الوقت- عقب الموقف المؤسف المتمثل في غياب بلاد الحرمين الشريفين عن مشهد نُصرة الإسلام والرسول (ص)، بعد الإساءات الصادرة عن الرئيس الفرنسيّ، إمانويل ماكرون، لأهم رمز إسلاميّ، طغى العداء التركيّ - الإماراتيّ النابع من الخلافات الايديولوجيّة والجيوستراتيجيّة، على المشهد ما جعل دولة الإمارات التي تسمي نفسها بالعربيّة في موقف الدفاع عن موقف ماكرون على خلفيّة الجدل الذي طاله في الأوساط الإسلاميّة، والمتعلّق بموقفه من الرسوم الكاريكاتوريّة المسيئة للنبي محمد(ص).
إنّ تناقض المصالح والعداء الدفين بين تركيا والإمارات، والذي يمثل جزءاً من الخلافات الكبيرة بين أنقرة والدول الخليجيّة، جعل أبوظبي تتخذ مواقف مخجلة مشابهة للمواقف السعوديّة التي وصفت بالـ "مشلولة" تجاه نصرة الدين الإسلاميّ، حيث رفض وزير دولة الإمارات للشؤون الخارجيّة، أنور قرقاش، في مقابلة مع صحيفة "دي فيلت" الألمانيّة، الاثنين الماضي، فكرة أن يكون الرئيس الفرنسيّ عبّر عن رغبة في إقصاء المسلمين.
وفي تصريح زاد غضب الشارع العربيّ والإسلاميّ، بعد الإساءة الفرنسيّة للمسلمين ورموزهم، أشار المسؤول الإماراتيّ إلى أنّه يجب الاستماع إلى ما قاله ماكرون حرفيّاً في خطابه، وأوضح أنّه محقّ تماماً في مواقفه ولا يريد عزل المسلمين في الغرب، معتبراً أنّه يجب على المسلمين أن يندمجوا بشكل أفضل، وأنّه من حقّ سلطات باريس البحث عن طرق لتحقيق ذلك بالتوازي مع مكافحة التطرّف والانغلاق المجتمعيّ، وفق تعبيره.
وعلى ما يبدو فإنّ المواقف الإماراتيّة تتسق تماماً مع مواقف الرياض المخجلة بعد الإهانة الفرنسيّة، مقارنة بمواقف سابقة اتخذتها مع الدنمارك بعد الإساءة للنبيّ محمد (ص)، عام 2006، ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول تشابه رد الفعل الإماراتيّ والسعوديّ في تلك المسألة المهمة.
كذلك، فإن باريس كما تقول الوقائع وسعت دائرة تحركاتها باتجاه الإمارات، بعد محادثاتها مع الرياض، للوقوف في وجه عاصفة المقاطعة في العالم العربيّ والإسلاميّ للمنتجات الفرنسيّة، بعد دعوات وحملات المقاطعة التي لاقت صدى واسعاً في الشارع الإسلاميّ.
وفي الوقت الذي رفض فيه الوزير الإماراتيّ للشؤون الخارجيّة، إدانة مواقف الرئيس الفرنسيّ، طالب أوروبا بالتصدي إلى مساعي تركيا نحو التوسع الإقليميّ، مشيراً إلى أن ماكرون يعد من السياسيين الأوروبيين القلة الذين يعارضون بشكل علنيّ التوسع الإقليميّ لتركيا.
وفي إطار العداء المستفحل بين أبوظبي التي تعاني من عقدة النقص في السيطرة والنفوذ وبين تركيا الإخوانيّة الحالمة بأمجادها العثمانيّة، بيّن قرقاش أنّ أوروبا بحاجة إلى موقف موحد تجاه أنقرة، ولفت إلى أنّه بمجرد أن يرى الرئيس التركيّ، رجب طيب أردوغان، ثغرة أو نقطة ضعف فإنّه يستخدمها لزيادة نفوذه، وهو لا يبدي استعداداً للتفاوض إلا عندما نظهر له الخط الأحمر.
وكرر المسؤول الإماراتيّ الجمل المعهودة في تصريحات أبوظبي حول أنّ مشروع أردوغان الأيديولوجيّ يرتبط ارتباطاً وثيقا بمساعي التوسع، قائلاً: "إنّ هذا المشروع إسلاميّ، وهدفه نشر أيديولوجيّة جماعة الإخوان المسلمين دولياً وكسب النفوذ".
ومن الجدير بالذكر، أنّ حدة المواقف المناهضة لفرنسا ارتفعت بقوة في الأيام الأخيرة على المستوى العربيّ والإسلاميّ، ناهيك عن الاحتجاجات الغاضبة الرافضة لتصريحات ماكرون التي دافع فيها عن الحقّ في نشر رسوم كاريكاتوريّة مهينة للرموز الدينيّة تحت مسمى "حرية التعبير"، عقب حادثة قطع رأس مدرّس فرنسيّ في 16 تشرين الأوّل، على يد مهاجر شيشانيّ، بعد عرضه رسوماً كاريكاتوريّة للنبي محمد ضمن حصّة دراسيّة.
وقد انتفض العالم الإسلاميّ بشدّة ضد الإهانات الفرنسيّة، وضجّت وسائل التواصل الاجتماعيّ بعبارات التجليل للرسول الأكرم (ص) إضافة إلى دعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسيّة، واتخاذ مواقف عربيّة وإسلاميّة رادعة للهجمة الفرنسيّة العنصريّة ضد الإسلام، وقد لاقت دعوات المقاطعة استجابة كبيرة في الأوساط الإسلاميّة، والتي في حال استمرت ستكبد الاقتصاد الفرنسيّ خسارة جمّة.
في النهاية، لم يأتِ الموقف الإماراتيّ كما يشتهي العالم العربيّ والإسلاميّ، فبعد أن تجاهلت الإمارات في البداية قضيّة الإساءة للنبيّ الأكرم، ذكرت وكالة أنبائها، قبل يومين، أنّ ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، عبر عن إدانته الهجمات الإرهابيّة الأخيرة في فرنسا خلال اتصال هاتفيّ مع ماكرون، وشدد على رفضه خطاب الكراهيّة الذي يسيء إلى العلاقة بين الشعوب ويؤذي مشاعر الملايين من البشر ويخدم أصحاب الأفكار المتطرفة، كما رفض بشكل قاطع أيّ تبرير للإجرام والعنف والإرهاب.