الوقت – بعد انتهاء المهلة الفرنسية التي امتدت أسبوعين لتوصل الکتل والجماعات اللبنانية إلى اتفاق على تشكيل الحكومة، أعلن "مصطفى أديب" المرشح لرئاسة الوزراء استقالته يوم السبت، ووافق الرئيس "ميشال عون" على استقالته.
مع استقالة أديب، أصبحت آفاق تطورات لبنان المنكوب، والذي يواجه احتجاجات شعبية بسبب الوضع الاقتصادي غير المواتي وكذلك أزمة كورونا، أكثر قتامةً من ذي قبل.
وفي هذا الصدد، أجری "الوقت" حواراً مع السيد "هادي أفقهي" لمزيد من النظر في أسباب استقالة أديب وآفاق التطورات في لبنان بعد هذه الاستقالة.
لماذا فشل أديب في مهمته؟
حول أسباب فشل أديب في تشكيل الحكومة، يرى هذا الخبير في الشؤون الإقليمية أن الظروف التي كان من الممكن أن تساعد أديب في تشكيل الحكومة لم تتحقق له.
الشرط الأول يتعلق بشخصية أديب نفسه. لقد جاء أديب من خارج الهيكل السياسي والحكمي في لبنان. عادةً ما يكون رؤساء الوزراء اللبنانيون من بين أبرز الشخصيات السياسية في البلاد. وقد سادت هذه القاعدة منذ تأسيس لبنان بعد الاستقلال عن فرنسا. في الواقع، كان وزن أديب أقل بكثير في الطائفة السنية من شخصيات مثل فؤاد سنيورة ورفيق الحريري وحتى سعد الحريري نفسه، الذين كانوا مرتبطين بالدوائر الدولية.
والمسألة الثانية هي أن أديب لم تكن لديه خبرة تنفيذية كبيرة. والقضية الأخرى هي أنه منذ بداية تسمية أديب، واجه الأخير فيتو الولايات المتحدة والسعودية. العلاقات بين فرنسا والسعوديين بعد حادثة استقالة الحريري الغامضة في السعودية ليست جيدةً، ويبدو أن السيد ماكرون قد اختار أديب من خارج الطبقة السياسية اللبنانية، بسبب صلاته بالدوائر الفرنسية وقصر الإليزيه. بعد الزيارة الأولى للسيد ماكرون إلى بيروت، أجريت اتصالات مع أديب، وأخيراً تم تقديمه کمرشح لتشكيل الحکومة.
والقضية التالية كانت التعامل المزدوج والنفاق في معظم جماعات تيار 14 آذار. حيث لعبوا دورًا مزدوجًا لأنهم واجهوا ضوءاً أحمر من الولايات المتحدة والسعودية. بمعنی أنهم لم يعارضوا ترشيح أديب لرئاسة الوزراء، لكنهم في المقابل لم يساعدوه في اختيار الوزراء وتشكيل الحكومة، بل قاموا بالعرقلة أيضاً، على سبيل المثال، قالوا له إذا اخترت الشخصية الفلانية فلن نصوت لك في البرلمان. مثلاً، قال السيد الحريري زعيم 14 آذار وکتلة المستقبل، نحن نوافق على انتخاب أديب، لكننا لن نشارك في حكومته. والموقف ذاته اتخذه وليد جنبلاط. أما جعجع فقد أعلن أنه لن يقبل أديب إطلاقاً. وهكذا، سلك تيار 14 آذار مساراً تآکلياً ومملاً لإهدار الوقت، ومن جهة أخرى وقعت حادثة أخرى قد زادت الطين بلةً، وهي زيارة مستشار الخارجية الأمريكية للبنان.
