الوقت- شهدت منطقة "قارا باغ" أو كما يطلق عليها البعض "ناغورني كاراباخ" خلال الأيام القليلة الماضية نشوب حرب واسعة النطاق بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا، وهذا الأمر قد أثار الكثير من المخاوف الدولية. ووفقاً للعديد من وسائل الإعلام المحلية، فإن عدد ضحايا هذه الحرب والاشتباكات العسكرية بين الطرفين في ازدياد مستمر. وبينما كثفت دول عديدة حول العالم جهودها الدبلوماسية لإنهاء هذه المواجهات، أضاف دعم تركيا لأذربيجان بُعدًا آخر لهذا الصراع، حيث وصفت وكالة الأنباء الألمانية "دويتشه فيله"، الصراع الأخير بين البلدين في المنطقة المتنازع عليها بأنه أعنف مواجهة عسكرية بين البلدين منذ عقود.
وعلى صعيد متصل، أعلنت العاصمة الأرمينية "يريفان" الليلة الماضية عن دعم تركيا للجيش الأذربيجاني، وأعلنت وزارة الدفاع الأرمنية أن الجيش الأذربيجاني استخدم أسلحة تركية الصنع في هجماته الاخيرة وأكد العديد من القادة الأرمينيين أنه حتى أن الطائرات العسكرية التركية بدون طيار قد استخدمت في تلك الاشتباكات ولهذا فلقد أجرى الرئيس الأرميني "نيكول باشينيان" مكالمة هاتفية مع الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، حثته فيه على اجبار أنقرة على عدم التدخل في الصراع بين البلدين وعدم دعم القوات الأذربيجانية. ويرى العديد من الخبراء العسكريين أن التدخل العسكري التركي في الصراع الحاصل في منطقة "ناغورنو كاراباخ" يمكن أن يضيف بُعدًا جديدًا للمواجهة ويفجر حربًا شاملة.
وتقع المنطقة الجبلية "ناغورنو كراباخ" داخل أذربيجان حسبما هو مُعترف به دوليا، لكن يديرها منحدرون من أصل أرميني والذين أفادوا أن القوات الأرمنية تفقد تمركزها على الأرض مع سقوط المزيد من جنودها حيث قتل 15 جنديا أرمينيا خلال اشتباكات اليوم الاثنين مع القوات الأذرية والتي، وحسب إدارة الأقليم، تحظى بدعم عسكري تركي. ولقد أثارت هذه المعارك قلقاً دولياً، وحفزت الاشتباكات جهودا دبلوماسية لخفض التوتر في الصراع الذي يعود لعقود بين أرمينيا ذات الأغلبية المسيحية وأذربيجان ذات الأغلبية المسلمة، ودعت الأمم المتحدة وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة بشكل خاص إلى وقف فوري لإطلاق النار. وحثت الصين وروسيا الجانبين على ضبط النفس.
وحول هذا السياق، قال "أفشار سليماني"، السفير السابق لجمهورية إيران الإسلامية في اذربيجان في مقابلة صحفية: أن "الصراع الحاصل في منطقة ناغورنو كاراباخ هو صراع كان خامد وكانت عبارة عن نار تحت رماد لثلاثة عقود مضت. لقد احتلت أرمينيا جزءًا من أراضي أذربيجان، ولقد صدرت أربعة قرارات لمجلس الأمن الدولي بشأن انسحاب القوات المحتلة من الأراضي الأذربيجانية، لكن هذه القرارات لم تنفذ. ومنذ عام 1994، عندما تم التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في بيشكيك، كان من المفترض أن تسعى مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) إلى إيجاد حل للصراع الدائر في تلك المنطقة".
الصراع بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان
وأضاف السفير الإيراني السابق لدى أذربيجان: "الروس لديهم عقد عسكري مدته 49 عامًا مع أرمينيا، ووضعت يريفان قواعدها العسكرية في منطقتين من البلاد تحت السيطرة الروسية، وتخضع حدود أرمينيا مع الدول الأخرى بشكل أساسي لسيطرة القوات الروسية التي لديها السلطة الكاملة على تلك المناطق. وبعد تنصيب نيكول باشينيان، الرئيس الحالي لأرمينيا، والذي لا يعتبر من أرمن ناغورنو كاراباخ، كان من المتوقع أن تتقلص الفجوة بين البلدين، لكنه لم يتمكن من القيام بذلك. لقد سيطر الروس الآن على كل من أرمينيا وآسيا الوسطى وجنوب القوقاز، وسيطروا على العديد من البلدان في تلك المنطقة لمنعها من اقامة علاقات قوية مع الدول الغربية".
