الوقت- أظهر تقرير سري للأمم المتحدة تم الكشف عنه مؤخراً أن أحد الحلفاء المقربين من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب انتهك حظر إرسال الأسلحة إلى ليبيا عبر إرسال طائرات وقوارب ومرتزقة أجانب إليها لدعم خليفة حفتر. كما شملت خطتهم وتنسيقهم تشكيل فريق مخصص لاغتيال معارضي حفتر.
وجاء في هذا التقرير السري أن حليف ترامب، إريك برنس، الذي أسس شركة "بلاك ووتر" الأمنية سيئة السمعة، استقدم قوة من المرتزقة الأجانب والأسلحة في عام 2019 لدعم جماعة خليفة حفتر، والذي انخرطت قواته في معارك للإطاحة بحكومة الوفاق الليبية والمدعومة من جمعية الأمم المتحدة.
تم تسمية هذه الاتفاقية بين الجانبين باتفاقية "أوبوس" و بلغت تكلفتها 80 مليون دولار وتشمل وضع خطط وتشكيل فرقة تنفذ اغتيالات بهدف تعقب وقتل القادة العسكريين الليبيين المناهضين لحفتر، الذين يحمل بعضهم جنسيات دول أوروبية.
من هو صديق ترامب؟
إريك دين برنس، العنصر السابق في وحدة النخبة التابعة لقوات البحرية الأمريكية (نيفي سيلز) وشقيق بيتسي ديفوس، وزيرة التعليم في عهد ترامب كان يشغل منصب رئيس شركة "بلاك ووتر" الأمنية الخاصة.
وبعد الاتهامات التي أوردها هذا التقرير يعد برنس معرضاً لعقوبات محتملة من الأمم المتحدة، تشمل حظراً على السفر كما أن التقرير أشار إلى أن برنس لم يتعاون مع التحقيق الأممي، بينما رفض محاميه الإدلاء بتصريحات حيال المسألة.
من هي بلاك ووتر؟
بلاك ووتر هي شركة أمريكية تقدم خدمات أمنية وعسكرية للحكومات والأفراد عبر العالم. وتأسست بلاك ووتر وفقا للقوانين الأمريكية بالاعتماد على مرتزقة من المتقاعدين والقوات الخاصة من مختلف أنحاء العالم. وتقيم الشركة حالياً صفقات مع حكومات في دول عديدة من أجل تقديم خدماتها لها بعد موافقة حكومة الولايات المتحدة. كما يتقاضى المنتمين إليها تعويضات مالية مغرية مقابل الخدمات التي يقدمونها.
لكن شركة بلاك ووتر التي تعني "المياه السوداء" نسبة إلى المستنقعات المظلمة التي أنشئت في قلبها، لم تكن معروفة بالعلن إلا بعد عام 2002 تحت اسم "شركة بلاك ووتر للاستشارات الأمنية" مستفيدة من الأجواء التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ثم أخذ نشاطها دفعة قوية بحصولها عام 2003 على عقد لحماية "بول بريمر" الحاكم الأميركي للعراق آنذاك.
جرائم بلاك ووتر في العراق
تعد مجزرة ساحة النسور في بغداد عام 2007، واحدة من أبشع وأفظع جرائم الشركات الأمنية الأميركية العاملة في العراق، والتي كشفت عن استهانة المحاكم الأميركية بالدم العراقي عندما لم تعاقب مرتكبي المجزرة رغم القضايا المرفوعة ضدهم.
كما حدثت جريمة أخرى عندما أقدم عناصر بلاك ووتر على قتل طفل عمره 9 سنوات كان جالساً في مقدمة السيارة مع والده في منطقة حي السلام في بغداد.
كما تعرض الأكاديمي والباحث السياسي فاضل البدراني لمحاولة قتل على يد عناصر من بلاك ووتر عندما أطلقوا النيران على سيارته التي كان يستقلها في إحدى مناطق غرب العراق ولكنه نجا من الحادث.
وفي مقابل كل هذه الجرائم قام ترامب بالعفو عن أربعة عناصر من "بلاك ووتر" والذين كانوا يقضون أحكاما طويلة بالسجن بعد إدانتهم بارتكاب مجزرة ساحة النسور ليقول من خلال قراره أنه لا يهتم بالدم العراقي وأن الشركة محمية من قبل الولايات المتحدة الأمريكة.
