الوقت-في 14 أيلول 2020 ، أجرى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تغييرات وتعيينات جديدة في قطاعات مالية واقتصادية مهمة في العراق ، ما تسبب في رد فعل كبير على مستوى الساحة السياسية العراقية. وتأتي إصلاحات الكاظمي في الوقت الذي أوصى فيه آية الله السيد السيستاني ، المرجع الشيعي الأعلى في العراق ، في الأيام الأخيرة عن الحاجة إلى ضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية كبرى ومحاربة الحكومة للفساد.
مصطفى الكاظمي الذي منذ مجيئه الى المنطقة الخضراء، توعد بإجراء إصلاحات على قدر الإمكان ورفعَ شعار محاربة الفساد ، أقال محافظ البنك المركزي علي العلاق ، الذي ترأس أهم مؤسسة نقدية ومالية في البلاد منذ ست سنوات، وعين مصطفى غالب ، المدير العام السابق للشؤون القانونية في البنك المركزي ، رئيسًا جديدًا للبنك المركزي.
كما عين رئيس الوزراء العراقي "سهى داود الياس النجار" رئيساً للهيئة الوطنية للاستثمار العراقي باعتبارها أهم هيئة لسياسة الاستثمار في البلاد. وعيّن الكاظمي "سالم جواد عبد الهادي الجلبي" مديرًا للمصرف العراقي للتجارة TBI لبنك التجارة في العراق ، وهو أهم بنك تملكه الدولة العراقية لفتح قروض مع دول الخارج. ووفقاً لقرارات الكاظمي الجديدة ، تم انتخاب "حسن حلبوص حمزة" رئيساً لهيئة الأوراق المالية العراقي.
كما أجرى رئيس مجلس الوزراء تغييرات في بعض المؤسسات الخدمية والمخابراتية ، حيث تولى "منهل عزيز رؤوف الحبوبي" منصب أمين بغداد ، وأصبح "خالد العبيدي" وزير الدفاع الأسبق، وكيلًا لشؤون العمليات لجهاز المخابرات الوطني العراقي، وتم إختيار "سامي المسعودي" رئيسًا لهيئة الحج والعمرة وعلاء جواد حامد رئيسًا لهيئة النزاهة.
كان الإصلاح الاقتصادي ومحاربة الفساد أحد المطالب العامة الرئيسية للشعب العراقي في الآونة الأخيرة ، فضلاً عن كونها شعارات إعلانية رئيسية ووعود إنتخابية رفعتها الأحزاب والتيارات السياسية العراقية دائمًا ، كما أكدت الحكومات التي سبقت الكاظمي على ضرورة إتباع هذا النهج، بل وأنهم اتخذوا خطوات لضمان عدم تحقق النتائج المرجوة من قبل الشارع العراقي. والسؤال الآن إلى أي مدى ستتمكن حكومة الكاظمي من تحقيق أهداف حملتها ضد الفساد وتنفيذ إصلاحات للبنية الاقتصادية للمجتمع العراقي؟ الطريق ليس سهلا بأي حال من الأحوال ، والكاظمي يرى تحديات وعقبات مهمة أمامه.
التحديات التي تواجه الكاظمي
إن التغييرات التي قام بها الكاظمي جاءت في وقت يمر فيه العراق بوضع حرج في مختلف المؤشرات الاقتصادية على مدى السنوات القليلة الماضية، وهذه تُعد قضايا رئيسة يجب على الكاظمي والشخصيات الاقتصادية في مجلس الوزراء العمل عليها في الأشهر التي تسبق الانتخابات المبكرة في العراق. وبالنظر إلى هذه الاعتبارات ، فإن أهم القضايا الراهنة للاقتصاد العراقي هي:
1. الفساد المستشري: مما لا شك فيه أن القضية الأكثر أهمية في الاقتصاد العراقي منذ عام 2003 هي قضية الفساد المستشري بشكل كبير في مفاصل الدولة العراقية. لقد أصبح الفساد في العراق متجذرًا ومنتشرًا لدرجة أنه لا توجد عملية بيروقراطية في هذا البلد تستطيع أن تمضي بشكل طبيعي ، ويجب اللجوء إلى طرق غير قانونية لدفع الأمور تسري إلى الأمام. كما أن المديرين الاقتصاديين في العراق غالباً ما يدخرون مبالغ طائلة من المال لأنفسهم ، والتي لا علاقة لها برواتبهم. وبالإجمال فإن هذه الأمور أدت بالعراق الى أن يحتل المرتبة 162 من أصل 180 دولة في مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية.
2. التنمية الاقتصادية غير المتوازنة: على مستوى آخر ، هناك عامل آخر للفشل الاقتصادي للحكومة العراقية في الداخل وهو التنمية الاقتصادية غير المتوازنة ، والتي كان لها تأثير عميق على اقتصاد البلاد. والحقيقة أن التنمية الاقتصادية غير المتوازنة، مع تمتع بعض الأطراف بالتنمية والازدهار الاقتصادي وعدم تمتع سائر الأطراف بهذه التنمية، بالإضافة إلى الفساد والتمييز الاقتصادي ، هو مظهر من مظاهر فشل الحكومة على المستوى الداخلي في خلق اقتصاد ديمقراطي قادر على رعاية جميع المواطنين وتحقيق الرخاء لهم.
