الوقت - في موجة جديدة من التغييرات في بعض السياسات المحلية للسعودية، والتي تسمى إصلاحات بن سلمان، أعلن القادة السعوديون عن تغييرات في الكتب المدرسية والعناوين والمناهج الدراسية للتلاميذ.
طبيعة التغييرات الجديدة
في أحدث مجموعة من الكتب المدرسية السعودية، تم ولأول مرة حذف الأقسام التي تعزز كراهية الأديان الأخرى، والأقسام المتعلقة بالتعاليم المتطرفة للوهابية في تنفيذ عقوبة الإعدام، وكذلك التعاليم الدينية للطائفة الوهابية حول حرب آخر الزمان.
هذه هي المراجعة الرئيسية الثانية للكتب المدرسية السعودية، في إطار برنامج محمد بن سلمان الإصلاحي. في نسخة العام الماضي، ركزت الإصلاحات التعليمية على القضاء على محتوى المناهج المناهضة للصهيونية، النابعة من جهود ابن سلمان لخلق السياق السياسي والاجتماعي لدفع مشروع تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني تحت ضغط واشنطن. وهو الهدف الذي يقع في صميم أهداف ابن سلمان في الجولة الجديدة لمراجعة محتوى النصوص التعليمية أيضاً.
لم يقتصر ضغط واشنطن، بالطبع، على دفع مشروع التطبيع، بل سعت هذه الإصلاحات التعليمية إلى التقليل من أهمية الآراء المعادية للغرب في المجتمع السعودي أيضاً. قضيةٌ أصبحت مصدراً مهماً لتهديد أمن أمريكا؛ بدءاً من دور مواطنين سعوديين في هجمات 11 سبتمبر إلى إطلاق النار عام 2019 على عسكريين أمريكيين في قاعدة "بنساكولا" البحرية من قبل ضابط القوات الجوية السعودية الملازم ثاني "محمد سعيد الشمراني"، ما أسفر عن مقتل ثلاثة من مشاة البحرية الأمريكية.
ووفق بحث أجراه الجيشان الأمريكي والسعودي بعد الهجوم، فإن الشمراني الذي كان يبلغ من العمر 21 عاماً وقت الهجمات، كان يقرأ نسخة النصوص التعليمية الأكثر تطرفاً ودون تغيير.
أهداف ابن سلمان السياسية
منذ تولي محمد بن سلمان السلطة بطريقة غير تقليدية تماماً وشبيهة بالانقلاب في عام 2017، حيث أطاح بولي العهد السابق "محمد بن نايف" واعتقل عدداً كبيراً من أنصاره في العائلة المالكة، نفَّذ بعض الإصلاحات الاجتماعية وخاصةً بالنسبة للنساء، من أجل الحصول على الدعم العام في الداخل واسترضاء الحكومات الغربية بكثير من الدعاية، بما في ذلك رخصة القيادة للسيدات وإصدار جوازات السفر، وحقهن في السفر للخارج دون إذن ولي الأمر.
من ناحية أخرى، تم تنفيذ جزء من الإصلاحات الاجتماعية من أجل تسهيل تنفيذ الخطط لتحديث المملكة تحت عنوان رؤية 2030، لقطع اعتماد السعودية تماماً على عائدات النفط ولكي تصبح دولةً صناعيةً متقدمةً في هذا العام.
لكن الاستفادة من المساحة الدعائية لإجراء هذه التغييرات لم تستغرق وقتاً طويلاً، لأن تصرفات الرياض في شن حرب عسكرية على اليمن وخلق كارثة إنسانية كبرى في هذا البلد، وسجن نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين، وإعدام الشيعة في الداخل، جعلت من ابن سلمان شخصيةً قمعيةً وغير موثوقة.
أما المسمار الأخير في نعش إصلاحات ابن سلمان، فكان الاغتيال الوحشي لجمال خاشقجي الصحفي السعودي الناقد في تركيا، والذي قطَّعه مسؤولون سعوديون وقاموا بإخفائه في القنصلية السعودية باسطنبول.
وعلی الرغم من أن ترامب قد اتخذ نوعاً من الموقف الداعم لابن سلمان في مواجهة الضغوط الدولية، من أجل الحفاظ على العقود العسكرية والاقتصادية ودفع صفقة القرن قدماً، ولكن بعد هزيمته في الانتخابات وعد الرئيس المنتخب "جو بايدن" بـ "إعادة تقييم" العلاقات الأمريكية مع السعودية "في ضوء معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان".
