الوقت- أعاد تصريح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قبل أيام، حول رفضها التام لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، سمفونية قديمة ألفناها منذ بدء المفاوضات بين الإتحاد الأوروبي وتركيا عام 2005.
إلا أن هذا الحديث بدأ يتّجه إلى زوال، إعلامياً على الأقل، حتى غاب بشكل شبه تام مع بدء ما يسمى بـ"الربيع العربي"، وبلغ أشده مع الأزمة السورية.
لكن تركيا التي تراجع إهتمامها في الأعوام الأخيرة، لإدراكها المسبق بنتائج الموقف الاوروبي والشروط التي لا بد أن تخضع لها في حال قرّرت الإنضمام، وعلى رأس هذه الشروط الأزمة مع قبرص والمجازر المرتكبة بحق الأرمن، حاولت إعتماد سياسة جديدة بعيدة المدى عنوانها "صفر مشاكل مع الجيران" علها تستطيع من خلال هذه السياسة التي أعلنها مهندس السياسة الخارجية لأنقرة "احمد داوود أوغلو"، أن تنضم إلى الإتحاد الأوروبي من منطلق القوي لا الضعيف، ولكن ما الذي حصل؟
نجح حزب العدالة والتنمية في تحقيق التنمية الإقتصادية المتوخاة دون الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي، وهذا ما أعلنه الوزير التركي لشؤون الاتحاد الأوروبي فولكان بوزكير في 26 فبراير/شباط. فبعد تطبيق سياسة صفر مشاكل مع الجيران قطفت تركيا ثمار الشراكة مع العديد من دول المنطقة بدءاً من الدول العربية مروراً بإيران ووصولاً إلى دول آسيوية وأوروبية، كما أن موقفها من الكيان الإسرائيلي رفع من أسهم تركيا لدى شعوب المنطقة حينها.
يُقال إن دوام الحال من المحال، وهذا بالفعل ما حصل لتركيا مع بدء أزمات المنطقة، حيث إعتقد الرئيس الترکي رجب طيب أردوغان أنه بإستطاعته التحكّم بتحرّكات بعض شعوب المنطقة، وتجييرها لصالح تركيا في بناء خلافة جديدة تحت مسمّى "العثمانيين الجدد".
الأزمة السورية
بدأت تركيا تخسر أصدقائها وجيرانها واحداً تلو الآخر، حتى غدت من ألد أعداء شعوب وحكومات كل من سوريا ومصر والعراق، وشهدت علاقتها مع إيران، وروسيا مؤخراً فتوراً ملحوظاً، أضف إلى ذلك أنها كانت موضع إتهام للعديد من الدول الإقليمية والدولية بالتورط مع تنظيم داعش الإرهابي.
أردوغان، ضرب عرض الحائط كل ما تمّ بنائه إقتصادياً وسياسياً طوال العقد المنصرم، معلنا أن الهدف الرئيس هو إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد إلا أن السياسة التركية الجديدة، مع العرب والاكراد، أفضت إلى دمار إقتصادي وأمني وسياسي، ولعل آخر النتائج لهذه السياسة الكارثية تتمثل، أمنياً، بالإنفجار الذي حصل اخیرا في أنقرة وأودى بحياة أكثر من 100 مواطن تركي، وسياسياً، برفض الرئيس الأمريكي باراك أوباما للقاء أردوغان، في اجتماعات الدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفق صحيفة "جمهورييت" التركية.
يخطئ من يعتقد أن الرئيس التركي لم يدرك حجم أخطائه السابقة، بصرف النظر عن الإعتراف بها أو محاولة إصلاحها، وقد ظهر هذا الإدراك من خلال موقفه الأخير في 24 سبتمبر/أيلول، بأن الرئيس السوري بشار الأسد يمكن أن يشكل جزءا من مرحلة انتقالية في إطار حل للأزمة السورية، بعد سنوات من الرفض، إلا أن رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو خالفه معلناً أن بلاده تعارض أي دور للرئيس السوري في العملية الانتقالية بسوريا.
اليوم، قد يحاول الرئيس التركي إستغلال الظروف لتحقيق ما أراده بالسلم، بعد ان فشل في تحقيقه بالحرب، وذلك عبر موقف تركي، إعلامي، صارم إزاء الإعتداءات الإسرائيلية ولكن دون أي إجراء عملي، بغية إستعادة ثقة الشعوب العربية والإسلامية التي يئست من الحكومات العربية. من ناحية ثانية، ستحاول أنقرة إستغلال أزمة اللاجئين السوريين في سبيل تحسين علاقتها مع الإتحاد الاوروبي، ومحاولة الإنضمام مجدداً ولكن بشروط أوروبية.
في الواقع، وضعت الأزمة السورية أردوغان على مفترق طرق، إختار أصعبها، لتلقيه في جُبّ عميق، ولكن كخلاصة عامة يمكننا القول:
- لا ينذر خلاف أردوغان-اوغلو حول موقف تركيا من الأزمة السورية بالخير لحزب العدالة والتنمية، خاصةً أنه يأتي بعد ظهور بوادر خلاف جدّية بين الجانبين.
- لن تنجح تركيا في خداع شعوب المنطقة مجدّداً، وكذلك لن تستطيع فرض شروطها على الإتحاد الاوروبي، فهل ترضخ لشروطه وتعترف بمجازرها بحق الأرمن وتبدي حسن نية في الازمة القبرصية مقابل ضمانات للإنضمام إلى الإتحاد الاوروبي؟
- إن مشاكل تركيا مع الجيران، إضافة إلى فشلها في تحقيق أهدافها الأوروبية، يجعل من الكيان الإسرائيلي الحليف الوحيد لتركيا.