الوقت – بينما لم يتبق علی إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية سوی أقل من أسبوعين، تشير استطلاعات الرأي إلى تفوُّق الديمقراطيين بقيادة "جو بايدن"، رغم أن المناخ السياسي الأمريكي لا يمكن التنبؤ به، ولا يمكن تحديد ما سيحدث بالضبط في 3 نوفمبر.
ومع ذلك، أظهر استطلاع جديد لشبكة CBS News أن بايدن لا يزال يحتفظ بفارق 10٪ مع ترامب.
لكن الجمهوريين، بقيادة دونالد ترامب الذي لا يمكن أن يوقف شيء جشعه للبقاء في قاعات البيت الأبيض أربع سنوات أخری، لم ينووا أبدًا إفساح المجال للخصم بهذه السهولة.
ولهذه الغاية، لجؤوا حتی إلى الفضيحة القديمة لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ومنافسة ترامب في الانتخابات السابقة، ويأملون أن تصبح رسائل البريد الإلكتروني المسربة من كلينتون، والتي قلبت الصفحة لمصلحة الجمهوريين في عام 2016، ملاك الخلاص مرةً أخرى.
على أي حال، الجدل الدعائي في الولايات المتحدة بشأن الانتخابات يقترب من نهايته، والمثير للاهتمام أنه وفقًا لتقارير إعلامية عديدة، فإن شعوب منطقة الشرق الأوسط وقادتها أكثر قلقًا من نتيجة الانتخابات الأمريكية من الأمريكيين أنفسهم!
لماذا يشعر العرب بالقلق من نتيجة الانتخابات الأمريكية؟
في غضون ذلك، قد يكون البعض متفائلاً بأن فوز جو بايدن على ترامب يمكن أن يهدئ سياسات واشنطن العدائية ومغامراتها في الشرق الأوسط. ويعتقد البعض أيضًا أنه لا فرق بين ترامب وبايدن، لأن نهج الولايات المتحدة تجاه المنطقة، سواءً مع الحلفاء أو الأعداء، كان دائمًا هو نفسه، والأجندة هي التي قد تختلف فحسب.
ولكن لماذا يشعر بعض قادة الأنظمة العربية في المنطقة بالقلق الشديد من هزيمة دونالد ترامب؟
في ملاحظة حول "المخاوف الجادة" للسعودية والدول الخليجية بشأن الهزيمة المحتملة لدونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كتب موقع "ميدل إيست آي" الإخباري التحليلي أن سنوات رئاسة ترامب، ومن خلال الإعلان عما يسمى بخطة "صفقة القرن" المناهضة لفلسطين، شهدت إعادة تنظيم غريبة للعلاقات الأمريكية العربية.
خلاصة الصفقة هي أن الدول العربية، وخاصةً الدول الخليجية، تتخلی عن أي مقاومة لأطماع الکيان الإسرائيلي في فلسطين، وفي المقابل ستحظی هذه الدول بالدعم الكامل من الولايات المتحدة والکيان الصهيوني في مواجهتها مع إيران.
ووفقًا لـ ميدل إيست آي، كان البعد الثاني لإعادة تنظيم العلاقات بين الولايات المتحدة والدول العربية في عهد ترامب، هو نهج بيع الولايات المتحدة الأسلحة إلى الدول الخليجية بسخاء، إلى جانب تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الحلفاء العرب في الخليج الفارسي.
منذ تدخل السعودية والإمارات في الحرب الأهلية اليمنية وإجراءاتهما اللاإنسانية، وكذلك المآسي الكبرى التي ألحقتاها بالشعب اليمني ، أثار إصرار ترامب على بيع أسلحة هجومية للبلدين جدلًا كبيرًا من قبل خصومه في الكونغرس الأمريكي.
کما أن الاغتيال الوحشي للصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في أكتوبر 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول، ومن ثم طلب الكونغرس الأمريكي محاسبة السعوديين على مثل هذه الجريمة المشينة، يظهران تناقضًا بين نهج ترامب النفعي في العلاقات الخارجية وقرارات الكونغرس في هذا البلد.
وکان ترامب قد صرح أنه لن يعرض صفقات الأسلحة المربحة مع السعودية للخطر أبدًا، من أجل تحقيق عدالة حقيقية.
