الوقت- في الأسابيع القليلة الماضية، تكثفت الضربات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية، وخاصةً في الجزء الجنوبي من البلاد، بالقرب من مرتفعات الجولان.
هذا في حين أنه بالتزامن مع زيارة مايك بومبيو غير المسبوقة لمرتفعات الجولان المحتلة، كثَّف الصهاينة وجودهم العسكري في هذه المنطقة. ومن هذا المنطلق، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما سبب زيادة التحركات العسكرية للکيان الصهيوني في جنوب سوريا؟ وما هي أهداف هذا الکيان؟
مخاوف الکيان الصهيوني الأمنية من مرتفعات الجولان
يمكن تقييم السبب الأول وراء تصاعد تحركات الکيان الصهيوني في مناطق جنوب سوريا، بأن الکيان قلق من التطورات الداخلية في سوريا، واحتمال قيام قوات الحكومة السورية وحلفائها بهجمات انتقامية على مناطق في هضبة الجولان. ولفهم هذه القضية بشكل أفضل، يجب أن نتطرق إلى الأهمية الجيوسياسية لهذه المنطقة.
تغطي مرتفعات الجولان مساحةً تبلغ نحو 1800 كيلومتر مربع، احتل الکيان الصهيوني 1200 كيلومتر منها في عام 1967، خلال حرب الأيام الستة التي اندلعت بين العرب والکيان الإسرائيلي.
إن موقع مرتفعات الجولان في جنوب سوريا وعلى الحدود المحتلة للکيان الصهيوني، هو وضع خاص. وفي أعلى نقطة من مرتفعات الجولان، يمكن رؤية جزء كبير من جنوب سوريا وحتى مدينة دمشق على بعد 60 كيلومترًا شمال الجولان، ولكن على الجانب الآخر أيضاً، يطل الجزء الجنوبي من مرتفعات الجولان على أراضي الكيان الصهيوني.
وهذا يعني أن الوجود في جنوب مرتفعات الجولان، يمنح ميزةً استراتيجية للعدو. ويمكن رؤية مثال واضح على ذلك في السنوات 1948 إلى 1967، عندما كانت هذه المناطق تحت سيطرة الحكومة السورية، ومن هناك تعرضت الأراضي المحتلة لهجمات بقذائف الهاون.
وبناءً على ذلك، يبدو أن الکيان الصهيوني قلق للغاية من تعزيز قوات المقاومة في جنوب هضبة الجولان، وبالتالي كثَّف غاراته الجوية على مناطق الجنوب السوري.
والواقع أن السبب الرئيس لقلق الکيان الصهيوني يمكن تقييمه في تجمع قوى المقاومة، ولا سيما قوات حزب الله اللبناني، في مناطق جنوب سوريا.
وفي هذا الصدد، ووفق صحيفة "الأخبار" اللبنانية، فإن مراكز الأبحاث الصهيونية تقول إن تهديد حزب الله للکيان في جنوب سوريا "أكبر بكثير من ذي قبل ... حزب الله لديه نحو 58 قاعدة(في جنوب سوريا)، منها 28 قاعدة للقيادة الجنوبية للحزب، و30 (قاعدة) لخطة الجولان". في غضون ذلك، أصبحت قواعد حزب الله في محافظتي "القنيطرة" و"درعا" مقلقةً للصهاينة أكثر فأكثر.
ويبدو هذا التهديد أكثر خطورةً عند أخذ الترتيب الديمغرافي وموقع الصهاينة في هضبة الجولان بعين الاعتبار. حاليًا، 10٪ من المستوطنات اليهودية للکيان الإسرائيلي تقع في مرتفعات الجولان، ويعيش 20 ألف صهيوني في هذه المرتفعات. ولذلك، فإن قادة تل أبيب يعتبرون الآن أن تجمّع المقاومة في المناطق الجنوبية من هضبة الجولان يشکل تهديدًا لهم.
حتى إن الصهاينة قلقون بشدة من أنهم سيفقدون مكانتهم الاقتصادية الخاصة في مرتفعات الجولان، نتيجة تصرفات الحكومة السورية والقوات الأخرى لمحور المقاومة.
في الواقع، الجولان ذات أهمية اقتصادية للکيان الصهيوني أيضاً، والتي تتعلق بعمليات التنقيب عن النفط في هذه المنطقة، والتي يمكن أن تزيد ثروة الکيان من الغاز الموجود في المنطقة وتعزز موقعه كلاعب مهم في مجال الطاقة علی المستوى العالمي.
