الوقت - الإغتيال الأعمى لـ "محسن فخري زاده" کبير العلماء الإيرانيين في مجال الدفاع النووي، كان نبأً احتل صدارة أخبار وسائل الإعلام العالمية منذ يوم أمس في تغطية أبعاده.
في هذا العمل الجبان الذي استهدف شخصيةً علميةً وأكاديميةً كهدف عسكري، فإن الکيان الصهيوني والولايات المتحدة هما المتهمان الريئسيان في تنفيذ عملية الاغتيال هذه، نظرًا لتاريخهما الأسود وإجرامهما المتكرر ضد التقدم العلمي والتكنولوجي للشعب الإيراني، وخاصةً في مجال الدفاع النووي. ولكن أهداف هذا الاغتيال وآثاره سؤال مطروح بجدية.
لعبة إيران الذكية في مقامرة ترامب النووية
من المؤکد أن أهم أهداف اغتيال الشهيد "فخري زاده"، هو التأثير على معادلات البرنامج النووي الإيراني بعد الاتفاق النووي لعام 2015.
مع تولي ترامب منصبه في عام 2017، أعلن بوضوح أنه يعتزم صياغة اتفاق جديد مع إيران، وبإعلانه أن المحادثات الجديدة يجب أن تشمل قضايا أخرى مثل قضية الصواريخ والنفوذ الإقليمي لطهران، انسحب أخيرًا من الاتفاق النووي، وباتباع سياسة الضغط الأقصى فرض ما يسمى بالعقوبات المعوقة على إيران.
كان هدف واشنطن ضغطًا اقتصاديًا واسع النطاق على إيران للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وعزل البرنامج النووي الإيراني تمامًا وخلق فسحة للتنفس للکيان الصهيوني في مجال التطورات الإقليمية، والذي يشعر أكثر من أي وقت مضى بخطر وجود إيران بالقرب منه.
ومع ذلك، فإن نتيجة سياسة الضغط القصوى التي انتهجها ترامب ليس فقط لم تؤد إلى استسلام طهران، بل تمكنت إيران أيضًا وفي مقابل نقض الأطراف الغربية لالتزاماتها، من تقليص جزء كبير من قيودها النووية، سواءً بشكل شرعي أو في إطار الاتفاق النووي.
کما أنه بعد عزل الولايات المتحدة في القضية النووية بسبب انسحابها الأحادي من الاتفاق، تغلبت إيران على الاضطرابات الاقتصادية الأولية التي نتجت عن العقوبات من خلال إقامة علاقات اقتصادية مع دول مختلفة، بحيث أن صادرات إيران الآن وفي ظل ظروف الضغط الأقصى، تبلغ مليون برميل من النفط يوميًا.
وفي ظل هذه الظروف، ترامب الذي ترك السباق الرئاسي للديمقراطيين، يری نفسه مهزوماً في المقامرة التي أقدم عليها. وكانت هذه المقامرة هي التي حطمت تمامًا الجو الأسود للدعاية الدولية ضد التقدم النووي الإيراني، وأثبتت وجهة نظر طهران بشأن عدم موثوقية الغرب في إمدادات الوقود والاحتياجات الأخرى التي تمتلك إيران معرفةً محليةً بها.
بالنتيجة لم تقلل إيران من نفوذها الإقليمي فحسب، بل كثفت أيضًا الضغط على الولايات المتحدة في العراق وسوريا، کما وأعادت تنشيط برامجها النووية والصاروخية بعد اجتياز عقود من حظر الأسلحة عليها.
وأصبح هذا الأمر كابوسًا كبيرًا للصهاينة أيضًا، وبالتالي وضعوا اغتيال أحد کبار علماء الدفاع النووي الإيراني على جدول أعمالهم بشكل يائس لتعطيل دورة التنمية الإيرانية.
ولکن علی الرغم من أن فقدان العلماء النوويين هو خسارة كبيرة لإيران، وأن الشهيد "فخري زاده" قدَّم خدمات جليلة لتطوير هذه الصناعة وازدهار البلاد واستقلالها، فلا شك أن صناعة الدفاع النووي هي دورة كبيرة قائمة على العلم والمعرفة ولا تعتمد على فرد محدد، والعديد من الطلاب الذين درَّبهم الشهيد فخري زاده سيتمكنون من مواصلة دربه وملء فراغه جيدًا.
آثار الاغتيال والتكهنات بشأن الرد الإيراني
تسعى الدعاية الإعلامية الغربية إلى تصوير اغتيال الشهيد فخري زاده على أنه إنجاز استخباراتي كبير لوكالة المخابرات المركزية والموساد، بينما الحقيقة هي أن الكثير من المعلومات الحساسة حول الصناعة النووية الإيرانية قد تسربت إلى المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، من خلال تعاون طهران الطوعي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفي حين أنه يقع على عاتق الوكالة الدولية للطاقة الذرية واجب الحفاظ على سرية معلومات البنية التحتية والأشخاص المشارکين في الأنشطة النووية للدول الأعضاء، ولکن تأثير وكالات الاستخبارات الغربية، ولا سيما وكالة المخابرات المركزية الأمريکية، أدى مرارًا وتكرارًا إلى احتجاج إيران على عدم قدرة الوكالة على الوفاء بالتزاماتها بالحفاظ على الأسرار النووية.
في غضون ذلك، على الرغم من أن نجاح الاغتيال يستلزم مزيداً من اليقظة لدی وكالات الاستخبارات والأمن الإيرانية لسد الثغرات المحتملة، لكن المحاولة لاغتيال العلماء النوويين كانت دائمًا على أجندة الأعداء، وكانت هناك حرب معلوماتية مكثفة خلف الكواليس على مر السنين، ولا يمكن للاغتيال الأخير أن يقلل من قيمة الجهود اليومية لأجهزة المخابرات والأمن في إيران.
فلا ينبغي أن ننسی أن إيران كانت واحة الاستقرار الإقليمي، في وقت كانت فیه الجماعات الإرهابية التي أنشأها الغرب والکيان الصهيوني والأنظمة العربية الرجعية تنتشر عبر الحدود الجغرافية للبلاد.
لا شك أن سعادة نتنياهو وقادة بعض الدول العربية وأسيادهم الأمريكيين لن تدوم طويلاً، وستردّ إيران على مرتكبي هذا الاغتيال الجبان رداً مؤلماً.
والآن، يجب على مرتكبي هذه الاغتيالات الجبانة وقادتهم انتظار لحظة انتقام الشعب الإيراني والذي سيأتيهم كالصاعقة على رؤوسهم، في زمان ومكان لن يتوقعوهما.