وفي لقائه مع "نبيه بري"، أصرّ "ديفيد شينكر" على أن تتفاوض حكومة لبنان مع الکيان الصهيوني حول ترسيم الحدود البحرية، وتقدِّم التنازلات. يوجد حالياً خلاف حول الحدود اللبنانية الإسرائيلية، والکيان الصهيوني له أطماع في الأراضي اللبنانية البحرية، عالماً بوجود احتياطيات من الغاز في المربع رقم 4 أو احتياطيات النفط في المربع رقم 10، ولهذا السبب يضغط على الولايات المتحدة لانتزاع هذه المناطق من لبنان. ولذلك، لم يخضع نبيه بري لهذه الضغوط، وعندما غادر شينكر لبنان بغضب وعاد إلى واشنطن، فرض عقوبات علی وزيرين لبنانيين من الشيعة.
من جانبه شدَّد نبيه بري لأديب على أن وزارة المالية يجب أن تبقى في يد أمل، وأن السيد "حسن خليل" الذي فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليه يجب أن يتم ترشيحه لهذا المنصب. وزاد هذا الأمر الضغط على أديب، ولم تستطع وساطة ميشال عون إيجاد حل.
أکد أديب على أن ترتيب الوزراء لا ينبغي أن يقوم على أساس الانقسامات المذهبية والدينية، وهو أمر مضحك. في الواقع، إن الدعوة إلى حكومة تكنوقراط أمر غريب، لأنه لم تكن هناك حكومة في لبنان من دون حصص طائفية، وقد اجتمعت کل هذه القضايا وأدت إلی فشل أديب في مهمته.
ما هي سيناريوهات لبنان المقبلة بعد أديب؟
وفي جزء آخر من حديثه حول آفاق تشكيل الحكومة بعد استقالة أديب، قال السيد أفقهي: بهذه الاستقالة دخل لبنان الآن في نفق أكثر ظلاماً. لقد أيَّد حزب الله اللبناني وحركة أمل ترشيح أديب، وعادةً ما يكون رئيس الوزراء الذي يوافق عليه تيار 8 آذار، حساساً لتيار 14 آذار. كان لأديب علاقات سابقة مع المقاومة اللبنانية عندما كان سفيراً لدى ألمانيا وکان معروفاً لحزب الله، لذا فالمسؤول عن فشله هو تيار 14 آذار.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو ماذا بعد؟ هل سيدعم حزب الله وأمل الحريري إذا ترشَّح لهذا المنصب؟ وحتى لو كانوا يريدون دعمه، فهل الحريري على استعداد لمنحهم الامتيازات التي يريدونها؟ على سبيل المثال، تطالب حركة أمل برفع العقوبات عن حسن خليل وتوليه وزارة المالية. وفي هذه الظروف، السؤال الآخر هو أنه إذا لم يستطع الحريري أن يصبح رئيساً للوزراء، فمن يحل محله؟ من يمكنه الآن أن يصبح رئيسًا للوزراء من خلال اتفاق بين فرنسا والولايات المتحدة وإيران والسعودية، غير الحريري ورؤساء وزراء سابقين آخرين مثل فؤاد سينيورة ونجيب ميقاتي وعمر كرامة؟ المشهد تعقَّد بشدة، وأعتقد أن التيارات اللبنانية ستنتظر نتيجة الانتخابات الأمريكية. فإذا فاز ترامب، سيستمر الوضع کما هو، ولكن إذا فاز جو بايدن، فقد يتم اقتراح حل آخر.
من ناحية أخرى، من الممكن أن يسعی البعض إلى انهيار كامل للاقتصاد اللبناني الحالي والأمن الداخلي، مع استمرار الوضع الحالي، وسقوط البلاد في حرب أهلية. وحتی إذا لم تكن هناك حرب أهلية، يستمر عدم الاستقرار والأزمات. إن هدف تيار 14 آذار، کما السعودية والولايات المتحدة، وهو ما تجلی بوضوح في کلمة الملك سلمان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام قليلة وهجومه الشديد علی حزب الله والدعوة إلى نزع سلاحه، هو الضغط على المقاومة اللبنانية للموافقة على نزع السلاح.
وبشكل عام، يجب القول إن الوضع في لبنان أصبح أكثر تعقيداً، وعلينا أن ننتظر ونرى ما إذا كان بإمكان لبنان اجتياز هذه المرحلة الحرجة من تاريخه بأقل التكاليف.