وبالتالي، طالما استمر قادة الدول الخليجية في شراء الأسلحة الأمريكية بأرقام فلكية، والخضوع للدعاية الأمريکية المعادية لإيران، والسماح للکيان الإسرائيلي بفعل ما يشاء في فلسطين، فإن ترامب مستعد لدعمهم بغض النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان أو الديمقراطية، حتى يتمكنوا من متابعة أي سياسة يرونها ضروريةً لأمنهم.
وقال ترامب في وقت سابق في مقابلة مع "بوب ودورد" الصحفي الاستقصائي، عن محمد بن سلمان الذي لا يزال في السلطة، على الرغم من فضيحة خاشقجي: "لقد أنقذته".
التكاليف الفلكية التي تتکبَّدها السعودية والإمارات في حملة ترامب
تعمل جماعتا الضغط التابعتان للسعودية والإمارات، واللتان تضمان أكثر من 200 مكتب، على الاتصال بالكونغرس و18 مركزًا بحثيًا ومعظم وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى، كما أنشأت قنوات اتصال كبيرة. کما تتعاون جماعات الضغط هذه بشكل فعال مع الصحفيين والمراسلين في معظم وسائل الإعلام المحلية الأمريكية، لتحديد خطوط وسائل الإعلام.
في الواقع، من خلال ضخ الأموال في مراكز الأبحاث الأمريكية، فإن هذه اللوبيات تنظِّر لسياساتها من خلال هذه المراكز الفكرية. ولذلك، من الطبيعي أنه إذا فاز مرشح هذه اللوبيات، فإن السياسة الخارجية للولايات المتحدة في منطقة غرب آسيا سوف تتأثر بوجهات نظر السعودية والإمارات.
وفي هذا السياق، في أواخر عام 2019، اتهم المدعي العام الأمريكي ثمانية أشخاص، من بينهم رجل الأعمال الأمريكي من أصل لبناني "أحمد الخواجة"، والمواطن الأمريكي من أصل لبناني "جورج نادر"، والمستشار السابق لولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، بتهمة التبرع بشكل غير قانوني بمبلغ 3.5 ملايين دولار لحملة ترامب في عام 2016.
ولكن بعد فترة، اعترف أحمد الخواجة بأن الحكومتين السعودية والإماراتية قد أنفقتا بشكل غير قانوني عشرات أو حتى مئات الملايين من الدولارات على حملة دونالد ترامب الدعائية لعام 2016، لإيصاله إلى السلطة ومواجهة إيران.
إضافة إلى ذلك، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن ممثلين عن ولي عهد السعودية والإمارات التقوا بـ "دونالد ترامب جونيور" نجل ترامب قبل انتخابات عام 2016، للحديث عن مساعدة والده في حملته الانتخابية.
في الفترة الحالية وعلی الرغم من أنه لم يتم الكشف عن أي دليل موثوق به على التمويل المباشر من الأنظمة العربية لانتصار ترامب، وكما هو الحال في الفترة السابقة من المرجح أن يتم الكشف عنها بعد وقت قصير من إعلان نتائج الانتخابات، ولكن المبالغ المالية الكبيرة التي تقدمها هذه الدول، ولا سيما السعودية، للرئيس الأمريكي تحت ذرائع مختلفة، تلعب دورًا محوريًا في حملته الانتخابية.
مقامرة العرب على فلسطين لإنقاذ ترامب
بغض النظر عن التكاليف المالية الكبيرة التي اعتاد عرب الخليج إنفاقها على سيدهم الأمريكي، ولكن أكبر تكلفة دفعتها هذه الأنظمة لمساعدة ترامب على الفوز، كانت الوقوف في وجه التطلعات العربية والإسلامية وقضية فلسطين.
بعد فشل دونالد ترامب في حل أزمة وباء كورونا وعواقبها الوخيمة على الأمريكيين، وتصعيد سلوكه العنصري في الآونة الأخيرة، اشتدت الاحتجاجات المحلية ضد سياسات ترامب في الفترة التي سبقت الانتخابات.
في هذه الأثناء، احتاج الرئيس الأمريكي إلى إنجاز كبير يقدمه للوبي الصهيوني، باعتباره أكبر جماعة ضغط وأكثرها نفوذاً في الولايات المتحدة، والمدعومة من الديمقراطيين والجمهوريين، إنجازٌ حصل عليه بسهولة من مشيخات الخليج الفارسي.
