الوقت- في رد صريح وواضح على تصريحات وزير الشؤون الاجتماعيّة الفلسطينيّ، عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير، أحمد مجدلاني، التي تحدثت عن وجود ما أسماها إشارات من إدارة الرئيس الأمريكيّ الجديد، جو بايدن، يمكن البناء عليها بما يخص القضية الفلسطينيّة، الأحد المنصرم، أدانت حركة المقاومة الإسلاميّة في فلسطين "حماس"، تصريحات الوزير الفلسطينيّ، وفي بيان صحافيّ على لسان المتحدث باسم الحركة، حازم قاسم اعتبرت حماس أنّ هذه التصريحات تعكس "استمرار توهم" البعض بمسار تسويّة يمكن أن ينتج شيئاً للشعب الفلسطينيّ من خلال توسط أمريكا بين السلطة الفلسطينيّ التي يرأسها محمود عباس، والكيان الصهيونيّ الغاصب، متجاهلين تأكيد وزير خارجيّة واشنطن الجديد، اعترافه بالقدس عاصمة للمحتل المجرم وإبقاء سفارة بلاده فيها.
ثقة معدومة
عكست تصريحات حركة المقاومة الإسلاميّة "حماس"، التي تلت مزاعم وزير التنمية الاجتماعية، أحمد مجدلاني، انعدام الثقة بأمريكا التي تعتبر الكيان الصهيونيّ المعتدي طفلها المدلل، منذ قيام الرئيس الأمريكي، وودرو ويلسون، بتبني ودعم "وعد بلفور" الذي أعطاه رئيس الوزراء البريطانيّ، جيمس بلفور، لليهود لإنشاء دولتهم المزعومة في فلسطين،
وعلى ما يبدو فإنّ حماس قرأت المشهد بشكل جيد، وأخذت العبرة من التاريخ، خاصة في عهد الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، وما قدمه لصديقه رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، من خلال ما أُطلق عليها اسم "خطة السلام للشرق الأوسط" والمعروفة بـ "صفعة القرن"، بمباركة صامتة لبعض الدول العربيّة، والتي شملت الاعتراف بالحدود الجديدة للكيان الصهيونيّ الأرعن، حيث توسعت فيها وضمت القدس إليها إضافة إلى الأراضي التي استوطن فيها العدو الغاشم في الضفة الغربيّة.
وعلى هذا الأساس، أظهرت حماس من خلال تصريحها إدراكها للأبعاد التاريخيّة، التي تدفع أمريكا للدفاع الدائم عن مصالح العدو الإرهابيّ في شتى الإدارات الأمريكيّة، وحتى في أشد لحظات الخلاف بين واشنطن وتل أبيب، حيث إنّ واشنطن بقياداتها المتعاقبة لم تتجاوز "الخطوط الحمراء" في رعاية المصالح الصهيونيّة، وهذا يعود لأسباب كثيرة سنتحدث عنها في وقت لاحق.
وإنّ وصف الحركة للآمال المتعلقة بأمريكا بايدن بالـ "توهم"، يعود للقناعة الراسخة بأنّ "إسرائيل" تمثل المعسكر الغربيّ والأمريكيّ في المنطقة، والحامية لمصالحه في الشرق الأوسط، وما من أحد يجهل حجم الدعم العسكريّ والسياسيّ والاقتصاديّ الذي يتلقاه العدو المُستبد من الإدارات الأمريكيّة منذ نشأة الدولة المزعومة في 14 أيار 1948 بعد انتهاء الانتداب البريطانيّ على فلسطين.
ومن الجدير بالذكر، أنّ عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير الفلسطينيّة، أحمد مجدلاني، قال في وقت سابق أنّ المؤشرات القادمة من الإدارة الأميركية الجديدة يمكن البناء عليها، وأنّ الفلسطينيين يدركون أنّ الملف الفلسطينيّ - الصهيونيّ لن يكون أولوية لإدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على الأقل في العام الأول من إدارته.
وتتلخص الإشارات التي تحدث عنها مجدلاني في تصريحات، بما يتعلق باستئناف العلاقات الثنائيّة الفلسطينيّة - الأمريكيّة ورفض الاستيطان والضم واعتبار حل الدولتين الحل الوحيد الممكن للصراع مع الكيان الدمويّ، في ظل المؤشرات القائمة حتى الآن، وهي أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستعود إلى المسار التقليديّ لكل الإدارات الأمريكيّة السابقة في التعامل مع الملف الفلسطينيّ.
