الوقت- منذ أكثر من شهر، يسعى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان إلى تلميع السجل المشين لبلاده في حقوق الإنسان لمحاولة تخفيف سخط المجتمع الدوليّ بسبب الجرائم التي يرتكبها حكام المملكة وبالأخص إدارة الرئيس الأمريكيّ الجديد، جو بايدن، وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكيّة، قد كشفت قبل مدة أنّ محمد بن سلمان يحاول تخفيف الضغوطات على الرياض من جانب الولايات المتحدة، لذلك فقد أمر بإصدار حكم على الناشطة السعوديّة المعروفة، لجين الهذلول، والذي يتضمن سجنها لفترة طويلة، لكن يسمح بخروجها من السجن بعد فترة.
في الأيام القادمة، ستقوم السلطات السعوديّة بالإفراج عن لجين الهذلول باعتبارها قضت المُدّة المحكوم عليها فيها، وذلك بعد حُكم بسجن خمس سنوات وثمانية أشهر، تزامن صدوره مع دخول الرئيس الأمريكيّ الجديد جو بايدن، إلى البيت الأبيض، وتعهّد الأخير بفتح ملف حقوق الإنسان في المملكة، لكن السلطات السعودية ستُبقِي على لجين بعُهدتها، ولن تسمح لها بالسفر إلى الخارج، في الوقت الذي تتحدث فيه الناشطة السعوديّة وفق ما ينقل أشقاؤها، عن تعذيب، وتحرّش، وتهديد، طالها وهي تقبع خلف الزنازين.
وبما أنّ محمد بن سلمان يتحكم ببلاد الحرمين، تغيرت مدة عقوبة الناشطة السعودية المعروفة لجين الهذلول، بطلب مباشر من ولي العهد، وقد أمرت محكمة في الرياض، قبل شهر تقريباً، بسجن الهذلول 5 سنوات و8 أشهر بعد اتهامها بالتحريض على تغيير نظام آل سعود وخدمة أطراف خارجية، وأرفقت الحكم بوقف تنفيذه لمدة سنتين و10 أشهر، ما يجعل الإفراج عنها ممكناً في الأيام القادمة.
ومن الجدير بالذكر، أنّ شقيق الناشطة السعودية المعتقلة في السجون السعودية، وليد الهذلول، كشف سبعة مطالب للجين، مع اقتراب موعد الإفراج عنها، وذكر في تغريدات على حسابه في "تويتر"، أنّ طلبات الناشطة الأساسيّة، تتركز على فتح تحقيق مستقل حول من أمر وخطط ونفذ اختطافها من أبوظبي إلى الرياض، إضافة إلى فتح تحقيق مستقل بحق من أمر وخطط ونفذ اختطافها من سجن ذهبان إلى سجن سري بمدينة جدة، وفتح تحقيق مع القاضي إبراهيم اللحيدان، لحذفه فقرات من صحيفة الادعاء (قائمة الشهود) عندما أرسل كامل ملفها إلى المحكمة الجزائية المختصة، وتلبية طلب لجين الهذلول باستدعاء الشهود المذكورين في صحيفة الادعاء الأساسيّة، ومحاكمة جميع الصحف السعودية التي شوهت سمعتها، وإلغاء حظر السفر عن جميع أفراد عائلتها.
يذكر أنّ منظمة الأمم المتحدة، ووزارة الخارجيّة الفرنسية طالبتا السعودية بالإفراج السريع عن لجين الهذلول، فيما انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عجلة السلطات في إدانة الهذلول بالتجسس، في محاكمة لم تطبق الإجراءات القانونيّة، ناهيك عن المطالبات التي وُجّهت للسعودية من قبل شخصيات سياسيّة أوروبيّة وأمريكيّة مختلفة، بعد أن اعتقلت السلطات السعودية الناشطة السعودية المعروفة منذ أيار عام 2018، وهي واحدة من أبرز الناشطات السعوديّات، اللواتي طالبن بمنح المرأة حُقوقاً في قيادة السيارة، وعلى صعيد حُقوق السفر، والزواج، وهي حُقوق جرى منح المرأة السعوديّة بعضها، لكن الهذلول كانت وراء القضبان.
يشار إلى أنّ شقيقة لجين الهذلول، غرّدت عبر حسابها على تويتر، متحدثة أنّه وفقاً لقرار المحكمة فإنّه من المُنتظر أن يكون الإفراج عن لجين قريباً، مؤكّدة أنّ الإفراج عنها ومنعها من السفر لا يُعتبر حُريّة، فيما لم تُعلّق الرياض أبداً على تحذيرات شقيقة لجين، وتحميل السلطات مسؤوليّة تعريض حياتها للخطر، في ظل وجود بايدن في البيت الأبيض، الذي يُحتّم التعامل مع حياة الهذلول بقدر أكبر من المسؤوليّة، وخاصة أنّ الإدارة الأمريكيّة بدأت بفتح ملفّات السعوديّة، واتخذت قراراً بتجميد بيع السلاح للرياض، بغض النظر عن ملف تقطيع الصحفيّ السعوديّ المعروف، جمال خاشقجي، الذي تم تقطيعه في قنصليّة بلاده في إسطنبول.
