الوقت- تستمر عمليات تنظيف إرث ترامب بسرعة من البيت الأبيض بأوامر تنفيذية جديدة أصدرها الرئيس الأمريكي الجديد، وفي غضون ذلك، وبالنظر الى انتقادات بايدن للإدارة السابقة فيما يتعلق بانسحابها أحادي الجانب من الاتفاق النووي مع إيران، ففي الأيام التي أعقبت بدء الحكومة الامريكية الجديدة لأعمالها ينتظر المجتمع الدولي والأطراف المتبقية في الاتفاق النووي الإعلان عن سياسة رسمية وواضحة للبيت الأبيض بشأن هذه القضية الدولية المهمة.
وفي خضم ذلك في 28 كانون الثاني (يناير)، تم الإعلان عن جزء من السياسة الرسمية للإدارة الجديدة، وقال وزير الخارجية الأمريكي الجديد أنتوني بلينكين في مؤتمر صحفي، "بايدن شفاف جداً، ففي حال أوفت إيران بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، فستعود امريكا للاتفاق، إذا عادت إيران إلى الاتفاق النووي والتزمت به، فسنشكل فريقا متخصصا لمناقشة العودة إلى هذا الاتفاق. وبعد ذلك سنستخدم مع حلفائنا الاتفاق النووي كمنصة لحل القضايا الأخرى. ولكن هناك طريق طويل لنقطعه في هذا الصدد."
ويمكن تقييم هذه التصريحات على أساس جهود إدارة بايدن لاستغلال الإرث الذي خلفه دونالد ترامب.
حكومة بايدن واستمرار الخداع في السياسة المعادية لإيران
يمكن تقييم الشرط المسبق للحكومة الأمريكية للعودة إلى الاتفاق النووي على أنه غير صحيح ومحاولة لتحسين الصورة الدولية لعدم موثوقية امريكا تبعاً لثلاثة أسباب.
على المستوى الأول، فان الادعاء بأن إيران انتهكت الاتفاق النووي لا أساس له على الإطلاق. حيث انه من الجلي للمجتمع الدولي بأسره أنه بأمر من ترامب الصادر في 8 مايو 2018، كانت امريكا هي التي سلكت طريق مغادرة الاتفاق النووي. وعلى نطاق أوسع، انتهكت امريكا قرار مجلس الأمن رقم 2231. والواقع أن العقوبات الأمريكية أحادية الجانب وعدم قدرة الأطراف المتبقية على الوفاء بالتزاماتها لعبت الدور الأهم في محاولة طهران اتخاذ خطوات متوازنة لتقليص مستوى التزاماتها. لذلك، لا بد من القول إن امريكا هي طرف يجب عليه أولاً أن يمهد الطريق للعودة إلى الاتفاق من خلال الوفاء بالتزاماته برفع جميع العقوبات والتعويض عن الأضرار التي لحقت بإيران أثناء العقوبات. وفي الواقع، ليس لأمريكا ولاية قضائية على طبيعة الاتفاق النووي بين مجموعة 4 + 1 بعد انسحابها من الاتفاق النووي، ومن أجل العودة اليه يجب عليها أولاً رفع العقوبات. إذاً الآن الطرف الذي يجب أن يبني الثقة ليس إيران بل امريكا.
وعلى المستوى الثاني، يمكن اعتبار تصريحات بلينكين جزءًا من جهود إدارة بايدن لاستغلال إرث ترامب وإرضاء اللوبي الصهيوني. كان الرأي السائد للمراقبين السياسيين هو أنهم، على عكس مزاعم المقربين من بايدن والرئيس الأمريكي الجديد نفسه، سيحاولون بالتأكيد استخدام العقوبات التي فُرضت خلال عهد ترامب كوسيلة للتفاوض والضغط على إيران. كما تؤكد تصريحات بلينكين الأخيرة أن وزارة الخارجية الأمريكية تحاول استخدام عقوبات ترامب كورقة ضغط على طهران.
في الواقع، تشير تصريحات وزير الخارجية الأمريكية إلى نوع من الاستعداد لمواصلة سياسة الضغط الأقصى لإدارة ترامب ضد إيران. كان بايدن أحد الشخصيات البارزة في إدارة أوباما التي وقعت الاتفاق النووي. وفي ذلك الوقت، لم يتردد البيت الأبيض في القول إن امريكا يمكن أن تتنازل عن التزاماتها متى شاءت. والدليل على ذلك كلام وزير الخارجية جون كيري من إدارة أوباما، الذي قال إن الاتفاقية تمت بطريقة ترفض فيها حكومة امريكا الوفاء بالتزاماتها متى شاءت. في الواقع، بايدن ليس بأي حال من الأحوال شخصية ذات مصداقية في الوفاء بالتزامات الولايات المتحدة، وترى طهران أن تصرفات الحكومة الأمريكية والحكومات الغربية الأخرى في الاتفاقية هي الأساس لعملها المستقبلي، وليس الشعارات.
وعلى المستوى الثالث، من الضروري الانتباه إلى حقيقة أن مزاعم وزير الخارجية الأمريكية تتم في وضع حيث ان الجمهورية الإسلامية الايرانية، على عكس تصورات المتطرفين وشركاء ترامب، لم تستسلم قط للعقوبات الامريكية غير القانونية بل قد هزمت العقوبات في هذه الحرب الاقتصادية اللاإنسانية والان لا يوجد حاجة لتقديم تنازلات لواشنطن التي لم تعد تملك الوسائل لممارسة الضغط. وقد تم بالفعل إثبات فشل هذا النوع من الإجراءات؛ لأنه إذا نجحت هذه الطريقة، فما كان لترامب ان يغادر البيت الأبيض وفي نفسه حسرة اتصال هاتفي من طهران.