهد هناك أي تغيير يذكر على صعيد تحسين الخدمات منذ وصول أعضاء هذه الحكومة الصورية. وهدف تشكيل هذه الحكومة الصورية إلى حل الوضع العسكري في عدن والمناطق الأخرى التي شهدت مواجهات بين قوات الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن ومحافظة أبين، لكن لم يتم إحراز تقدم كبير في مسألة تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض حتى اليوم، وخصوصا ما يتعلق بدمج قوات الجيش والأمن التابعة للحكومة والمجلس الانتقالي، تحت قيادة وزارتي الداخلية والدفاع، إضافة إلى عدم إحراز تقدم في مسألة علاج الخدمات وانهيار الوضع المعيشي.