الوقت- في إطار محاولاته للسيطرة على انتفاضة الشعب الفلسطيني عمد الكيان الإسرائيلي الى اعتماد خطط جديدة علّه يتمكن من تطويق هذه الانتفاضة التي أطلق عليها المراقبون اسم الانتفاضة الثالثة والتي يتوقع لها أن تمتد خلال الأيام القادمة لتشمل جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبسبب إخفاق خططه الأمنية والعسكرية السابقة في السيطرة على الأوضاع خصوصاً في الضفة الغربية والقدس الشرقية التي يسكنها نحو مليوني ونصف المليون فلسطيني قام الكيان الإسرائيلي بتغيير هذه الخطط لتحقيق عدة أهداف يمكن تلخيصها بما يلي:
1- خفض مستوى التوتر بين القوات الإسرائيلية والشعب الفلسطيني من خلال دعم المستوطنين المتطرفين للقيام بمهاجمة الفلسطينيين للايحاء بأن ما يحصل لا علاقة له بالمؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية بل هي مواجهات بين المستوطنين والفلسطينيين، وأصدرت السلطات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة قوانين تسمح للمستوطنين بحمل السلاح في القدس والضفة الغربية وإطلاق الرصاص الحي على كل فلسطيني لمجرد الشك فيه بأنه يسعى لتنفيذ عملية استشهادية.
2- يسعى الكيان الإسرائيلي الى الايحاء عبر ماكنته الاعلامية بأن انتفاضة الشعب الفلسطيني لن تؤدي سوى الى مزيد من إراقة الدماء والترويج الى ان الحوار والتفاهم السلمي هو الطريق الوحيد لإنهاء التوتر في الأراضي المحتلة.
يأتي هذا في وقت قامت فيه القوات الإسرائيلية بإعتقال المئات من الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية خلال الأيام القليلة الماضية وارتفع عدد الجرحى الفلسطينيين الى أكثر من 1300 جريح جراء الاستخدام المفرط للقوة من قبل القوات الإسرائيلية وهو ما يتنافى مع دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الى تهدئة الاوضاع واللجوء الى الحوار. ويهدف الكيان الإسرائيلي من هذه الاجراءات الى الايحاء بأن استمرار الانتفاضة لن يثمر سوى عن مزيد من الخسائر في صفوف الفلسطينيين.
3 - سعى الكيان الإسرائيلي الى الضغط على الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية التي يقودها محمود عباس لتوريطها أكثر من السابق بقمع الانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية للايحاء بأن المواجهات هي بين الفلسطينيين أنفسهم وليس بينهم وبين الكيان الإسرائيلي كما حصل خلال وبعد العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة الذي استمر 51 يوماً صيف العام الماضي والذي أودى بحياة الآلاف من المدنيين الفلسطينيين بين شهيد وجريح.
4 - طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الامريكي جون كيري من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التحرك لإنعاش الأمل في نفوس الفلسطينيين بأقامة دولتهم المستقلة الى جانب دويلة الكيان الإسرائيلي في أطار حل الدولتين لإقناعم بالكف عن الاستمرار بالانتفاضة، خصوصاً بعد اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين ورفع علمها للمرة الأولى على مبنى المنظمة الدولية وسط حضور كبير لقادة الدول.
5 - يسعى الكيان الإسرائيلي الى تعميق الخلاف بين حركتي فتح وحماس وباقي الفصائل الفلسيطنية لإجهاض مشروع المصالحة الوطنية الفلسطينية من خلال توريط الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية التي تقودها حركة فتح برئاسة محمود عباس بقمع المنتفضين الفلسطينيين في الضفة الغربية خصوصاً أنصار حركة حماس كما حصل قبل عدة سنوات والذي أدى الى تأزم الاوضاع بين الحركتين وأسفر عن إعتقال المئات من كوادر الطرفين بينهم الكثير من القياديين. ويعتقد المراقبون ان الحفاظ على اللحمة الوطنية الفلسطينية في إطار مشروع المصالحة هو أحد أسباب وعوامل نجاح الانتفاضة واستمرارها في القدس والضفة الغربية وباقي الاراضي الفلسطينية المحتلة في المرحلة الراهنة.
ومن المعلوم أن الكيان الإسرائيلي يخشى من تراجع شعبية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والجهاز السياسي التابع له والذي يقوده صائب عريقات بإعتباره يمثل حلقة الوصل في مفاوضات التسوية مع كيان الاحتلال، ولهذا تسعى تل أبيب الى دعم عباس الذي لا يزال في منصبه على الرغم من انتهاء ولايته دستورياً في 9 يناير 2009، وذلك من أجل إبقاء المسار مفتوحاً أمام استئناف مفاوضات التسوية في أي وقت تشاء وبرعاية ودعم كاملين من الادارة الامريكية عرّابة هذه المفاوضات. وهذا التوجه يخدم الكيان الإسرائيلي كونه يسهم - حسب ظنّه - بإضعاف المحور الآخر الذي تقوده فصائل المقاومة خصوصاً حركتي حماس والجهاد الاسلامي والذي يعتقد بأن مواصلة الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد والاستراتيجي لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني في الأرض والوطن وفي مقدمتها حق العودة.
وتؤكد جميع استطلاعات الرأي بأن شعبية فصائل المقاومة الفلسطينية في تزايد مستمر بالقياس الى شعبية السلطة الفلسطينية التي تقود مفاوضات التسوية مع الكيان الإسرائيلي لاعتقاد الشعب الفلسطيني بعدم جدوى هذه المفاوضات من جانب ونجاح المقاومة في تحقيق انتصارات باهرة على الكيان الإسرائيلي من جانب آخر والتي أجبرت الأخير على توقيع هدنة مع حركة حماس في قطاع غزة وأرغمته على التفاوض معها لإبرام صفقة تبادل الاسرى بين الجانبين.
كما تؤكد استطلاعات الرأي في الاوساط الفلسطينية الشعبية بأن الفلسطينيين يرجحون الاستمرار بالانتفاضة على أي مشروع تساومي مع الكيان الإسرائيلي مهما كانت التحديات ومهما كانت التضحيات لإعتقادهم بأن استمرار الانتفاضة هو الخيار الاستراتيجي الوحيد الذي يمكن من خلاله إرغام العالم أجمع ومنظماته الدولية لاسيما الامم المتحدة ومجلس الأمن الدولي للضغط على الكيان الإسرائيلي وإجباره على الاستسلام وإعادة جميع الحقوق المغتصبة للشعب الفلسطيني.
وتجدر الاشارة هنا الى ان سلطات الكيان الإسرائيلي وخصوصاً شخص رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يخشون من استمرار الانتفاضة الفسطينية وتفاقم الاوضاع في الاراضي المحتلة بسبب تزامنها مع التدهور السياسي والاجتماعي الذي يشهده هذا الكيان منذ فترة ليست بالقصيرة نتيجة الخلافات السياسية المتفاقمة بين أطراف الحكومة والاحتجاجات التي يواجهها نتنياهو من العديد من الحاخامات الصهيونية بسبب إخفاقاته على الصعيدين الداخلي والخارجي وفي مقدمتها فشله في منع الادارة الامريكية من ابرام الاتفاق النووي مع ايران في إطار المجموعة السداسية الدولية التي تضم بالاضافة الى أمريكا كلا من روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.