ويشار إلى أن العراق لديه أعلى معدل تنمية غير متوازنة بين الدول العربية في المنطقة ، وهو ما كان سبب لاحتجاجات المواطنين العراقيين خلال العام الماضي.
3- تدهور اقتصادي حاد: التدهور الاقتصادي الحاد هو عامل آخر يشير إلى فشل الحكومة العراقية في السنوات التي تلت عام 2003. ولفهم هذا العامل في السنوات التي تلت عام 2003 ، هناك معايير مختلفة في مؤشر التدهور الاقتصادي يمكنها الإشارة إلى وضع الناتج المحلي الإجمالي والتضخم والقيمة النقدية والاستثمار الأجنبي والناتج المحلي الإجمالي للفرد ، ولكن لتجنب إطالة الكلام ، سيتم الإشارة الى أحد المؤشرات فقط ، وهو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 2006 إلى 2015.
وعليه ، فقد بلغ نصيب الفرد العراقي من الناتج المحلي الإجمالي في العراق بالدولار (8/4140) لعام 2006 ، وعام 2007 (5/4093)، وعام 2008 (4318)، وعام 2009 (6/4343)، وعام 2010 (4/4487)، وعام 2011 (6/4647)، وعام 2012 (5150)، وعام 2013 (4/5303)، وعام 2014 (5/5303) وبلغ في عام 2015 (1/4963).
في الوقت الحاضر ، أدى انخفاض أسعار النفط نتيجة تفشي فيروس كورونا إلى تدهور شديد في النشاط الاقتصادي والأمور المالية العامة وميزان المدفوعات. وتواجه الحكومة تحديات للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي ، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية لتحسين تقديم الخدمات العامة ، وإعادة بناء البنية التحتية الإقتصادية.
4- البطالة الكبرى: العقبة الاقتصادية المهمة الأخرى التي تواجهها حكومة الكاظمي، تتعلق بمعدل البطالة ومستوى التوظيف في الاقتصاد. ومعدل البطالة هو نسبة السكان العاطلين عن العمل إلى السكان الموظفين. وبلغ معدل البطالة في العراق في عام 2004 نسبة 25٪ ، وفي عام 2005 نسبة (25٪) ، عام 2006 (18٪) ، عام 2008 (15.3٪) ، عام 2012 (15.3٪) ، وعلى الرغم من تحسن معدلات البطالة منذ عام 2006 الى عام 2014 إلا أن في عامي 2014 و 2015 ، مع تصاعد أزمة اللاجئين والحرب ضد داعش، تزايدت معدلات البطالة مرة أخرى.
ووفق الإحصاءات المتاحة ، فقد بلغ معدل البطالة بين الباحثين عن عمل في العراق نحو 15 بالمئة قبل 2014. ولم ينخفض هذا الرقم في عام 2015 ، على الرغم من الإجراءات الإصلاحية للحكومة العراقية آنذاك بشأن الاقتصاد، ارتفع معدل البطالة إلى 15.5 بالمئة بسبب الظروف الخاصة التي مرت بها البلاد ذلك العام.
كما فشلت جهود حكومة العبادي لخلق فرص عمل وخفض معدل البطالة المتزايد في عام 2016 ، حيث وصل معدل البطالة إلى مستوى قياسي بلغ 16 بالمئة في ذلك العام. ونتيجة لتفشي كورونا وتراجع عائدات النفط ، تم تعطيل العديد من الوظائف في العراق تقريبًا ويقدر معدل البطالة الآن بأكثر من 20 بالمائة.
5- معارضة التيارات والجماعات السياسية للإصلاحات الواسعة: العقبة الرئيسة الأخرى أمام تقدم الكاظمي في مسار الإصلاحات المالية ، بالإضافة إلى تدهور مؤشرات الاقتصاد الكلي في هذا البلد ، يمكن تقييمها فيما يتعلق بمعارضة التيارات السياسية. وتُظهر التجربة التاريخية للعراق منذ عام 2003 أن الإصلاح الاقتصادي هو في الأساس عامل سياسي ، وأن رئيس الوزراء نفسه يجب أن يأخذ في عين الاعتبار مطالب الأحزاب في إختيار المناصب وحتى في عملية الإصلاح.
على سبيل المثال ، في ظل الوضع الراهن ، تعارض العديد من الأحزاب السياسية، الشخصيات المنتخبة للمناصب الجديدة ، بغض النظر عما يمكن أن تحدثه تغييرات الكاظمي بالنسبة لاقتصاد البلاد. وهذا يمكن أن يمهد الطريق لعزله من السلطة في المستقبل القريب ، وإحباط جميع خطط الكاظمي للإصلاح.
ومجموع هذه العقبات الاقتصادية الكبيرة يظهر حجم المهمة الصعبة التي يتعين على الكاظمي مواجهتها من أجل محاربة الفساد وتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد. ومما لا شك فيه أن الإصلاحات الاقتصادية لاستعادة الاستقرار المالي والازدهار للعراق في غضون بضعة أشهر أو بضع سنوات ، وربما على المدى القصير ، غير ممكنة ، لذلك يمكن تقييم إصلاحات الكاظمي ، أنها تركز بشكل كبير على تغيير المدراء الاقتصاديين وليس تغيير معادلات السوق الاقتصادي. كما أظهرت التجربة التاريخية أن تغيير الأفراد لا يمكن أن يحل مشاكل الاقتصاد الكلي في العراق.