الوقت – للمرة الثانية خلال أقلِّ من شهر، أدرجت أمريكا كيانات صينيّة ومسؤولين صينيين، على لائحة عقوباتها، وذلك بسبب دورهم في انتهاك حقوق مسلمي الإيغور بإقليم تركستان الشرقية، للوهلة الأولى يبدو الخبر جميلاً ويحمل مناحي إنسانية، غير أنّه وبنظرة واحدة على التاريخ الأمريكي يتّضح أنّ ما تقوم به أمريكا ليس أكثر من مناورة سياسية ضد الصين، وهو الأمر ذاته الذي فعلته عندما دعمت الأفغان في حربهم ضدّ الاتحاد السوفييتي السابق، ثم عادت بعد ذلك وأعملت بهم قتلاً وتنكيلاً، واليوم تُساند أمريكا العصابات الهندوسيّة في الهند للإجهاز على المسلمين في كشمير، ولم تنبس ببنت شفة جرّاء عمليات الاضطهاد بحقهم!.
منذ اللحظة التي قرأت بها هذا الخبر، عادت بي الذاكرة إلى خروج جورج بوش الابن حاملاً الإنجيل ومُعلناً حرباً صليبية على المسلمين في العراق كان قد بدأها والده وراح ضحيّة تلك الحروب أكثر من مليون مسلم عراقي وتهجّر الملايين إثر تلك الحرب، وليس فقط في العراق فسبقها أفغانستان وكم من المسلمين قُتل على أيدي الجيش الأمريكي لا لشيء إلّا لأنّهم مُسلمون، فلماذا لم تقم أمريكا أو أيٌّ من دُعاة السلام حينها بالوقوف في وجه جرائم الحرب تلك؟.
عداء مُتجذّر
يعتقد البعض أنّ العداء الأمريكي للمسلمين مردّه إلى تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر؛ غير أنّ الواقع يؤكّد أنّ هذا العداء مُتجذّر في العقل السياسي الأمريكي، فجميع القادة الأمريكيين كانوا بحاجة إلى عدّوٍ خارجي لتظليل الرأي العام الأمريكي، وهنا وجدوا في الشيوعية والإسلام مُبتغاهم، ويمكن مُلاحظة العداء الأمريكي للمسلمين من خلال وقوف أمريكا بوجه الثورة الإسلامية في إيران التي أنهت حكماً شمولياً قائماً على الفرد، وأقرّت مكانه الديمقراطية، غير أنّ هذه الديموقراطية لا تروق للأمريكيين، فإمّا ديموقراطيتهم؛ وإمّا الخراب، وكانت آخر جرائم أمريكا بحقّ إيران اغتيال الجنرال قاسم سليماني الذي وصفته مقرِّرة الأمم المتحدة الخاصة بشأن الإعدام أنّه قتل خارج إطار القانون.
أكثر من ذلك؛ فها هي فلسطين ومنذ احتلالها لم تنظر أمريكا إلى موت الفلسطينيين اليومي على أيدي قوات الكيان الإسرائيلي، وليتها لم تسكت وحسب، بل شاركت بقتل آلاف الفلسطينيين المسلمين بأسلحتها التي أُهديت للكيان.
وغير بعيدٍ عن فلسطين، ففي العراق وخلال سنوات الحصار المُرّ وما تبعها من حربٍ أتت على العراق ولم تبقِ ولم تذر، حيث قُتل أكثر من مليون طفل عراقي، بسبب القصف المُتواصل وما سبقه من حصار استمرّ أكثر من عشر سنوات، ناهيك عن إصابة آلاف الأطفال الرضّع في العراق بالعمى لقلّة الأنسولين، بالإضافة لهبط متوسط عمر العراقيين خلال أيام الحصار 20 سنة للرجال و11 سنة للنساء، وموت نصف مليون عراقي نتيجة الإشعاعات التي سببتها الأسلحة الأمريكية، إذ إنّ حجم ما ألقي على العراق من اليورانيوم المنضب يساوي أربعين طناً.
تطول قائمة الجرائم الأمريكيّة بحقِّ المسلمين لتمتدُّ من الصحاري الإفريقية مروراً بالسودان وليبيا ولا تنتهي في لبنان أو سوريا أو العراق أو إيران، بل امتدت لتصل إلى باكستان وأفغانستان وإندونيسيا التي قتل جيشها أكثر من مليون مُسلم بدعم مباشر من الأمريكيين
الجزاء من جنس العمل
كلُّ ما ذُكر سابقاً من جرائم اقترفها الأمريكيون بحق المسلمين؛ كانت ردّة الفعل الطبيعية عليه هي العداء المُتبادل، وإذا كُنّا ندين جرائم تنظيم القاعدة وخصوصاً قتلهم للأبرياء في أبراج التجارة، غير أنّ تلك الجرائم أتت كردِّ فعلٍ على الجرائم الأمريكية، فلكلِّ فعلٍ ردة فعل.
وما عداء إيران اليوم وسوريا وكافة دول محور المقاومة إلّا ردُّ فعلٍ على الجرائم الأمريكية بحقِّ تلك الدول، فسوريا على سبيل المثال وهي الدولة التي كانت الأكثر أمناً وسلاماً في الشرق الأوسط تحوّلت وبدعمٍ أمريكي مُباشر إلى أسوأ بلدان العالم للحياة، وأتبعت أمريكا احتلالها لقسمٍ كبير من سوريا، بقانون قيصر الذي بدأنا نرى آثاره على السوريين، بعد أن كانت تؤكّد الإدارة الأمريكية أنّها موجّهٌ ضد الحكومة السوريّة حسب ادعائها.
وما زاد الطّين بلةًّ هو الصور المروّعة التي انتشرت من سجون أمريكا إن كان في أمريكا ذاتها بحق المسلمين (كسجن غوانتانامو) أو سجونها المُنتشرة حول العالم، كسجن أبو غريب الذي أصبح مضرب مثل للعدالة الأمريكيّة، وهو ما زاد حالة الحنق لدى مُسلمي العالم ضدّ الإدارات الأمريكية المُتعاقبة.
وفي الختام.. فإننا لا نُبيح بأيِّ شكلٍ من الأشكال الانتهاكات التي ترتكبها الصين بحق المُسلمين الإيغور، ونُدينها أيم إدانة، غير أنّه لا يحق للأمريكيين بحال من الأحوال ابتزاز الصينيين بالمسلمين الإيغور، أو استخدامهم كورقة ضغطٍ سياسي، فآخر ما يهمُّ الأمريكيين هو الإسلام والمسلمين، ويُمكننا رؤية كميّة الحب الذي يحملوه للمسلمين من خلال الأفلام السبعمئة التي أنتجوها وحملت إساءات مباشرة ولئيمة للإسلام والمُسلمين، بل أكثر من ذلك نرى كميّة تلك المحبّة وضّاحة من خلال تصريحات الرئيس نيكسون الذي قال في إحدى تصريحاته أنّه ليس هناك من أُمّة لها صورة سلبية في الضمير الجمعي للأمريكيين بقدر الصّورة السيّئة للأمة الإسلامية والعالم الإسلامي.