وهنا لا بد من التذكير، بتصريحات المرشح لتولي حقيبة الخارجية في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أنتوني بلينكين، التي أكّد فيها مواصلة اعتراف واشنطن بالقدس المحتلة "عاصمة للكيان" وبقاء السفارة الأمريكيّة في المدينة المقدسة المحتلة، وذلك خلال إجابته عن أسئلة أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيّ، في جلسة للجنة العلاقات الخارجيّة، من أجل التصديق على ترشيحه لتولي حقيبة الخارجية في الإدارة الأمريكيّة الجديدة، ما أثار غضب الفلسطينيين وقياداتهم.
وكانت حركة حماس قد دعت الرئيس الأمريكي الجديد إلى إنهاء القرارات المتعلقة بمحاولات تصفية القضيّة الفلسطينيّة لمصلحة كيان الاحتلال، وقال المتحدث باسم الحركة، فوزي برهوم، أنّه يجب على الرئيس بايدن تصحيح المسار التاريخيّ للسياسات الأمريكيّة الخاطئة والظالمة للشعب الفلسطينيّ، مُطالباً بإنهاء القرارات المتعلقة بمحاولات تصفية القضية الفلسطينيّة، وفي مقدمتها المتعلقة بالقدس واللاجئين الفلسطينيين.
وفي 6 كانون أول عام 2017، اعترف الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة موحدة للكيان الغاصب، وفي 3 آب من العام 2018، أعلنت إدارة ترامب قطع كل المساعدات لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، بعد أن كانت على مدى سنوات طويلة المانح الأكبر للوكالة، وقد حصلت تل أبيب، وفق ما تقوله المعطيات، على دعم كبير من ترامب خلال 4 سنوات، من ضمنها مكاسب سياسية عديدة على حساب العرب والفلسطينيين تفوق ما حصلت عليه من أيّ رئيس آخر في تاريخ أمريكا، حيث أعلن ترامب في 28 كانون الثاني عام 2020، ما تعرف بـ"صفقة القرن"، وهي خطة أمريكيّة لتسوية سياسيّة تتضمن تصفية القضية الفلسطينيّة.
استراتيجيّة أمريكيّة
من الضروري الانتباه إلى تصريحات رئيس الهيئة الإسلاميّة العليا في مدينة القدس المحتلة، وخطيب المسجد الأقصى، الشيخ عكرمة صبري، الذي أشار إلى أنّ التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الأمريكيّ الجديد، يؤكد على ثبات الاستراتيجيّة الأمريكيّة في دعم العدو الصهيونيّ، موضحاً أنّ الدعم الأمريكي لتل أبيب سيستمر، ولكن الفرق بين ترامب و بايدن، هو في بعض التكتيكات ليس إلا، أما الاستراتيجية فهي ثابتة في السياسية الخارجيّة الأمريكية تجاه الكيان الصهيونيّ والعرب بشكل عام. معتبراً أنّه من الخطأ أن نراهن على رئيس أمريكي جديد وسابق، كما أنه من الخطأ أن نراهن على رئيس وزراء صهيونيّ حالي أو قادم، لأن تغيير الأشخاص لا يعني تغيير الاستراتيجيات فهذه ثوابت بالنسبة لهم.
إضافة إلى ذلك، لفت الشيخ عكرمة صبري، إلى أنه من الواجب على العرب أن يعوا هذا الأمر أولا، ويعتمدوا على أنفسهم، لأنه من الخطأ والخطيئة المراهنة على غيرهم، فعدد المسلمين في العالم اليوم يزيد على المليار مسلم، مؤكّداً أنّ مراهنة العرب والمسلمين على غيرهم يدل على الفشل والهزيمة الداخليّة، موجهاً رسالة لإدارة بايدن، مفادها "نحن في القدس مرتبطون بقرار ربانيّ، ووجودنا بالقدس بقرار ربانيّ، وليس من هيئة الأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدوليّ"، وخاطب أمريكا قائلاً: "قدسنا لن تتغير، ويجب عليكم أن تغيروا من سياستكم".
وتأكيداً على كل ما ذُكر، يغيب الكيان الصهيونيّ القاتل، القرارات الدوليّة بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحته للدم الفلسطينيّ وخرقه الفاضح لكل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان، إضافة إلى مخطط الضم امتداداً لعملية التوسع على حساب الأرض والحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ الأعزل، في إصرار واضح من حكومة العدو على قتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض عقب إدخال العديد من الدول الخليجيّة والعربيّة في حظيرة التطبيع الأمريكيّة.
في الختام، ترتكب حركة "فتح" خطأ تاريخيّاً في تعويلها على واشنطن التي تدعم الصهاينة المحتلين بشكل لا متناهٍ على حساب الحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ، رغم علمها اليقينيّ أنّ الاحتلال قائم على الإرهاب المنظم وأنّ مواقف الإدارة الامريكية ترسخ الاحتلال والكراهية الراسخة والدائمة في المنطقة بما يخدم مصالحها، ويفصل شرق الوطن العربيّ عن مغربه.