الوقت - يتخذ الاتجاه المتنامي للمواجهات الصينية الأمريكية أبعادًا جديدةً كل يوم، وفي الخلاف الأحدث، بدأ البلدان في إغلاق مكاتبهما الدبلوماسية.
هذا الأمر، إلى جانب الحرب الاقتصادية والخلافات العسكرية في المناطق الاستراتيجية مثل بحر الجنوب، يقود في الواقع القوتين نحو حرب باردة جديدة على الساحة الدولية.
لقد فرض البيت الأبيض مؤخرًا عدة عقوبات على بكين، بحجة نشر فيروس کورونا والقوانين الجديدة للأمن القومي لهونج كونج، وأوضاع أقلية "الأويغور" المسلمة في شينجيانغ، والآن أضيف إغلاق القنصلية إلى إجراءات واشنطن المعادية للصين.
أزمة القنصليات
لقد تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين في الأيام الأخيرة، بعد قرار أمريكا منح الصين مهلة ثلاثة أيام لإغلاق قنصليتها في "هيوستن".
وبررت وزارة الخارجية الأمريکية في بيان لها هذا الإجراء، بأنها أمرت بإغلاق القنصلية لحماية الملكية الفكرية والمعلومات الخاصة للأمريكيين.
وحول إغلاق القنصلية الصينية، زعم وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" قائلاً: لدينا توقعات واضحة بشأن سلوك الحزب الشيوعي الصيني، وعندما لا يفعلون ذلك، فإننا نعتزم اتخاذ خطوات تدعم الشعب الأمريكي، وأمننا، وأمننا القومي، وكذلك اقتصادنا ووظائفنا.
في غضون ذلك، قال بعض المدّعين الأمريكيين إن القنصلية الصينية في "سان فرانسيسكو" قامت بإيواء عالمة صيني أخفت علاقتها بالجيش الصيني.
بعد الموعد الذي حددته أمريكا للصين لإغلاق قنصليتها، أحرق موظفو القنصلية الوثائق الدبلوماسية هناك، وتعهّد المسؤولون الصينيون بالرد، واصفين الخطوة بأنها تصعيد غير مسبوق ومدهش للتوترات.
وفي أعقاب هذه الخطوة الأمريكية، قال موقع وزارة الخارجية الصينية في بيان يوم الجمعة، إن المسؤولين الصينيين أبلغوا أمريكا بقرار "بكين" إلغاء ترخيص نشاط هذه القنصلية.
لكن في حين لم يتمكن المسؤولون الأمريكيون من تقديم أدلة لوسائل الإعلام تؤكد تجسس القنصلية الصينية في هيوستن، تشير التقارير الإعلامية والصور التي نشرت يوم السبت إلى احتلال القنصلية بعد وقت قصير من إغلاقها؛ إجراءٌ يمكن أن يكون إما محاولة للعثور على أدلة تؤکد تجسس هذا المرکز الدبلوماسي، ما يشير إلى أن واشنطن ليس لديها أدلة كافية لإغلاق القنصلية، أو محاولة للعثور على العالمة الصينية التي تدّعي وزارة العدل الأمريکية وجودها في القنصلية.
وبعد ظهر الجمعة بالتوقيت المحلي، وبعد ساعات قليلة من إغلاق القنصلية رسميًا، قامت مجموعة من الرجال يُزعم أنهم مسؤولون أمريكيون بفتح الباب الخلفي لمبنى القنصلية بالقوة.
وبحسب شاهد عيان وكالة "رويترز" للأنباء، غادر موظفو القنصلية المبنى حوالي الساعة الرابعة مساءً، وبعد ذلك فتحت مجموعة من الرجال الباب الخلفي للمبنى بصعوبة.
كما أفادت قناة "روسيا اليوم" أن المسؤولين الأمريكيين حاولوا دخول المبنى بعد أقل من ساعة من مغادرة موظفي القنصلية الصينية في هيوستن بتكساس.
ووفقًا للتقرير، تمكن المسؤولون الفيدراليون، الذين يُعتقد أنهم مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية، أخيرًا من فتح الباب الخلفي للمبنى بمساعدة بعض الأدوات في الساعة الخامسة مساءً بالتوقيت المحلي، بعد فشلهم في فتح الأبواب الثلاثة الأخرى.
فرانكشتاين الصيني.. من بناء التحالفات إلى خلق الأجواء السياسية من قبل البيت الأبيض
منذ رئاسة باراك أوباما، نظرت أمريكا في التهديد الذي تمثله زيادة القدرات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية للصين علی الهيمنة الأمريكية المهزوزة في العالم، عبر سياسة "التحول شرقاً".
