الوقت- لقد مر عام على اتفاق "الرياض" الذي تم التوقيع عليه بين المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي لدولة الإمارات وحكومة الرئيس المستقيل "عبد ربه منصور هادي" القابعة في فنادق السعودية والذي أكد ضرورة تشكيل حكومة مشتركة في جنوب اليمن، لكن ذلك الاتفاق لم يرَ النور حتى يومنا هذا وذلك نتيجة لوجود الكثير من الخلافات بين قادة المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة "منصور هادي". إن فشل هذا الاتفاق الذي كتب عليه الموت قبل أن يخرج للحياة، جعل المسؤولين الإماراتيين والسعوديين قلقين بشكل متزايد بشأن مستقبل اليمن وخاصة بعد تقدم أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية "أنصار الله" في العديد من جبهات القتال وتحقيقهم الكثير من الانتصارات الميدانية على قوات تحالف العدوان ومرتزقته، وبعد إرسال إيران سفيراً لها إلى العاصمة صنعاء دون أي قلق، وهو بالتأكيد رسالة واضحة وقوية لهم. كما أن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية ستؤثر على كل المعادلات الإقليمية. وإضافة إلى كل هذه العوامل، فإن الأخبار المتناقضة عن وجود تركيا في اليمن، قد زادت من قلق الإمارات، والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية أن تركيا بذلت الكثير من الجهود في بداية العدوان على أبناء الشعب اليمني، والدخول على خطّ الأزمة من بوابة عدن، والزعم بحرصها على مصالح الشعب اليمني، ووحدة الأراضي اليمنية، لكن العديد من دول المنطقة ترى أن تركيا تعمل على تنوّع في أساليبها ومساعيها للتوغل في اليمن، تحت غطاء تقديم المساعدات الإنسانية، والسلل الغذائية للفقراء والمحتاجين. وتزعم تركيا أنها تريد الدخول إلى اليمن من أجل مساعدة الشعب اليمني والوقوف إلى جانبه في محنته جراء ظروف الحرب التي يعيشها منذ أكثر من خمسة أعوام، والتي تسببت في تشريد الملايين من منازلهم وارتفاع المجاعة بشكل غير مسبوق. ولهذا فإن أنقرة قدمت بعض الخدمات لليمنيين، من منطلق استغلال الأزمة، من أجل تأمين حلفاء أو أتباع لها في اليمن، كبحثها عن إمكانية استضافة معسكر تدريبي للمنتخب الوطني لكرة القدم، وتقديم عدد من المقاعد الدراسية في التخصصات الرياضية، وتنظيم دورات تدريبية مختلفة في تركيا، لدعم كفاءة الأندية والاتحادات الرياضية اليمنية.
وعلى صعيد متصل وفي تطور لافت لسلسلة التدخلات التركية في المنطقة، تجاوزت مساعدات أنقرة لجناح الاخوان في اليمن (حزب الإصلاح) مرحلة التمويل المادي، إلى إرسال ضباط دخلوا بشكلٍ سري لمساعدة ميليشيات إخوانية تنتشر وتنشط في محافظات تعز ومأرب وشبوة وأجزاء من محافظة أبين، تحت الغطاء الإنساني، وبهويات بديلة تخفي هوياتهم الأصلية وأسماءهم، وتسهّل لهم الوصول من دون لفت الأنظار، والهدف هو السيطرة على منطقة "باب المندب"، وإيجاد قدم لها في تلك المنطقة المهمة.
ومع تضرر مصالحها في اليمن، فقد شنت الإمارات هجوما حادا على تركيا في جامعة الدول العربية، متهمة إياها بممارسة تدخلات سلبية في شؤون اليمن وزعزعة استقراره وتهديد أمنه. وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، "أنور قرقاش"، في كلمة ألقاها خلال الدورة الـ 154 لمجلس جامعة الدول العربية التي عقدت على مستوى وزراء الخارجية: "تعد التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية كاليمن مثالا واضحا على التدخلات السلبية في المنطقة". واعتبر "قرقاش" أن تركيا تواصل "أعمالها الاستفزازية سواء أكان ذلك بشكل مباشر في اليمن أم عبر وكلائها من المليشيات والجماعات المسلحة (الاخوان المسلمين). واتهم تركيا بالاستمرار في تهديد أمن وسلامة حركة الملاحة البحرية في مياه البحر المتوسط، بما يشكل خرقا واضحا للقوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة وانتهاكا لسيادة الدول.