وقال بايدن في بيان بمناسبة الذكرى الثانية لقتل خاشقجي، إن "الأنباء تفيد أن عملاء سعوديين قتلوا وقطعوا أوصال خاشقجي بأوامر من محمد بن سلمان"، مضيفاً إن "أحباء الصحفي ما زالوا "يستحقون محاسبة المجرمين".
نفى محمد بن سلمان حتى الآن أي علم له باغتيال خاشقجي، وفي أيلول حكم على ثمانية أشخاص بالسجن لمدد طويلة بتهمة التواطؤ في جريمة قتل وحشية.
لكن إضافة إلى عدم وجود أحد يشرف على تنفيذ هذه الأحكام، فقد تردد مؤخراً أن "سعود القحطاني" العقل المدبر لهذه الجريمة، عاد بهدوء إلى منصبه السابق في المحكمة السعودية.
وفي هذه الظروف، يحاول ابن سلمان من خلال التخطيط لإصلاحات تربوية، أولاً من خلال إدراك طبيعة ومزاج الغرب، وخاصةً وسائل الإعلام الغربية، مواصلة إظهار التزامه بإبعاد السعودية عن التطرف والوهابية، ومن ناحية أخرى وعشية مغادرة ترامب البيت الأبيض، وعبر إعطاء الضوء الأخضر لتطبيع العلاقات، يريد إجبار اللوبي الصهيوني على الضغط على سياسات البيت الأبيض ضده.
في هذا الصدد ووفق تقرير IMPACT-SE، في النصوص التعليمية الجديدة، فإن مواضيع مثل "هرمجدون" أو "القوات الصهيونية" التي تدير العالم وتخطط لتوسيع أراضي "إسرائيل" من النيل إلى الفرات، قد تم حذفه بشكل عام من عناوين الكتب.
وقد أدى ذلك إلى زيادة ردود الفعل الانتقادية على الطبيعة الدراماتيكية لإصلاحات ابن سلمان. فالدكتور "حسن فرحان المالكي" وهو عالم سعودي، ما زال مسجوناً في السعودية ويواجه عقوبة الإعدام بتهمة "الدعوة إلى حرية الرأي"، وانتقاد بعض الممارسات الوهابية السلفية.
وتعتقد "فرح بانديت" مؤلفة كتاب "كيف ننتصر ونهزم التطرف"، أن "أقوال وأفعال المملكة يجب أن تكون متسقةً". کما تشير بانديت إلى التناقض والازدواجية في سلوك السعوديين وكلامهم، مستشهدةً بـ "المليارات" التي أنفقتها السعودية على تصدير الكتب ذات المحتوى المتطرف والدعاة السلفيين.
ويمكن رؤية هذا التناقض بوضوح في القمع الأخير ضد شيعة العوامية، وتدمير أماکنهم المقدسة، فضلاً عن قمع نشطاء حقوق الإنسان. کما نشرت صحيفة "الإندبندنت" التي تتخذ من لندن مقراً لها، تقريراً مفصلاً الشهر الماضي عن محنة السجناء السياسيين والنساء في السجون السعودية.
ويذكر التقرير، الذي أعدته منظمة "جرانت ليبرتي لحقوق الإنسان"، أنه منذ وصول محمد بن سلمان للسلطة في عام 2017، تم انتهاك حقوق الإنسان لنحو 309 سجناء سياسيين في السعودية.
وأكد التقرير أنه تم توقيف 20 أسيراً على خلفية جرائم سياسية ارتكبت قبل بلوغ السن القانونية، وتم إعدام 5 منهم، وحکم علی 13 بالإعدام، ووفق التقرير، هناك 27 ناشطة مدنية في السجون السعودية، تعرضت 6 منهن للتحرش الجنسي.
"لجين الهذلول"، 31 عاماً، هي ناشطة سعودية في مجال حقوق المرأة، محتجزة منذ 2018 وحُكم عليها مؤخراً بالسجن 20 عاماً، ووفق منظمات حقوقية فقد تعرضت للتعذيب، بما في ذلك الصعق الكهربائي والجلد والتحرش الجنسي.
لذلك، ينبغي القول إن إصلاحات ابن سلمان الأخيرة تم اتخاذها للأغراض السياسية أكثر، وهي تشبه السيرك الذي نُفِّذ للمشاهدين الغربيين فقط.