وبينما كان رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتصارع مع أزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية، وقبل كل شيء قضايا الفساد التي اتُّهم بها، تلقى الصهاينة هديةً من ترامب لم يمنحهم أي رئيس آخر في تاريخ الولايات المتحدة.
إن تطبيع العلاقات مع الدول العربية لممارسة تأثير أسهل وأوسع عليها، ومن ثم المنطقة كلها، كان حلماً طويل الأمد للکيان الإسرائيلي، والذي حققته الأنظمة العربية الرجعية. ويعتقد العديد من المراقبين والمحللين أن اتفاق الإمارات والبحرين مع تل أبيب كان سلامًا مجانيًا وأحاديًا.
وما تحقق من اتفاق التسوية العربية مع الصهاينة حتى الآن، هو في مصلحة الطرف الآخر فقط. فإضافة إلى الأبعاد السياسية الإيجابية، بدأ الإسرائيليون على الفور استغلالهم الاقتصادي للاتفاق.
لكن قناة الجزيرة الإخبارية أوردت أن: "الأثر الحقيقي لتطبيع العرب مع الکيان الصهيوني، يعتمد إلى حد كبير على فوز ترامب في الانتخابات والتطورات السياسية الإسرائيلية".
التطبيع مع الکيان الإسرائيلي المحتل والقاتل للأطفال، هو أعلى ثمن دفعه العرب مقابل فوز ترامب في الانتخابات المقبلة. ومن خلال القيام بذلك، اشترت الأنظمة العربية الكراهية الدائمة لنفسها في العالمين العربي والإسلامي، والأهم من ذلك شعوبها، وقد يتعرَّض حكمهم للخطر على المدى الطويل.
المبدأ هو العداء المشترك لإيران
من أكبر القواسم المشتركة بين الأنظمة العربية والحكومة الأمريكية عداوتهم المشتركة للإيرانيين، ومن أسباب دخولهم تحت مظلة الصهاينة هو الوهم بأن "عدو عدوك صديقك".
وفي هذا السياق، وفي مقابلة مع مجلة "تايم" مؤخراً، كرر محمد بن سلمان ولي عهد السعودية الادعاءات التي لا أساس لها ضد جمهورية إيران الإسلامية، وشدد على أن إيران هي العدو المشترك للسعودية والکيان الصهيوني. مضيفاً "أننا وإسرائيل لدينا عدو مشترك، ويبدو أننا قادرون على التعاون الاقتصادي المحتمل في العديد من المجالات".
محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي وخليفة حفتر في ليبيا، المدعومون بالكامل من إدارة ترامب، ليسوا مستعدين أبدًا لهزيمته في الانتخابات الأمريكية المقبلة. بالطبع هذا لا يعني أن هذه الأطراف ستصبح أعداءً للولايات المتحدة بعد ترامب، بل سيظلون حلفاءً للولايات المتحدة، ولكن يجب أن يخضعوا لمحاسبة الإدارة الجديدة وتوبيخها.
إذا فاز الديمقراطيون في الانتخابات الأمريكية، فمن المرجح أن تسعى إدارة بايدن وزعماء الكونغرس من الديمقراطيين، إلى إصلاح شامل لعلاقات الولايات المتحدة مع الدول الخليجية. کما أن اتخاذ موقف متشدد ضد هذه الأنظمة لن يكلف واشنطن الكثير على الصعيد الدولي، لكن سيكون له تأثير إيجابي للغاية على الناخبين الأمريكيين.
لسنا بصدد القول إن أهداف بايدن وترامب الشرق أوسطية مختلفة، أو إن سياسة الديمقراطيين تجاه إيران أكثر اعتدالاً من سياسة الجمهوريين، ولعل خطابات جو بايدن الأخيرة ضد قمع الأنظمة العربية واغتيال جمال خاشقجي هي لعبة دعائية، ولكن الحكومات العربية التي تروج لمبدأ العداء مع إيران، تخشى أنه مع هزيمة ترامب ستدخل سياسة واشنطن العدائية تجاه طهران في اتجاه اعتدالي، لا يتوافق مع المزاج المتسرع والمتطرف للعرب.