الوقت_ عقب 3 سنوات على قرار المقاطعة الذي قامت به السعوديّة "الوهابيّة" لدويلة "قطر" الإخوانيّة، بعد ثبوت تورطها وفق ادعائهم، بدعم وإيواء جماعات وعناصر إرهابيّة تستهدف الإضرار بالأمن القوميّ العربيّ وزعزعة استقراره، كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” الأمريكيّة، الجمعة المنصرم، أنّ الرياض صعدت من جهودها مؤخراً لحل أزمتها المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات مع الدوحة، بالتزامن مع خسارة الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة، والذي كان يعرف بمدى تقاربه مع آل سعود.
عصفوران بحجر
وفق محللين، تسعى السعوديّة إلى إنهاء الحصار الذي فرضته مع الإمارات ومصر والبحرين على قطر الغنية بالغاز منذ حزيران 2017، في محاولة من ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، لضرب عصفورين بحجر واحد، بكسب ود الإدارة القادمة للرئيس الجديد جو بايدن من جهة، وتقديم ذكرى الوداع إلى ترامب الذي حول المملكة إلى "بقرة حلوب" في عهده، من جهة أخرى.
وأشار تقرير في صحيفة الشرق الأوسط، نقلاً عن مستشار للسعودية والإمارات، إلى أنّ “هذا سيكون بمثابة هدية لبايدن، وأضاف إنّ ابن سلمان يشعر وكأنه في "مرمى النيران” بعد هزيمة ترامب في الانتخابات ويريد صفقة مع قطر ليظهر أنّه مستعد وجاهز لتقديم الطاعة، وتتركز مطالب القيادتين السعودية والإماراتيّة من قطر في تخفيف حدة قناة الجزيرة الناطقة بالعربيّة والتابعة لنظام آل ثاني، وانهاء انتقادها للسعودية، في الوقت الذي تتهم القناة بأنّها "أداة دعائية للنظام القطريّ".
إضافة إلى ذلك، بيّنت صحيفة “فايننشال تايمز”، أنّ دبلوماسياً مطلعا على المحادثات قال إنّ المحادثات الأخيرة جرت بوساطة أمريكيّة وكويتيّة بهدف إرساء أسس المفاوضات المباشرة بين الرياض والدوحة، وأوضح أنّ قطر تريد التأكّد من عدم وجود شروط مسبقة قبل أيّ محادثات ثنائيّة، ناهيك عن إجراءات “بناء الثقة” مثل رفع الحظر الجويّ والسماح بحريّة تنقل المواطنين القطريين إلى الدول التي فرضت الحظر.
ومن الجدير بالذكر، أنّ مستشار الأمن القوميّ الأمريكيّ، روبرت أوبراين، في وقت سابق، قال: " آمل أن أرى الخطوط الجويّة القطريّة قادرة على التحليق فوق الدول العربيّة المقاطعة في الـ70 يوما المقبلة أي قبل نهاية فترة ترامب الرئاسيّة، حيث تحاول واشنطن حل الأزمة الخليجيّة ليس كُرمى عيون الخليجيين بل لتأطير العلاقة بين طهران والدولة الأولى في العالم من حيث نصيب الفرد والتي تستخدم المجال الجويّ الإيرانيّ في رحلاتها من وإلى قطر.
وما ينبغي ذكره، أنّ السعودية والإمارات قدمتا قائمة من 13 مطلباً لإيقاف العقوبات على قطر، من بينها إغلاق قناة الجزيرة، وتقييد العلاقات مع طهران، وإغلاق القاعدة العسكريّة التركيّة.
تراجع عن المقاطعة
تتراجع السعودية عن مواقفها بعد السنوات الثلاث التي مرت على قرار المقاطعة العربيّ أو ما تسميه قطر "الحصار"، وتأثيراته الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة على البلاد في الوقت الذي لم يطرأ أيّ تغيير على سياسات حكام الدوحة، وخاصة مع وجود اتهامات لها في دعم الإرهاب، ومواصلة الدور التخريبيّ بالمنطقة، رغم أنّ الدول التي تفرض حصاراً على الدوحة غارقة أيضاً إلى أبعد الحدود في دعم الإرهاب والتخريب والتدمير الذي أصاب الكثير من البلدان العربيّة، وعلى رأسها سورية وليبيا واليمن.
لكن المصالحة وإن تمت لن تصلح الندوب التي أفرزتها الأزمة بينهم، وخاصة أنّ وزير الدولة القطريّ لشؤون الدفاع، خالد العطية، قبل بضعة أشهر، أشار إلى أنّ ما أسماها "دول الحصار" كانت تخطط لغزو قطر عسكريّاً على مرحلتين، الأولى تتمثل بالحصار من خلال الضغط على الشارع القطريّ ومن ثم الغزو العسكريّ.
ويتمحور الخلاف بين مملكة آل سعود و مملكة آل ثاني حول التنافس على النفوذ الإقليميّ، وقد ازداد توتر العلاقات بين البلدين في بداية ما يسمى "الربيع العربيّ" الذي خلق استماتة عند تلك الدول لإيجاد موطئ قدم لنشر نفوذها في العالم العربيّ، وبين هذا وذاك كانت أمريكا الحليف المشترك للدولتين معاً، و نأت بنفسها في الظاهر عن هذا الصراع للحفاظ على مصالحها.
كذلك، تشن ترسانة الإعلام القطريّ هجوماً حاداً على السعودية، بمختلف التغطيات الإخباريّة و الوثائقيّة، وتأخذ مهاجمة السعودية حيزاً كبيراً من تلك البرامج، ولا يكف المحللون والباحثون الذين يظهرون على إعلام الدوحة عن كيل الاتهامات لآل سعود، فيما تقود قناة العربية حملة إعلامية مماثلة ضد قطر وقياداتها.
يذكر أنّ نقطة الالتقاء القطريّة-السعوديّة الوحيدة، كانت في الاتفاق على تدمير سوريا ومحاولة تفتيت نسيجها الاجتماعيّ، والسعي لتغيير نظامها السياسيّ من خلال الدعم المباشر و اللا متناهي للإرهابيين هناك، بما يتماشى مع مصالحهم الدمويّة، غير آبهين بما سيلحق بالبلاد وشعبها من دمار وقتل وتشريد.
خلاصة القول، إنّ التنازلات السعوديّة تدل على موقف الرياض الضعيف أمام قطر، ولهذا يمكن للقطريين الحصول على تنازلات أكبر من السعودية وتعويض الخسائر التي تكبدوها من دول المقاطعة، وتحقيق امتيازات عديدة في المجالين الاقتصاديّ والأمنيّ بالتحديد في حال شهدنا انفراجاً حقيقياً في الأزمة المتشعبة بين حكومتيّ البلدين.