الوقت- بعد قيام شركة فيسبوك مؤخراً بحظر أيّ صفحات أو منشورات أو كلمات ترد فيها كلمة "الحشد الشعبيّ" أو ما يعرف بالقوات النظاميّة التابعة للقوات المسلحة العراقيّة، أوضح معاون رئيس أركان هيئة الحشد الشعبيّ، أبو علي الكوفي، في وقت سابق، وجود "حرب إلكترونيّة" تشنها مواقع التواصل الاجتماعيّ ضد حسابات الحشد وفصائل المقاومة، قائلاً: " نحن ندافع عن العراق وشعبه بدمائنا وأرواحنا ولا نعول على مجرد تطبيقات تديرها مجموعات تابعة للأمريكان والصهاينة، بحسب مواقع إخباريّة.
وفي هذا الصدد، اعتبر الكوفي أنّ تلك التطبيقات لم تعد الحصريّة في الفضاء الإلكترونيّ بل ظهرت أقطاب أخرى روسيّة وصينيّة وغيرها، يمكن الاعتماد عليها، وشدّد في الوقت ذاته على أنّ تصرفات العدو الخارجيّ تزيدهم قوة وصلابة، موضحاً أنّهم غير مهتمين للتصرفات الصبيانيّة الصادرة من إدارة تلك المواقع.
الحشد الشعبيّ
تتألف قوات الحشد العشبيّ من حوالي 67 فصيلاً تشكلت بعد فتوى "الجهاد الكفائيّ" التي أطلقتها المرجعيّة الدينيّة في النجف الأشرف، وذلك بعد سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابيّ، على مساحات واسعة في عدد من المحافظات الواقعة شمال بغداد، وأُقر قانون هيئة الحشد الشعبيّ بعد تصويت مجلس النواب العراقيّ بأغلبية الأصوات لصالح القانون في 26 نوفمبر 2016.
وقد تكونت نواة الحشد الشعبيّ من بعض الفصائل المسلحة بعد أن أصدر رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة آنذاك، نوري المالكي، أوامر بتعبئة الجماهير وتشكيل هيئة الحشد الشعبيّ، كي يقفوا بوجه التهديدات الإرهابيّة لتنظيم داعش على بغداد وأطرافها، وبدأ مصطلح الحشد الشعبيّ يُعرف في 13 آذار 2014 بعد اجتماع بين المالكي وقادة الكتائب المسلحة، واتفقوا على حماية بغداد وسامراء والمناطق الغربيّة، وقد تشكل الحشد في البداية من كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق ومنظمة بدر وقوات الشهيد الصدر، ثم توسع الحشد من المتطوعين الذين استجابوا لفتوى "الجهاد الكفائيّ" ، وضم الحشد كل الأطياف الدينيّة والمذهبيّة والقوميّة والمناطقيّة.
يشار إلى أنّ قوات الحشد الشعبيّ تعمل بإمرة القيادات الأمنيّة العراقيّة، وقد تعرض لحملات استهداف كثيرة دفعت المرجعيّة الدينيّة في النجف، في وقت سابق، لانتقاد ما أسمتها (الحملة المسعورة) ضد مقاتلي الحشد الشعبيّ، حيث بيّن ممثل المرجعية الدينيّة النجفيّة في محافظة كربلاء، الشيخ عبد المهدي الكربلائيّ، أنّ الممارسات السيئة التي تتهم بها قوات الحشد الشعبيّ لا تمثل النهج العام لأن أولئك المقاتلين يضحون في سبيل الوطن ويعرضون عوائلهم للمعاناة بسبب حبهم لبلادهم.
وسام شرف
" كيف لمن لا يخشى الموت أن يخشى عقوباتكم"، رسالة وجهها السبت المنصرم، معاون رئيس أركان هيئة الحشد الشعبيّ، أبو علي الكوفي، للإدارة الأمريكيّة، عقب قيام واشنطن بمعاقبة الشخص الثاني في الحشد الشعبي العراقيّ، وهو رئيس هيئة أركان الحشد الشعبيّ في العراق، عبد العزيز المحمداوي المعروف باسم "أبو فدك"، الأربعاء الماضي، معتبراً تلك العقوبات على القادة الوطنيين بمثابة "وسام شرف" لكل المجاهدين.
وفي تصريح صحافيّ، أشار الكوفي إلى أنّ العقوبات الأمريكيّة تندرج ضمن أسلوب "الحرب النفسيّة"، وتدل على إرباك الرئيس الأمريكيّ المنتهية ولايته دونالد ترامب، في الوقت الذي فرضت فيه وزارة الخزانة الأمريكيّة سابقاً، عقوبات مماثلة على رئيس هيئة الحشد الشعبيّ، فالح الفياض، وسط صمت مطبق من قبل الحكومة العراقيّة وإدانات ضعيفة وخجولة لا ترتقي ومستوى الحدث، بحسب الإعلام العراقيّ.
وحول هذا الموضوع، وصف بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، رئيس هيئة أركان الحشد الشعبيّ في العراق، عبد العزيز المحمداوي، بـ "الإرهابيّ العالميّ"، فيما أدرج في القائمة الخاصة بالأمر التنفيذي (13224) ، الذي ينص على تجميد ممتلكات وحظر التعامل مع الأشخاص الذين تلصق بهم واشنطن تهم الإرهاب أو تزعم أنهم يهدَدون بارتكاب أعمال إرهابيّة أو يدعمونها.
