الوقت- التركيبة السياسية اللبنانية ومنذ العام 2011 لم تعد تروق للسعودية التي تريد أن يكون لها الكلمة العليا في لبنان، ولكن الظروف تغيرت في ظل بروز قوى لا يمكن تجاوزها، والأهم من هذا أنها جزء لا يتجزأ من التركيبة اللبنانية وبالتالي لا يمكن حذفها من المشهد السياسي اللبناني وفي حال تم الضغط لحدوث ذلك ستكون النتيجة كما هو الحال عليه في لبنان اليوم.
السعودية ومنذ العام 2011 لم تكن راضية عن أداء رئيس الحكومة سعد الحريري، وكانت تطالبه بما لاقدرة له عليه، وهذا الأمر عقد المشهد السياسي في لبنان، لتجد السعودية نفسها خارج اللعبة السياسية هناك، ومن هنا بدأت تتدخل بشكل سافر في الشأن اللبناني ورفعت الغطاء عن سعد الحريري وحاصرته اقتصاديا للرضوخ لشروطها، في العام 2017 أعلنت شركة " سعودي أوجيه" المملوكة لعائلة الحريري في لبنان والتي كانت فخر مؤسسها رفيق الحريري طول عقدين من الزمان، انها ستتوقف عن العمل وتطرد جميع موظفيها.
الأمر لم يتوقف هنا، حيث وصلت الضغوط لدرجة اجبر فيها سعد الحريري على إقفال تلفزيون المستقبل وجريدة المستقبل، وتسريح الموظفين، وعدم صرف رواتبهم.
السعودية أيضاً احتجزت الحريري لديها وأجبرته على الاستقالة من على أراضيها، في مشهد لم يتكرر في العالم سوى لهذه المرة، وهو دليل واضح وصريح على تدخل المملكة السعودية في شؤون لبنان.
اليوم هناك قبول جمع وموافقة على تشكيل سعد الحريري لحكومة لبنانية جديدة، ولكن ما هو الدور السعودي الجديد؟، هل سيسهل عمل الحكومة ويساهم في اعادة اللحمة السياسية في لبنان أم سيضع المزيد من العراقيل؟.
في الظاهر يبدو أن السعودية لا تريد للحكومة اللبنانية أن ترى النور للاعتبارات التالية:
أولاً: تطالب السعودية سعد الحريري بأمور هي عاجزة عن القيام بها، حيث تريد منه أن يعمل على نزع سلاح "حزب الله" اللبناني وتفكيكه. الجميع يعلم أن هذا الأمر مطلب تعجيزي. كيان العدو الاسرائيلي شن عدة حروب على لبنان ومع ذلك عجز عن المساس بسلاح "حزب الله" بالرغم من كل الدعم الأمريكية والغربي الذي قدم اليه.
وضع هذه الشروط هو محاولة واضحة لمنع تشكيل الحكومة، فالجميع يعلم ان سلاح "حزب الله" خط احمر، والجميع يعلم ايضا ان هذا السلاح موجه للعدو الصهيوني وليس للداخل اللبناني.
ثانياً: لا تريد السعودية حكومة تضم وزراء من "حزب الله"، كيف يمكن لذلك أن يحصل؟، والحزب هو جزء لا يتجزأ من النسيج اللبناني، ويتمتع بشعبية كبيرة على الارض وفي البرلمان. حذف هذا المكون السياسي يعني بالضرورة تأجيج الأزمة وتعقيدها ووضع عصي في الدولايب.
ثالثاً: إن كانت السعودية تريد الخير للبنان، لماذا تسحب سفيرها من الاراضي اللبنانية؟، ألا يعتبر ذلك ممارسة أعلى ضغط ممكن على الحريري، وعدم الرضا عن أدائه في تشكيل الحكومة.
مصادر دبلوماسية أكدت أن السفير السعودي في لبنان وليد البخاري سلم العهدة الدبلوماسية للقائم بالأعمال، وأبلغه أنه في إجازة طويلة الأمد في الوقت الحالي، وأنه لن يحدد موعد عودته لبيروت قبيل "انقشاع الغبار السياسي في المشهد السياسي".
وأوضحت المصادر أنه جرت أيضاً عملية انسحاب هادئ للسفير الإماراتي في بيروت حمد الشامسي، الذي غادر لبنان إلى القاهرة، حيث عُين سفيراً لبلاده هناك.
وشددت المصادر على أن أبوظبي تنوي تقليص بعثتها الديبلوماسية في لبنان وحصر التمثيل من خلال قائم بالأعمال في الفترة المقبلة، وهو ما يعد مؤشراً سلبياً تجاه لبنان وتجاه الحريري، الذي لم يتلق أي رسالة دعم خليجية حتى الآن، لا مباشرة ولا عبر تطمينات دبلوماسية. وذكرت المصادر أن الموقف الخليجي جاء بعد مشاورات ضمت كل من السعودية والإمارات والبحرين، وتوصلت إلى قرار تخفيض بعثاتها الدبلوماسية كرسالة واضحة للبنان والحريري تحديداً.
رابعاً: هناك مؤشرات أخرى تؤكد أن السعودية لا ترغب بالحريري ولا بتشكيله للحكومة، فقبل أيام نُشرت مقالة في صحيفة "المدينة" السعودية، والتي كانت تبدو كمحاولة سعودية لمغازلة الحريري ودعمه في جهود تشكيل الحكومة اللبنانية تحت عنوان أن الرياض تريد الحريري رئيساً للحكومة اللبنانية المقبلة دون الغوص بتفاصيل التشكيل والأحجام السياسية فيها. وجرى نشر هذه المقالة من قبل موقع تيار المستقبل والصحف المحسوبة عليه، فيما اعتبرت كرسالة دعم. لكن سرعان ما تلاشت هذه الفكرة مع سحب المقال من الصحيفة السعودية، بعد 4 ساعات فقط. وهو ما اعتبرته أوساط الحريري تأكيداً سعودياً على مبدأ التخلي عن الحريري ودعمه على الرغم من الوعود الفرنسية التي قطعت للأخير بسعي باريس لثني الرياض عن موقفها الرافض له.
وكانت فرنسا طلبت من واشنطن تَدخلاً لدى الإدارة السعودية للدعم، وذلك لاعتقاد المسؤولين الفرنسيين أن الإدارة الأمريكية هي الأكثر قدرة على إقناع المسؤولين السعوديين بهذا الأمر، نظراً للعلاقة الاستراتيجية التي تربط الرياض وواشنطن، ويؤكد مصدر أن تواصلاً جرى بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبين مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، للتوسط مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، للقبول بالحريري على رأس أي حكومة قادمة، ودعمها، ووعد كوشنر بالتوسط، لكنه وفق المصدر فشل في إقناع محمد بن سلمان.