ومن جهتها، كشفت صحيفة "الخبر اليمني" في تقرير نشرته مؤخراً، أن الدور الذي لعبه إخوان اليمن في خدمة المشروع التركي لم يقتصر على عدد محدود من قيادات الجماعة، حيث يوجد المئات منهم في تركيا، مثل القيادي الإخواني وعضو مجلس شورى الإصلاح، "صلاح باتيس" الذي أنشأ مؤسسة تحت اسم "وقف أويس القرني لليمن" في تركيا، يعتقد أنها باتت غطاء لتبييض أموال الإخوان وإيصال الدعم المالي التركي للجماعة في اليمن. ويتجاوز النشاط الذي يسوق لدور تركي مرتقب في اليمن الجانب السياسي والإعلامي إلى الجانب العقائدي الذي يتبناه القيادي الإخواني وأحد أبرز منظري الجماعة الشيخ "عبدالمجيد الزنداني" المدرج على اللائحة الأميركية للإرهاب، والذي ظهر في مقطع فيديو وهو يبكي عقب الانقلاب العسكري الذي كاد يطيح بـ"أردوغان".
وفق تقرير صحيفة "الخبر اليمني" فإن "إخوان اليمن" بإيعاز تركي يرفضون العمل بآليات تنفيذ اتفاق الرياض، ويصرون على البقاء في محافظة شبوة للاستفادة من شريطها الساحلي الذي يخططون لاستقبال الدعم التركي من خلاله، ولذلك يرون أن الاتفاق يجهض مخططهم هذا، لكونه يجبرهم على الانسحاب إلى محافظة مأرب المعزولة عن الشريط الساحلي. وسبق أن أوردت الصحيفة اليمنية أنه يوجد نحو 28 ضابطاً تركياً في محافظة مأرب، 16 ضابطاً منهم دخلوا المحافظة في العام 2017، وجاؤوا بصفة إنسانية ضمن موظفي الهلال الأحمر التركي الذي افتتح له مقراً في المدينة شرقي اليمن، وكان بمثابة مكانٍ يعقد فيه اللقاءات والاجتماعات والتشاور مع قادة عسكريين يتبعون لحزب الإصلاح،
وعلى صعيد متصل، يرى الباحث المختص في الشؤون العربية "سمير راغب"، أن أهداف "أردوغان" الاستراتيجية من استعمال حزب الإصلاح في اليمن محاولة الوصول لحكم متطرف إخواني يتحكم بـ"باب المندب" وممراته المائية لمصلحة الدولة التركية، التي تحاول خلق موانئ لها مطلة على البحار كما جرى في "سواكن" قبل سقوط حكم "البشير"، وفي الصومال، التي زارها "أردوغان" بنفسه، وفي طرابلس بليبيا، وأخيراً في اليمن.
وإذا أخذنا في الاعتبار افتراض أن قرار تركيا بإنشاء خريطة جديدة في شبة جزيرة العرب وتحديداً في اليمن، فيمكن النظر في ثلاثة سيناريوهات :
اولاً: ستزيد تركيا من دورها في مجال التأثير الناعم على شكل إجراءات خدمية وإنسانية بشكل أساسي وخاصة في أجزاء من اليمن عن طريق إعادة الإعمار.
ثانياً: سوف تبذل أنقرة جهود لتصبح فاعلاً سياسياً مؤثراً في اليمن من خلال حزب الإصلاح من أجل لعب دور في المفاوضات حول اتفاق الرياض ودعم قوى الإخوان لجعلها شخصيات فاعلة لا تمحى من مشهد التطورات اليمنية أو على مستوى أعلى ولعب دور الوسيط بين المجموعات المتمركزة في الجنوب (المجلس الانتقالي الجنوبي) وحركة "أنصار الله" وعلى وجه الخصوص، إن هناك قابلية للحوار بين تركيا وقطر مع الجانب الإيراني باعتباره الداعم والمناصر لحركة "أنصار الله".
ثالثاً: تحقق المزاعم الإماراتية حول خطة تركيا لإرسال مجموعات عسكرية وشبه عسكرية إلى جنوب اليمن، وهي مزاعم من شأنها إثارة الحساسيات الدولية وسوف تخلق الكثير من الانتقادات للسياسة الخارجية لحكومة "أردوغان".
والآن وبعد أن أظهرت نتائج الانتخابات الأمريكية فوز "بايدن"، سيتعين علينا انتظار جولة جديدة من العمل السياسي والتوترات والتوازن السياسي في منطقة غرب آسيا بعد تشكيل حكومة جديدة في البيت الأبيض، ولن تكون قضية اليمن استثناءً. وفي غضون ذلك، يمكننا التساؤل هنا هل سيسعى "أردوغان" إلى اتخاذ إجراءات جديدة في خضم سياساته الخارجية فيما يتعلق بشبة جزيرة العرب ؟