الوقت- يمارس العدو الصهيوني أقسى درجات الظلم بحق الفلسطينيين ويتبع سياسة ممنهجة لكم الأفواه وممارسة القمع تجاه كل شيء لا يستهوى الصهاينة، والفن وتحديداً السينما تشكل خطورة كبيرة على اسرائيل لكونها توثق حقيقة هذا العدو الغاشم، وهناك خوف من أن تصل هذه الافلام إلى خارج فلسطين، لذلك نجدها تدعم وتمول فقط الافلام التي تمدح الكيان الاسرائيلي وجنوده، وهذا السبب الذي دفعها مؤخرا لمنع عرض فيلم "جنين جنين" في الأراضي المحتلة، بقرار من المحكمة المركزية في مدينة اللد.
المحكمة أمرت بمصادرة جميع نسخ الفيلم المنتشرة في البلاد، كما أمرت القاضية هاليت سيليش الفنان الفلسطينيّ محمد بكري (67 عامًا)، وهو من داخل ما يُسّمى بالخّط الأخضر، بدفع تعويض بمبلغ 175 ألف شيكل وكذلك مصاريف قانونية بمبلغ 50 ألف شيكل. ونقلت صحيفة (هآرتس) العبريّة عن محامي الفنان بكري قوله إنّ هيئة الدفاع تدرس القرار، ولم يستبِعد أنْ يقوم بتقديم التماسٍ على القرار إلى المحكمة العليا الإسرائيليّة.
الغرامة المالية على المخرج بكري جاءت كتعويض للضابط الإسرائيلي نسيم مجنجاي المدعى عليه بجريمة التشهير علاوة على أجرة المحكمة نفسها. وحملت المحكمة على الفنان محمد بكري وزعمت أنه أنتج وأخرج فيلما "شوه فيه صورة الواقع واحتوى مشاهد فظيعة" وكل ذلك تحت غطاء "فيلم وثائقي"، متجاهلة تقارير صحافية وحقوقية وشهادات أهالي المخيم خلال تدميره بالكامل.
وحملت أيضا على محمد بكري لتكريسه الفيلم لذكرى من كتائب شهداء الأقصى. ورفضت المحكمة الإسرائيلية لائحة الدفاع التي قدمها المحامي أحمد أبو حسين نيابة عن الفنان محمد بكري واتهمت الأخير بالتورط بـ"القذف والتشهير" بحق شخص أرسلته إسرائيل للقتال ضمن حملة "السور الواقي عام 2002 ليجد نفسه مشاركا في الفيلم وهو يهدد بالسلاح شيخا فلسطينيا داخل المخيم في إطار "عرض كاذب" صوّر الجنود الإسرائيليين وكأنهم يرتكبون جرائم حرب".
وسارع ما يعرف بمنتدى "العائلات الثكلى والضباط والجنود" للترحيب بقرار المحكمة ومدحوا "تحقيق العدالة بعد 18 عاما" من خلال "قرار شجاع بوقف التحريض وحظر عرض الفيلم". وتابع "المنتدى" في بيان صحافي: "لتعلم كل سيدة إسرائيلية أن محمد بكري هو مخرّب ومحرّض ضد العائلات الثكلى وضد ضباط وجنود وضد إسرائيل".
قصة الفيلم الوثائقي
يروي الفيلم ملحمة مخيم جنين الذي اجتاحته قوات الاحتلال في نطاق حملة شنها رئيس حكومته أرئيل شارون بعنوان "السور الواقي" عام 2002 على كل الضفة الغربية من أجل وقف الانتفاضة الثانية التي اندلعت في نهاية العام 2000 ردا على فشل مفاوضات "كامب ديفيد" وفيها حوصر داخل المقاطعة في رام الله الرئيس ياسر عرفات حتى مات عام 2004 مسموما وفق رواية فلسطينية رسمية وغير رسمية.
وكرر قائد جيش الاحتلال أفيف كوخافي هجمته على الفيلم وعلى بكري كما فعل من قبل في تموز الفائت خلال خطاب ألقاه في حفل تخرج للضباط فقال في محاولة تبرئة لجيش الاحتلال من دم الفلسطينيين: "ممنوع على حرية التعبير أن تسمح بحرية (ما سماه) "التحقير"، إن فيلم جنين يسيء للجنود الذين قاتلوا هناك وذلك بذريعة حرية التعبير، حيث زعموا أنهم مجرمو حرب". وادعى أن الفيلم ملتوٍ وقصته خاطئة ويشوه صورة الجنود، الذي "اتهموا" بتنفيذ مذبحة، قائلًا إن جنوده "قاتلوا وفق معايير جيشه" مشيدا بقرار المحكمة.