وأعرب السفير الإيراني السابق في حواره إلى أن مشاكل منطقة "ناغورنو كاراباخ" ليست مشاكل واسعة النطاق، ولفت إلى أنه في أبريل 2016 وفي فترات زمنية مختلفة، حدثت مثل هذه المواجهات والصراعات بين الجانبين وانتهت بوقف إطلاق النار. وأكد أن روسيا مترددة في استمرار الصراع لأنها تريد السيطرة على جمهورية أذربيجان.
وعلى صعيد متصل، قال "سليماني": "تركيا لديها 10 كيلومترات فقط من الحدود مع ناختشفان وقد بنت جسر الأمل هناك. وبسبب خلافات تركيا مع أرمينيا، لا توجد علاقات بين البلدين وحدودهما التي تصل إلى 600 كيلومتر مغلقة. وعلى الرغم من توقيع الوثائق مرارًا وتكرارًا بين الجانبين، إلا أنه لم يتم حلّ تلك الخلافات ولا تزال المشاكل بين يريفان وأنقرة قائمة حتى الآن. أرمينيا لديها مطالبات إقليمية بأجزاء من الأراضي التركية وتعتقد أن المنطقة المعروفة باسم أرمينيا الغربية تنتمي إلى يريفان. لا تزال أرمينيا تدعي أن الأتراك العثمانيين ذبحوا 1.5 مليون أرمني في عام 1915، وهو ما لا تقبله أنقرة، ولهذا لا تزال هذه الخلافات قائمة بين الجانبين. وبالإضافة إلى ذلك، دعمت بعض الدول إلى جانب الكيان الصهيوني أرمينيا واعترفت بالمذبحة".
وأضاف السفير الإيراني السابق، قائلاً: "تركيا لديها مشكلة مع أرمينيا ولهذا فإنها تقف إلى جانب جمهورية أذربيجان، التي تستخدمها كرافعة لتحركاتها الإقليمية في تلك المنطقة . ومنذ بداية انهيار الاتحاد السوفيتي السابق واستقلال أذربيجان، كانت تركيا من أوائل الدول التي اعترفت بها، وكان لهما في الغالب علاقات جيدة مع بعضها البعض. ومنذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة ورئاسة رجب طيب أردوغان، توطدت العلاقات بين تركيا وأذربيجان، وأعربت أنقرة مرارًا عن دعمها لباكو".
وأكد السفير الإيراني السابق في باكو خلال حواره، قائلا: "إذا اندلعت حرب في كاراباخ، فإن تركيا لن تستطيع ولن تقف إلى جانب جمهورية أذربيجان. وإذا استمرت الحرب الدائرة، والتي أعتقد أنها لن تستمر طويلاً، والتي قد تنتهي بعد أيام قليلة بوقف إطلاق النار، ستسحب تركيا دعمها لأذربيجان، على الرغم من العلاقات القائمة بينهما. لقد اتخذ صراع ناغورنو كاراباخ بُعدًا دوليًا، وإذا دخلت تركيا، فستدعم روسيا أيضًا أرمينيا، مما يعني أن روسيا وتركيا ستواجهان بعضهما البعض، وهذا لن يحدث بالتأكيد. كما أن مجموعة مينسك تعارض استمرار النزاع في ناغورنو كاراباخ، ومن المحتمل أن تدلي ببيان حول هذه المسألة قريبًا، وتحث الجانبين على الدخول في مفاوضات بالإضافة إلى وقف إطلاق النار".
وفي ختام حديثة، قال السفير الإيراني السابق: إن "استمرار الصراع مع التدخل الروسي والتركي قد يؤجج نيران التوتر في منطقة ناغورنو كاراباخ، لذلك لا أعتقد أن الجانبين مستعدان للدخول في مواجهة وحرب واسعة النطاق في تلك المنطقة. والنقطة التي قد تطرأ هي أنه بعد وقف إطلاق النار، سيتّعين على الجانبين والأطراف الإقليمية إتباع عملية اتفاق إطلاق النار الشامل بجدية أكبر".