بلاك ووتر والإمارات
حصلة شركة "بلاك ووتر" الأمريكية عام 2010 على عقد من أبو ظبي بقيمة خمسمئة مليون دولار تتولى بمقتضاه حماية أنابيب النفط والأبراج المهمة، وتوفير الدعم اللوجستي للجيش الإماراتي واحتواء الاحتجاجات الداخلية المحتملة واستهدافق الشخصيات المعارضة.
وذكرت مجلة غارديان البريطانية في تقرير لها نشرته بتاريخ 15 مايو/أيار 2011 أن " إريك دين برنس " وقع اتفاقاً مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بقيمة 529 مليون دولار استقدمت شركته بموجبه ودربت ثمانمئة عنصر -معظمهم من كولومبيا وجنوب أفريقيا– للقتال تحت قيادة القوات الإماراتية.
وفي تشرين الأول 2015 كشفت تقارير صحفية عن إرسال الإمارات -عن طريق برنس وشركته- 450 مرتزقا من أميركا اللاتينية (بنما والسلفادور وتشيلي وكولومبيا) قبل أن يزداد العدد لاحقا إلى أكثر من 1500 للقتال في جنوب اليمن وتثبيت الإقدام الإماراتية هناك.
الإمارات كانت في البداية قد استقدمت بلاك ووتر لأغراض الحماية لكن ما حدث في اليمن وليبيا أظهرت أن اعتماد الإمارات على المتعاقدين الأجانب لأغراض عسكرية واستخبارية ذهب أبعد مما كان يعتقد.
حيث أن تقريراً تم نشره في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 لمجلة "إنتليجنس أونلاين" المتخصصة في متابعة أجهزة الاستخبارات بالعالم أكد أن برنس وفر أيضاً طيارين مرتزقة لصالح عمليات إماراتية خاصة في ليبيا انطلاقاً من قاعدة سرية إماراتية في ليبيا.
بلاك ووتر ومحمد بن سلمان
بعد تسلم الملك سلمان في السعودية والانقلاب الذي قام به محمد بن سلمان ظهرت عدة تقارير صحفية تشير إلى أن محمد بن سلمان اعتمد بشكل كبير على مرتزقة بلاك ووتر والذين كان غالبيتهم من الجنسية الكولومبية، وسبق لهم أن شاركوا في معارك ضد العصابات اليسارية وكارتيلات المخدرات هناك، وأن أعدادهم تتراوح بين 500 و1000 شخص.
كما أن هؤلاء المرتزقة يتقاضون رواتب قليلة بالنسبة لنظرائهم من الجنسيات الأخرى، وهو ما يجعلهم مفضلين بالنسبة لمحمد بن سلمان، ويؤمن لهم محمد بن سلمان الإقامة في مبان منفصلة عن الجنود السعوديين ويعتمد عليهم في مهمات الاعتقال والإيقاف السريعة ضد الأمراء ذوي النفوذ والأتباع، كما أنه يستخدمهم لتخويف الآخرين الذين لم يعتقلوا بعد.
ويبدو أن محمد بن سلمان يعتمد بشكل كبير على مرتزقة بلاك ووتر بدلاً من الجنود السعوديين لأن الهدف هو السرية، ففي مجتمع قبلي ومترابط مثل السعودية من الممكن أن يسرّب خبر الذهاب لاعتقال أمير عبر العلاقات الشخصية فيهرب الأمير المطارد، أما مرتزقة بلاك ووتر الأجانب فإنهم مفصولون عن المجتمع ولا يعرفون لغته، بالإضافة إلى أن ولي العهد يخشى ويخاف من نواة جيش قوي قد يتشكل على يد السعوديين إذا أعطاهم الصلاحيات المطلقة للاعتقال والتوقيف.
ربما أصبح واضحاً للجميع أن بلاك ووتر بمسمياتها المختلفة وبأشكالها المختلفة لم تعد شركات أمنية فحسب بل هي أدوات احتلال واستعمار جديدة هدفها تفكيك الدول العربية إلى دويلات وضرب القوى المتنافسة بعضها ببعض من أجل إضعاف الدول والسيطرة على مقدراتها، وطالما أن الحروب الاستعمارية التوسعية الجديدة قائمة، والحروب الأهلية والإقليمية محتمل نشوبها في أي مكان وأي زمان فإن دور المرتزقة سيظل قائماً، بل سيتعمق ويتسع وعلينا جميعاً بمختلف أطيافنا من شعوب ومسؤولين أن نكون منتبهين لهذه المخططات التي تحاك ضد دولنا.