الوقت- في 14 يناير 2019، اجتمع وزراء الثروة النفطية لكل من مصر والأردن والكيان الإسرائيلي وفلسطين وإيطاليا وقبرص واليونان، وأعلن حينها عن إنشاء "منتدى غاز شرق المتوسط"، ومقره القاهرة التي استضافت ذلك الاجتماع.
ولكن سرعان ما تحول الحلم المصري بتحويل مصر إلى مركز إقليمي للغاز في منطقة شرق المتوسط إلى سراب وذلك بعيد الإعلان عن التطبيع بين الإمارات والكيان الصهيوني برعاية أمريكية، فالتطبيع لم يكن سياسياً فقط بل له أهداف اقتصادية كثيرة سرعان ما كشرت عن أنيابها ومن هذه الأهداف يمكن الإشارة إلى مشروع خط الأنابيب "إيست ميد" بين الكيان الإسرائيلي وأوروبا.
ففي الأول من تشرين الأول من عام 2020، كشف النقاب عن اتفاق ثلاثي أمريكي إسرائيلي إماراتي «لتطوير استراتيجية مشتركة» في قطاع الطاقة، تشمل تطوير بُنى تحتية لنقل الغاز والنفط من آسيا والشرق الأوسط إلى أوروبا.
ويعد خط أنابيب النفط الممتد بين ميناء إيلات جنوبي الكيان الإسرائيلي على البحر الأحمر، وميناء عسقلان على البحر المتوسط من أبرز مقومات هذه البنى التحتية التي تسعى كل من الإمارات وأمريكا والكيان الإسرائيلي إلى تفعيلها.
وعقب ذلك علقت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية على هذا الاتفاق بالقول إن الكيان الإسرائيلي على وشك أن يلعب دوراً أكبر بكثير في تجارة الطاقة وسياسة البترول في المنطقة، بعد أن فعّل اتفاق الإمارات معها خط الأنابيب المهجور منذ ستينيات القرن الماضي.
اتفاق يدمر الحلم المصري
يهدف هذا الاتفاق إلى تطوير بُنية تحتية قائمة و إنشاء جديدة، لنقل النفط من دول الخليج الفارسي إلى أسواق الاستهلاك في أوروبا، والذي يمر معظمه حالياً عبر قناة السويس.
ويبلغ طول خط أنابيب النفط الذي يصل بين إيلات و عسقلان 254 كليومتراً، وهو في الحقيقة خطان أحدهما للنفط وآخر للغاز. وتصل طاقته التصديرية إلى 1.2 مليون برميل نفط يوميً، وتم تجهيزه بمضخات عكسية، تسمح بنقل النفط بين مينائي إيلات وعسقلان في الاتجاهين.
ويضم ميناء عسقلان خزانات للنفط بسعة 2.3 مليون برميل، ويستقبل ناقلات للخام بحجم 300 ألف طن، بما يفوق قدرة قناة السويس على استيعاب هذا النوع من الناقلات.
ومنذ عام 1948، لم يتوقف الكيان الصهيوني عن التفكير في إيجاد بديل لقناة السويس، التي تشكل إحدى أهم الممرات في العالم لنقل النفط إلى أوروبا، بدلاً من دوران السفن حول افريقيا، وهي ثاني أكبر مصدر للعملة الأجنبية لمصر بعد السياحة، وذلك بهدف الضغط الاقتصادي على مصر.
قناة السويس تم افتتاحها بطول 193 كليومتراً عام 1869 في عهد الخديوي إسماعيل، بينما تم في عهد الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي عام 2015 افتتاح تفريعة بطول 72 كليو مترا!، بتكلفة 61 مليار جنيه (نحو 4 مليارات دولار) بهدف تقليص فترة انتظار السفن والسماح بمرورها في الاتجاهين طوال الوقت وهدف هذا المشروع التوسعي للقناة هو زيادة الإيرادات بما يزيد على 250 في المئة، إلا أن الإيرادات تناقصت لتسجل في العام المالي 2019/2020 المنتهي في حزيران الماضي، بمقدار 32 مليون دولار، إلى 5.72 مليارات دولار.
كما أعلنت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن حركة التجارة في قناة السويس مرشحة للتناقص بأكثر من 17 في المئة، مع تشغيل أنبوب «إيلات-عسقلان» بموجب الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.
ضربة غادرة
إذاً هي ضربة غادرة من الإمارات والكيان الإسرائيلي الهدف منها تجاوز قناة السويس عبر مشروع عسقلان الذي سيصل البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، و سيوفر طريقاً موازياً لقناة السويس المصرية، عبر شبكة خطوط أنابيب ستنقل النفط والغاز ليس فقط إلى المنطقة، ولكن إلى مناطق كثيرة في أوروبا وآسيا.
قبل هذا الاتفاق كان معظم النفط القادم من دول الخليج الفارسي نحو الأسواق الأوروبية يمر إما عبر قناة السويس أو عبر خط الانابيب المصري سوميد الذي تبلغ طاقته نحو مليونين ونصف المليون برميل يومياً.
وتجدر الإشارة هنا إلى صعوبة هذا الطريق نسبياً حيث إن ناقلات النفط العملاقة لا تستطيع المرور عبر قناة السويس بالتالي إما تفرغ كل حمولاتها في مرفأ عين السخنة النفطي على البحر الاحمر ليجري ضخه عبر انبوب سوميد إلى مرفأ الاسكندرية على البحر المتوسط ويعاد تحميله في ناقلات النفط لينقل الى الأسواق الأوروبية. أما الخيار الآخر فهو تفريغ جزء من الحمولة في عين السخنة بحيث تستطيع الناقلة المرور عبر قناة السويس.
الرد المصري الخجول على هذه الاتفاقية
رغم حجم الأضرار التي قد تسببها هذه الاتفاقية بالاقتصاد المصري وتبخير الأحلام المصرية بتحقيق عائدات كبيرة من تصدير النفط والغاز عبر قناة السويس إلّا أن الرد المصري كان ضعيفاً جداً على هذه الاتفاقية واكتفت بتصريح لرئيس هيئة قناة السويس المصرية أسامة ربيع حيث قال: هناك متابعة لما يتم الإعلان عنها بشأن وجود طرق بديلة للقناة، مشيراً إلى أنه من وقت لآخر يتم تقديم حوافز ومشاريع وخدمات جديدة، حتى تكون الأفضل من أي طرق أخرى.
ورغم أن دول الخليج الفارسي ومن بينها الامارات تملك نصف أسهم خط أنابيب سوميد البالغ طوله 320 كيلو متراً ويعمل حالياً بربع طاقته بسبب تراجع الطلب على النفط، إلا أن إبرام الامارات هذا الاتفاق مع اسرائيل قد يلحق الضرر بمصالح مصر الاقتصادية وستتأثر عائدات قناة السويس سلباً عندما يبدأ النفط الإماراتي وغيره بالتدفق عبر الأنبوب الاسرائيلي نحو الأسواق الأوروبية.
يبدو أن قدرة مصر على الرد لن تتجاوز تصريحات خفيفة من مسؤولين من الصف الثالث والرابع على المستوى السياسي المصري بينما يكتفي الصف الأول والثاني بعدم مغازلة هذا التقارب بين الإمارات و الكيان الإسرائيلي.