وزعم كذلك أن مخيم جنين كما مدن فلسطينية أخرى، أرسل مقاتلين ضد أهداف إسرائيلية استقروا في الصالونات أو في غرف الأطفال للتربص بالجيش و"لذلك أرسلنا جنودنا لاقتلاعهم وقد فعلوا ذلك باحترافية". وأضاف: "لقد أرسلنا جنودنا للدفاع عن إسرائيل، وعلى القانون الإسرائيلي حمايتهم بالمقابل".
مخرج اسرائيلي يدافع عن الفنان الفلسطيني بكري
اعتبر المخرج الإسرائيلي أودي ألوني (ابن الوزيرة الراحلة شولميت ألوني) أن محمد بكري بطل مبديا اعتزازه به وبصداقتهما.
وتابع في بيان مخاطبا بكري:"عايشت جنين وشاهدت بعيوني نتائج جرائم حرب إسرائيل التي قمت أنت من منطلق الإيمان بطيبة الإنسان بمحاولة اطلاعنا على ما شهده المخيم علنا، لنصحح طريقنا، لكن بدلا من ذلك تحولت إلى عدو الشعب في دولة النظام العنصري الأبرتهايد الإسرائيلي القاتل. في دولة الأبرتهايد يحظر على الإسرائيليين مشاهدة جرائم الحرب التي ينفذها كي يستطيع النوم بشكل جيد في الليالي أما شهود العيان فينبغي إسكاتهم بواسطة محكمة فاسدة وعنصرية ودعمك العملي من طرفنا على الطريق".
الخوف من الحقيقة
وتعقيبا على قرار المحكمة الإسرائيلية قالت النائبة عايدة توما-سليمان إن قرارها بمنع فيلم "جنين جنين" للمخرج محمد بكري ليس إلا حلقة إضافية في سلسلة سياسة كم الأفواه مؤكدة أن الاحتلال يرتعب من كشف وجهه الحقيقي، وهذه المرة يحارب حقيقته البشعة برعاية المحاكم والقضاة. وأضافت: "الرفيق محمد بكري عانى كثيرا من الهجوم الذي شن عليه من قبل جنود الاحتلال ولمدة سنوات طويلة. سنبقى بجانبه وبجانب أبناء شعبنا القابعين تحت قمع الاحتلال".
قضية رأي عام
يشار إلى أن قضية بكري تحولت في السنوات الأخيرة لقضية جماهيرية وقضية رأي عام وحريات تعبير بعد أن وثق الفيلم الّذي أخرجه شهادات حية لسكان المخيم الذي عاينوا هذه الحرب، وبعد أن خاض بكري نضالًا لمدّة ما يزيد على 18 عامًا في المحاكم الإسرائيلية.
وقالت صحيفة "الاتحاد" الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الإسرائيلي إن هذه المحاكم تحولت إلى ساحة فارغة يدور فيها الضباط لردع بكري عن مسيرته، لأنّه غنّى خارج السرب الذي تتوقعه حكومة الاحتلال التي ترفض أن تسمع حكاية أخرى تتعلق بالجانب الفلسطيني والانتهاكات ضده. وقالت إن بكري خاض وعائلته وما زالوا عدة نضالات شخصية دفعوا ثمنها بالمضايقات المستمرة والمقاطعة غير العلنية وقطع الرزق، طالته في الساحة الفنية التي أقصت بكري وحرمته من متابعة مسيرته حتّى في الخارج.
من جهته استنكر وزير الثقافة الفلسطيني الدكتور عاطف أبو سيف في بيان له قرار محكمة الاحتلال الإسرائيلية بمنع عرض فيلم "جنين جنين" للمخرج محمد بكري، وتغريمه. وقال أبو سيف إن "ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من ملاحقاتٍ وتضييقٍ على الفنان بكري، تأتي في سياق محاربة الرواية الفلسطينية وحق شعبنا بالحرية والاستقلال من خلال منع عرض أعماله التي تكشف وجه الاحتلال وجرائمه ووحشية قمعه وطمس الرواية الفلسطينية وبث روايته المزيفة"، مؤكداً أن الفنان بكري خاض نضالاً على مدار 18 عاماً في أروقة محاكم الاحتلال رافضاً الاعتذار للجنود الذين ظهروا في الفيلم.