زيادة الضغط الدولي على تل أبيب بسبب الجولان
إضافة إلى المستوى الداخلي لسوريا، والذي أثار قلق الکيان الصهيوني بشدة بسبب استمرار احتلاله لمرتفعات الجولان، يمكن تقييم بُعد مهم آخر فيما يتعلق بالمخاوف الدولية والإقليمية للکيان الصهيوني. وفي هذا الصدد، ثمة قضايا مهمة يجب ملاحظتها:
1- إدانة احتلال الكيان الصهيوني بخمسة قرارات في الأمم المتحدة: بالتزامن مع هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 3 نوفمبر، نشهد هزيمةً دوليةً كبرى لتل أبيب في الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة. حيث اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في اجتماعها الأخير في 2 كانون الأول 2020، أربعة قرارات بشأن فلسطين، وقرار واحد يرفض سيطرة الکيان الصهيوني على هضبة الجولان المحتلة في سوريا.
فمن ناحية، في أربعة قرارات بعنوان "لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف"، و"قسم حقوق الفلسطينيين في الأمانة العامة للأمم المتحدة"، و"التسوية السلمية للقضية الفلسطينية"، و"البرنامج الإعلامي الخاص بالقضية الفلسطينية في إدارة الاتصالات الدولية بالأمانة العامة"، تم التأكيد على مسؤولية المؤسسات الدولية تجاه القضية الفلسطينية، وإدانة الاستيطان، وضرورة عدم البتّ في القضايا من جانب واحد.
ومن ناحية أخرى، فإن "قرار مرتفعات الجولان السورية" هو قرار آخر تم تمريره علی الرغم من ضغوط الصهاينة والولايات المتحدة، وأكد صراحةً سيادة سوريا على هضبة الجولان المحتلة. وفي هذا القرار، ومن منطلق عدم جواز ضم الأراضي بالقوة وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، اُعتبر استمرار احتلال الکيان الصهيوني لمرتفعات الجولان السورية منذ عام 1967 انتهاكًا لقرار مجلس الأمن. كما يحظر القرار أي أنشطة بناء من قبل الکيان في مرتفعات الجولان، مضيفًا أن "إسرائيل" فشلت في تنفيذ القرار 497 (1981).
وبالنظر إلى هذا المستوى من المعارضة العالمية لاحتلال الکيان الصهيوني، يبدو أن مسؤولي هذا الکيان على دراية واضحة بالتهديدات التي يتعرضون لها، وهم قلقون جدًا من فقدان موقعهم الخاص في الجولان، ولذلك من خلال تكثيف الهجمات في جنوب سوريا، فإنهم ينوون منع تغيير الوضع على حسابهم.
2- خشية الکيان الصهيوني من انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وعدم دعم موسكو له: المستوى المهم الآخر في تسريع وتكثيف هجمات الکيان الصهيوني على المناطق الجنوبية من سوريا، يمكن تقييمه فيما يتعلق بمخاوف قادة تل أبيب من سياسة الولايات المتحدة في الانسحاب من غرب آسيا.
في الواقع، أصبح الأمريكيون يعتقدون أنه يكاد يكون من المستحيل استمرار وجودهم في منطقة غرب آسيا، وعلى مستوى آخر فقد استبدلوا استراتيجية التركيز على غرب آسيا باستراتيجية التركيز على الصين والوجود في شرق آسيا.
وفي مثل هذه الظروف، فمن ناحية يبدو الانسحاب الأمريكي من سوريا والمنطقة ككل حتميًا، ومن ناحية أخرى، وعلى عكس جهود بنيامين نتنياهو والدعاية الكاذبة لوسائل الإعلام الصهيونية، فإن الحكومة الروسية وفلاديمير بوتين غير مستعدين لتقديم أي تنازلات أو ضمانات أمنية لتل أبيب.
على مدى السنوات القليلة الماضية، دعا نتنياهو مرارًا وتكرارًا موسكو إلى إقامة جدار أمني في جنوب مرتفعات الجولان، وهي المنطقة نفسها التي تُعتبر كعب أخيل للکيان الصهيوني. وبشکل خاص فإن المناطق الحدودية لمحافظتي القنيطرة ودرعا، كانت موضع اهتمام الکيان الصهيوني، الذي واجه رد فعل سلبي ومعارضة من موسكو.
وبشكل عام، يمكن قراءة الوضع الحالي للکيان الصهيوني، على شكل اليأس من واشنطن والطرد من موسكو.