ومع وصول ترامب إلى السلطة وتبنيه السياسات الحمائية والمركنتيلية الجديدة، ازداد حجم التوترات والخلافات بين البلدين، لدرجة أن الخبراء يحذرون من إمكانية حدوث حرب باردة جديدة بإحداثيات جديدة.
وفي ظل هذه الظروف، تشير التحركات السياسية والعسكرية الأمريكية إلى أن قادة واشنطن يسعون إلى إنشاء كتلة وتحالف دولي لمواجهة القوة المتنامية للصين.
وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية مايك بومبيو في خطاب ألقاه في مكتبة نيكسون في مسقط رأس رئيس بلاده الأسبق في "يوربا ليندا" بكاليفورنيا: "قال الرئيس نيكسون ذات مرة إنه يخشى أن يكون قد أنشأ "وحش فرانكنشتاين" بفتح العالم أمام الحزب الشيوعي الصيني. وها نحن قد وصلنا إلى هذه المرحلة".
وطالب بومبيو بإنهاء ما أسماه "التفاعل الأعمى" مع الصين، وكرر المزاعم السابقة لإدارته بشأن تجارة الصين غير العادلة وانتهاكاتها لحقوق الإنسان ومحاولاتها التسلل إلى المجتمع الأمريكي.
کما حذر بومبيو من أن الجيش الصيني أصبح "أقوى وأكثر تهديداً"، وينبغي أن يكون النهج المتخذ تجاه بكين هو نهج "لا تثق وتحقق"، في إشارة إلى شعار الرئيس الأمريكي الأسبق "رونالد ريغان" بشأن نهج "ثق لكن تحقق" تجاه الاتحاد السوفيتي السابق.
وأضاف بومبيو: "الحقيقة هي أن سياساتنا، وكذلك سياسات الدول الحرة الأخرى، أحيت اقتصاد الصين المنهار، والآن فإن بكين تعض الأيدي الدولية التي امتدت لها لتطعمها".
وفي جزء مهم من حديثه، أردف قائلاً إن "الدول المحبة للحرية في العالم يجب أن تجبر الصين على التغيير، بطرق أكثر إبداعًا وجرأةً".
في المقابل، اتهمت وزارة الخارجية الصينية بومبيو بتشويه الحقائق والتحيز الأيديولوجي في تصريحاته المناهضة لبكين، ودعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية "وانغ وين بين" أمريكا إلى الابتعاد عن "عقلية الحرب الباردة".
لکن ترامب وبالإضافة إلى محاولة الانتقام من بكين بسبب الضربة الکبيرة التي لحقت بالاقتصاد الأمريكي نتيجة ما يصفه بالفيروس الصيني، فقد وجد حافزًا مضاعفاً لإذکاء نار "الصينو فوبيا" عشية انتخابات نوفمبر، بعد الكشف الإعلامي عن المعاملات الاقتصادية السرية لشركاته مع الصين.
وفي هذا السياق، قال ترامب في اجتماع بالبيت الأبيض حول وضع فيروس كورونا بالأمس، إن "الاتفاق التجاري(مع الصين) أصبح أقل أهميةً بالنسبة لي الآن مقارنةً بما كان عندما أبرمته".
ومع ذلك، ووفقاً لمصادر مطلعة، أخبر ترامب مساعديه أنه لا يريد تصعيد التوترات مع بكين، ولا يرغب حالياً في فرض أي عقوبات أخرى ضد كبار المسؤولين الصينيين الآخرين، الأمر الذي يمكن أن يكون أحد أسبابه تجارة ترامب المربحة مع الصينيين من وراء الكواليس.
في السياق نفسه، وفي تقرير فاضح ضد الشراكة الاقتصادية بين ترامب والصين الأسبوع الماضي، أفادت "سي إن إن" أنه وفقًا لبيانات الجمارك الأمريكية التي جمعها موقع ImportGenius، فإن شركة دونالد ترامب وأصولها في أمريكا قد استوردت أكثر من ثمانية أطنان من السلع الصينية".
تم استخدام هذه الواردات لمصلحة أصول وشركات ترامب، بما في ذلك للديكور، في حين أن الرئيس الأمريكي يزعم أنه يريد مواجهة الصين، وهي إجراءات يری المنتقدون أنها تتسم بطابع استهلاکي عشية الانتخابات.
ومع ذلك، فمن ناحية، الخلافات بين أمريكا والدول الأوروبية على مدى السنوات الثلاث الماضية وتعميق الفجوة عبر الأطلسية، جعلت الخبراء يشككون في قدرة البيت الأبيض على تشكيل تحالف ضد الصين.
ومن ناحية أخرى، على الرغم من استعراضات ترامب المناهضة للصين، تظهر الاستطلاعات أن عدد منتقدي أداء ترامب ضد كورونا قد ارتفع بشكل حاد بين المواطنين الأمريكيين.