علاوة على ذلك، قال البيان الأمريكيّ أنّ "أبو فدك" هو الأمين العام السابق لكتائب حزب الله، المصنفة "منظمة إرهابيّة" من قبل الولايات المتحدة، وزعم أنّها مدعومة من إيران وتسعى إلى دعم أجندتها في المنطقة، مدعيّاً أنّ كتائب حزب الله العراقيّة مسؤولة عن هجمات بالعبوات الناسفة، وهجمات صواريخ، وقنص، وسرقة موارد الدولة العراقية، وقتل واختطاف وتعذيب المتظاهرين السلميين والناشطين في العراق، وتناسى البيان دور أجهزة وأدوات تنفيذ السياسة الخارجيّة الأمريكيّة وأهدافها الخبيثة في العراق، على كافة الأصعدة الإعلاميّة، والدعائيّة، والعسكريّة، والاقتصاديّة، والسياسيّة، و الإنسانية.
وكان واضحاً من بيان وزارة الخارجية الأمريكية حجم الغضب العارم من دور المحمداوي، الذي عمل على إعادة تشكيل مؤسسات الدولة العراقية، والدفاع عن البلاد ومحاربة تنظيم داعش الإجراميّ، فيما أثبتت واشنطن يوم 3 كانون الثاني 2020 متى حقدها على العراقيين المقاومين لوجودها السرطانيّ في المنطقة، عندما ارتكبت عمليّتها الإجراميّة بحق قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبيّ، أبي مهدي المهندس، بالقرب من مطار العاصمة العراقية بغداد، دون أيّ خجل من إجرامها بحق العراقيين وضيوفهم أو أدنى احترام للسيادة العراقيّة، في الوقت الذي دعاها الشعب العراقيّ وبرلمانه، إلى الخروج من البلاد التي دمرتها وسرقت فرحة وخيرات شعبها.
الاستراتيجيّة الأمريكيّة
لم تكن تبريرات واشنطن الزائفة محط ثقة لدى أي عاقل في العالم، فمن المعروف للقاصي والداني أنّ سياسة واستراتيجيّة الإدارة الأمريكية في العراق بنيت على مفهوم "أسلحة الدمار الشامل" من أجل تغليف وتبرير سياستها الدمويّة في بلاد الرافدين، والتغطيّة على جرائمها المنظمة، وتحقيق الهدف الأمريكيّ الأهم في العراق وهو نهب النفط ومن ثم الانطلاق نحو عدة أهداف أخرى أهمها الهيمنة السياسية على العراق بعد أن دمرته، ومن ثم العالم العربيّ والهيمنة على السوق النفطيّ الدولي والتأثير الكبير على أوروبا وآسيا مستخدمة أهم ورقة على الساحة الاقتصاديّة وهي "النفط والطاقة".
وإن مفهوم "محاربة الإرهاب" الأمريكيّ أصبح "علكة بلا طعم" بالنسبة للعالم والعرب على وجه الخصوص، لأنّه تحول إلى مبرر سياسيّ ممل لأمريكا إذا ما أرادت التدخل في أيّ دولة بشكل مباشر أو غير مباشر، مع إيهام شعبها أنّ العالم كله يهدد أمريكا بيد أنّ العالم هو من يعيش الويلات بسبب سياسة الإدارة الأمريكيّة الإجراميّة.
والتاريخ يشهد أنّ الرئيس الأمريكي جيرالد فورد، أرسل وزير خارجيته هنري كيسنجر، في العام 1973 إلى طهران لإقناع شاه إيران وقتها، محمد رضى بهلوي، بدخول حرب ضد العراق ليتسنى لواشنطن تدمير العراق والسيطرة على نفطه ولا سيما أنّ الرئيس العراقي حينذاك، أحمد حسن البكر، كان يدرس مسودة تأميم نفط العراق.
وفي العام ٢٠٠٣، دخل جيش الاحتلال الأمريكيّ العراق واقتحم بغداد بعد أن حاصرها عشر سنوات، وأعدم صدام حسين، وأزهق أرواح مئات الآلاف وحل الجيش العراقيّ وهدم بنية البلاد التحتية والمؤسساتيّة، وساهم مساهمة مباشرة بتدمير البلاد ونهب أمواله وثرواته كي يتسنى لواشنطن استباحة نفط العراق وثرواته كافة، وتحويل إلى منطلق لاستهداف الدول المحيطة ونشر السرطان الأمريكيّ.
خلاصة القول، تحاول الولايات المتحدة استهداف كل من يقاوم وجودها غير الشرعيّ في العراق، والتي كان آخرها محاولة تشويه سمعة الحشد الشعبيّ عبر "الحرب الإلكترونيّة" لأن الأمريكيين يشعرون بأنّ أكبر عقبة أمام هيمنتهم على العراق هي الحشد الشعبيّ المدعوم دينيّاً وشعبيّاً، بعد أن فشلت كل محاولاتهم السابقة لإبعاد الحشد عن المشهد العراقيّ.