وكانت مؤسّسة حقوق الإنسان (HRF) قد عرضت رسائل على واجهة مبنى السفارة السعوديّة، والإمارات في واشنطن، للتذكير بجريمة اغتيال خاشقجي وإسكاته، وفيلم “المنشق” الذي تناول أحداث اغتياله، عبر تقنية الاسقاط الضوئيّ، إلى جانب فندق الرئيس السابق، دونالد ترامب، وكتبت المُؤسّسة على حسابها في “تويتر، أنّ أولئك الذين يتعاملون مع نظام آل سعود ويستفيدون منه، يقومون بتبييض جرائم الحكومة ومحمد بن سلمان الذي وصفته بالقاتل، وسط مُطالبات حُقوقيّة، لإدارة جو بايدن باتّخاذ إجراءات حاسمة فيما يتعلّق بملف حقوق الإنسان السعوديّ، وتزعم الإدارة الأمريكيّة الجديدة، أنها بصدد مُراجعته وتقييمه.
وفي هذا الخصوص، لم تعلن الرياض عن أيّ دليل لإثبات مزاعمها، حيث تقول عائلة الهذلول إن الدليل الوحيد المقدم ضد لجين في المحكمة، كان تغريدات عن قيادة المرأة للسيارة ومقاطع فيديو لها تناقش وصاية الرجل على المرأة والذي ألغي بعد وقت لائق من اعتقالها، كما اتهمت شقيقة الناشطة، لينا الهذلول المقيمة في بروكسل، السلطات السعودية بتعذيب لجين بالصعق الكهربائي والجلد، إضافة إلى التحرش الجنسيّ، وهذا ما نفته الرياض.
في غضون ذلك، اعتقلت السلطات السعودية الناشطة الهذلول البالغة 31 عاماً قبل عامين تقريباً، حيث حوكمت بموجب نظام "مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله"، وبدت الهذلول التي ظلت إلى حد كبير في الحبس الانفراديّ وأضربت عن الطعام لمدة أسبوعين في تشرين الثاني، احتجاجاً على ظروف سجنها، ضعيفة جسدياً في المحكمة، وكان جسدها يرتجف ويصاب بإغماء.
من ناحية أخرى، أصبحت قضية الناشطة لجين الهذلول تشغل الرأي العام العالميّ لأسباب مختلفة بعضها سياسيّ لا أكثر، ليبقى السؤال الأهم ماذا عن السعوديين الذين يقبعون في سجون المملكة المنتشرة في البلاد؟، لأسباب تنافي المنطق والقانون، فإما أن تصفق للسلطات السعودية أو أن تقبع في سجونها، حيث إنّ الشعب السعوديّ، لم ينسَ بعد المواطن حزام الأحمري، الموظف في ميناء جدة البحري، الذي اعتقلته السلطات قبل أشهر على خلفية بثه مقطع فيديو أبدى فيه رفضه وجود ملهى ليليّ قرب منزله في جدة، وأصدرت حكماً بسجنه لمدة 4 أعوام وغرامة بقيمة 80 ألف ريال سعوديّ.
ورغم أنّ المملكة رضخت في قضية الهذلول لإرضاء واشنطن، لكنها منذ سنوات لم تأبه لردود الأفعال المحليّة والدوليّة من اتخاذ مثل هكذا قرارات تعسفية، رغم أنّها تواجه مشاكل دوليّة كبيرة ومعقدة بينها جريمة تقطيع الصحفيّ السعوديّ المعروف، جمال خاشقجي، وملف سجناء الرأيّ والمدافعات عن حقوق الإنسان في السعودية، ناهيك عن حرب اليمن التي أماطت اللثام عن وجوه حكام السعودية.
ومراراً، بيّنت الكثير من التقارير الإعلامية أنه من غير المعقول أن تتناسى المنظمات الدوليّة والحقوقيّة بقية السجناء القابعين داخل السجون في غياهب النسيان، معللة رضوخ محمد بن سلمان في هذه القضية، بالتعتيم على انعدام الحقوق المدنيّة والسياسيّة منذ توليه ولاية العهد عام 2017، حيث عمدت سلطاته إلى تنفيذ حملات كبيرة من الاعتقالات التعسفيّة بحق المعارضين، والناشطين، والمثقفين، إضافة إلى المنافسين من العائلة الحاكمة.