الوقت - تلعب الشخصيات الدينية دوراً بارزاً في تغذية أو الحد من أي صراع عسكري في بلد ما، بإعتبار أنها المرجع الأول للمقاتلين. وقد تنامى هذا التأثير بشكل كبير في ظل بروزالجماعات التكفيرية متنصف القرن الماضي، حتى بل أشده بعد بدء ما يسمى بـ«الربيع العربي».
في المقابل، لم تكن الحرب السورية عن هذا الأمر ببعيد حيث لعبت الوهابية السعودية دوراً كبيراً في تجييش المقاتلين وتأجيجهم عبر الفتاوى الدينية التي تسببت بمقتل وجرح وإغتصاب الألاف من أبناء السعب السوري المسلم.
الغريب أن هذه الجماعات التي حضرت بقوّة في الأزمة السورية، تغيب كليّاً اليوم عن الإعتداءات التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، ما يدفعنا لإجراء مقاربة واقعية حول دور علماء الوهابية السعودية في كل من سوريا وفلسطين المحتلة، ولماذا غابت هذه الجماعات هنا وغابت هناك؟
الوهابية والحرب السورية
منذ بدء ظهور الجماعات المسلحة في سوريا سعت السعودية، بالإستفادة من سلطتها على الوهابية والسلفية، لتغيير النظام السوري وإسقاط الرئيس الأسد. ولم تكتفي العائلة الحاكمة في الرياض بجهود الأمير بندر بن سلطان في تسليح المعارضة السورية، التكفيرية وغيرها، بل عمدت إلى إستخدام أسلوب التجييش الطائفي وجمع «التبرعات» لـ"الشعب السوري" بغية إرسالها إلى هذه الجماعات ، ومن ثم إنتقلت إلى مرحلة الفتاوى الدينية التي أباحت القتل والذبح والتهجير والنكاح.
لم تقتصر فتاوى التجييش والتكفير على شخصية واحدة، لنبرّر للنظام السعودي أنه يحاول ضبط الأوضاع إلاّ أن الأمور قد خرجت من أيديه في مكان ما، بل إن المشهد الوهابي في السعودية خلال السنوات الأربع الماضية يميط اللثام عن مشروع متكامل بين آل سعود وآل الشيخ لإسقاط الرئيس الأسد.
ناهيك عن عشرات الفتاوى التي حرضّت على ذبح الشيعي وقتل السني المخالف (الذي لا يدين بالولاء لأمير الجماعة) كذلك تهجير أو قتل المسيحي والأيزيدي وغيرهم، تصدّرت فتوى «جهاد النكاح» للداعیة السعودی المنحرف "ناصر العمر" المشهد التكفيري، حيث روّج من خلالها لكبائر الفواحش عبر إجازته "الشرعية" للمقاتلين في نكاح المحارم في حال عدم وجود (مجاهدات حسب تعبیره) من غیر المحارم، والتي كانت بمثابة هديّة كبيره للتكفيريين في سوريا، حیث إنتشر فیما مضى "جهاد اللواط" و"جهاد نکاح النفس". اليوم، وبعد فترة من غياب أي فتوى جديدة لهذه الجماعات من قبل الوهابية السعودية، أطلق55 شيخا وداعية وهابي، بعضهم أعضاء في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه يوسف القرضاوي، دعوة الى "النفير" و"الجهاد" في سوريا لقتال القوات الروسية "الغازية".
قد يقول قائل، أن العائلة السعودية رغم علاقتها المتينة مع الوهابية السعودية، إلا أن الأخيرة تخرج عن طوعها في العديد من المواقف والأراء، إلأ أن المتابع لأبواق النظام السعودي يدرك أن هذه الإشاعات التي يطلقها البعض تهدف لتبرئة النظام السعودي لدى الشعوب العربية وفي أروقة الدولة، فعلى سبيل المثال لا الحصر غرّد أحد أبرز أبواق النظام السعودي الإعلامي، جمال خاشقجي، قبل أيّام على موقع التواصل الإجتماعي "تويتر": آن الأوان لأن نسمي المقاتلين في سوريا "مجاهدين"! فهل أعضاء تنظيم داعش الإرهابي مجاهدين؟ أم جبهة النصرة أم أحرار الشام؟ واذا كان هؤلاء كذلك فماذا نسمي ضحاياهم؟
أين الوهابية من الأقصى؟
رغم البصمة الواضحة لدعاة الوهابية في تأجيج الحرب السورية، وخطاباتهم الرنانة في سبيل تجييش المقاتلين والتغرير بالشباب لإسقاط الرئيس الأسد، نرى أنهم يغيبون غياباً تامّاً عما يحدث للشعب الفلسطيني في الضفّة والقطاع.
و حتى عندما يتطرقون إلى الأحداث التي يتعرّض لها المسجد الأقصى، لاسيّما في الآونة الأخيرة، كأن على رؤوسهم الطير، وفي أحسن الأحول يقومون بالدعاء لهذا الشعب المظلوم دون أي رد فعل يذكر، كما فعل القرضاوي والعريفي مؤخراً، فلماذا لا يكتفون في سوريا بالأمر نفسه، أو لماذا لا يصدرون فتاوى الجهاد نفسها في فلسطين؟
ألم يكن محقّاً البعض عندما طالب الحكومات العربية التي هبّت لنجدة نتنياهو ووأد إنتفاضة الكرامة بوقف التآمر، قائلاً: لا نطالبكم بالدعم..نطالبكم فقط أن تكفّوا شرّكم ومؤامرتكم؟ وبالفعل، ألم يكفيكم تدمير سوريا والعراق وليبيا واليمن؟ إن التحالف الخفي، والذي ظهر مؤخراً إلى العلن بين السعودية والكيان الإسرائيلي، يعتبر أحد أبرز أسباب الإزدواجية لدى دعاة التكفير السعوديين.